الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


!!ويغتالون بحر النيل.. يا كبدى

ياسر العدل

2005 / 11 / 1
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


مدينة المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية، تعيش على شاطئ النيل فرع دمياط، يسكنها نصف مليون مواطن، يتقاسمون ملامح جمالهم مع النهر، يروى سحناتهم بالإشراق والاخضرار، لتصبح المنصورة عروسا لبحر النيل، مرتعا للصبايا الحسان، ومنبعا لأهل كثر فى كل علم وفن.
أن تعيش فى محافظة الدقهلية، فأنت تعيش فى شرق دلتا نهر النيل بأرض مصر، تعايش أناسا كثر يحملون قلبا فياضا بالحب للحياة ويبدعون فى كل علم وفن، وأنت تقترب من ذكرى بطولات المصريين فى دحر الغزاة الفرنسيين بقيادة الملكة شجرة الدر، وأسر ملكهم لويس التاسع فى دار ابن لقمان، وأنت تدب على أرض أنجبت أساطين وأصحاب فضل فى نهضتنا الحديثة، على مبارك فى نشر التعليم، وأم كلثوم فى التغنى بالجمال، والشيخ على عبد الرازق فى التنوير ورفض الخلافة الدينية، وأنت فى الحاضر تقترب أكثر من نفسك لتشعر بالحزن على قوم محدثين، إنهم قادة وساسة ومواطنون يهينون بحر النيل، وتضعف قدرتهم على محاسبة المسئولين عن صنع الإهانة.
المسئولون عن مدينة المنصورة يشتركون فى اغتيال بحر النيل وخنق مجراه، تسابقوا فى الشر حتى انكمش عرض النيل فى بعض المناطق إلى ثلاثين مترا بعد أن كان مئات الأمتار، ففى محاولاتهم لحل أزمة المواصلات أقاموا طريقا للسيارات اقتطعوه من قلب مجرى النيل على طول شاطئه الشرقى، وفى محاولاتهم لإرضاء بعض الأثرياء وكبار الموظفين، ردموا أحد فروع المياه حول جزيرة الورد وضموها للشاطئ، وأقاموا عليها نواد اجتماعية لهيئات حكومية تملك جرأة الاغتصاب وتملك سخف التبرير لاغتصاب بحر نيلنا الحزين .
نهر النّيل بحر مائنا الطّاهر، يتأبط ذراع الحياة فى مصرنا منذ الأزل، تستشرف قرانا وجهه، ترضعنا أمهاتنا القسم بقدسيته عند كل عظيم، كنا أطفالا صغارا تتندى أجسادنا بـماء فيضانه، فتنزرع فى وجداننا خضرة الطهر والنماء، تغوص أقدامنا فى حفيف طميه، فتهون على أرجلنا صعاب كل طريق، يخفى لنا فى بطن مائه أحلامنا بالجنيات وعرائس البحر فيتأجج فى وجداننا حب الوجود ورغبة الحياة، ينفرش ماءه اتساعا بين الشاطئين فتموج عليه أحلامنا راكبة شراعات العبور نحو الجمال، نتمرغ فى تراب تحاريقه، فترتوى أرواحنا بالانتماء رغم كل جدب، وسنبقى أطفالا صغارا، يعطينا النيل الأبوة والأمومة وجوداً طاهراً مقدسا.
فى عصرنا الحديث، أصابتنا غلظة فى إحساسنا الحضارى بالجمال، وزادت مع الخطوب رغبتنا فى الموت الجماعى، فانصرفنا نغتال النيل كل يوم، نخنق مجراه وندنس جسده ونلوث مياهه، ويأكل الحزن أكبادنا نحن الذين نستشعر الجمال والوفاء لبحر النيل الطاهر.
ما الذى يحدث لنيلنا فى كل مصر؟ نقتطع الأرض من مجراه، نبنى عليها بيوتا وملاهى وأندية لأصحاب الوجاهة، ممن يملكون سلطة اغتصاب النهر والأرض والناس، نمتهن كرم شواطئه ونغلقها بنواد ومنشآت لصالح الأثرياء، فلا يبقى من جمال الشاطئ غير ممرات ضيقة تنسرب عليها أقدام الفقراء يلوكون أحلامهم المجهضة.
أوّاه يا أساطير القداسة فى أرض مصر، هل نحن بحاجة للتضحية بعشرات من الجميلات كى يصبحن عرائس للنيل؟ فيجمح بحرنا الطاهر تألقا بجمالهن، ويفيض إعداما لمن يفتقدون الجرأة على التصريح بأن المجال ضيق فى بلادنا لتوظيف أصول العلم وإبداع العلماء، وبأن معايير الجمال لدينا يتحكم فى صناعتها موظفون يتكلسون فى قدر كبير من البلادة وفساد الذوق، وأن الأشقياء الفاسدون يتحكمون فى تخطيط حياتنا ويرسمون العيش فى مدننا، يختفون وراء ألقاب طويلة من الهندسة والدكترة والباشوية، فانداح بهم إحساسنا بالجمال وعاد إحساسا بالحياة قبرا مشوها.
ما بال أجهزتنا الإدارية فى مصر؟ تقتل النيل شريان حياتنا، وتسعى لحل مشاكل والمواصلات والترقيات والأصدقاء، على حساب اتساع بحر النيل وجمال شواطئه، أين الحب لهذا النهر فى آليات العمل بمؤسسات حماية البيئة؟ والأقوام غيرنا يحبون أنهارهم ويسنون القوانين للاعتناء بها، حتى ولو كانت أنهارهم مجرد قناة صغيرة كنهر بردى فى سوريا، أو نهراً دولياًً كالدانوب يتلوى بين صربيا وبلغاريا ورومانيا، أو نهراً هادراً كالمسيسبى بالولايات المتحدة.
هل يحق لنا، نحن الذين نحب النيل، أن ندعو الله بفيضان جامح للنهر يأكل ما تم اغتياله من شواطئه ومجراه؟ وأن يغمر الماء والطين كل بيوت المسئولين عن هذه المجازر المستمرة؟ ربنا اللهم لا تستجب، ففى الفيضانات والكوارث من صنع البشر يذهب الفقراء سدى.
وحياة البحر الطاهر، ربى اجعلنى مسئولا عن مدينة المنصورة لعام واحد، وساعدنى كى أدفع بكل المسئولين وأهل المدينة فى طوابير عمل وجهد، تعيد لبحر النيل كل ما اغتصبوه من جسده الطاهر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء خان يونس


.. ياسين اليحياوي: -المجازفة قد تكون الطريق للريادة..-




.. الانتخابات التشريعية في بريطانيا.. هل باتت أيام ريشي سوناك م


.. نحو ذكاء اصطناعي من نوع جديد؟ باحثون صينيون يبتكرون روبوت بج




.. رياضيو تونس.. تركيز وتدريب وتوتر استعدادا لألعاب باريس الأول