الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متناقضات العالم المعاصر ..

محمد البورقادي

2015 / 11 / 23
العولمة وتطورات العالم المعاصر


في عصر الإتصال والمعلوميات ..في زمن التكنولوجيات الحديثة والشبكات الرقمية التي تربط أقصى الأرض بأدناها ..
في زمن الإمتداد اللانهائي ..الإمتداد الرقمي الذي حول المجال الجغرافي إلى رقعة واحدة مندمجة أطرافها ومرتبطة بمركز واحد ..
إنها خيوط الشبكة المنسوجة في كل مكان ..إنها بوادر الإستعمار الجديد ..استعمار للعقل وتكبيل للحس وقولبة لأنماط السلوك وانتقال من الواقعي إلى الإفتراضي ..ومن حدود الزمن إلى اللازمن ..ومن حدود الفضاء إلى لا محدودية الفضاء ..وإدماج للحس في المادة ..والتقاء الرمزي مع المادي في قالب محبك التنظيم ..
إننا نعيش زمن اللامرئي ..زمن الخيال في مواجهة الواقع ..بل الخيال هو من يؤسس الواقع ويتحكم في مجرياته وأحداثه وصياغته وتدبيره وقيادته ..
لقد صرنا عبيدا للتكنولوجيا وعبيدا للتقنية ..لقد استعبدتنا بعد أن كنا أحرارا ..واستعمرتنا بأجهزة تنتصر للإفتراضي والخيالي ..وتؤسس لغير المباشر عوض المباشر ..
لديك أموال في حساب بنكي لامرئي ولا محسوس ..حساب فايسبوك ..مكالمات لا سلكية لا ترى منها شيئا تصلك موجاتها في الهواء ويتلقفها جهازك وأنت غافل عن كل هذا ..
رنين مغناطيسي وأشعة سكانير تخترق المادة ولا تبصر من ذلك شيئا ..حواسيب تتحكم في آلات عملاقة وتدير العالم بضغطة زر ..هواتف تنقلك من عالم إلى عالم آخر ومن مزاج إلى آخر بكبسة أصبع فقط ..طائرات بدون طيار ..صواريخ بعيدة المدى ..تلفزات ذكية تأتي بالعالم راكعا إليك وأنت في عقر دارك ..رادارات تراقب نشاط السفن في قلب البحار ..أقمار اصطناعية تعقب دبيب النمل ..محطات إذاعية تلتقط البعيد قبل القريب ..كاميرات رقمية تلتقط التفاصيل الدقيقة التي لا تحيط بها عيناك ..ميكروسكوبات تخترق أصغر الذرات وتيلسكوبات تبصر أبعد المجرات ..
إنه عصر التقنية والعلم ..حيث بلغ الإنسان الذروة والقمة في كل شيء ..تسهيل ومرونة ..جودة ودقة ..سرعة وإثقان ..إبداع وجمال ..قوة وذكاء ومهارة ..
فهل استفاد الإنسان من هذا التطور حقا ؟ وما مدى الإستفادة من هذه الطفرة والثروة اللامحدودة ؟
لقد أصبحنا نصنع السلاح لنحارب بعضنا البعض ..شعوبا تباد وأراض تسحق ومنازل تهدم ..بل ومدن بكاملها تسقط على وقع القنابل النووية ..والقادم أدهى وأمر ..
وعدنا نصنع السيوف لنقتل بعضنا البعض ..ونشاهد التلفاز لنزداد عنفا وشراسة ..
أصبحنا نعقد مؤتمرات السلام بين البلدان ونحن في عدوان دائم ..
ندافع عن حقوق الإنسان وعن حقوق الأقليات ونرفع شعارات المساواة والكرامة والعدالة والديموقراطية ..ونحن نسب بعضنا البعض ونكره بعضنا البعض ونؤذي ونتفنن في إيذاء بعضنا البعض ..ونكيد للآخر ..ونحتقر الآخر ..ونسرق الآخر ..ونكذب على الآخر ..ونحتال على الآخر باسم القانون ..باسم الديموقراطية.. باسم حقوق الإنسان !!
أصبحنا متفرقين لا متحدين ..منفصلين لا مجتمعين ..
آه لو كان الهواء بيد القوي منا لاحتكره لنفسه ..ووضعه في علب ليبيعه بأغلى الأثمان للضعيف .!! وقس على ذلك المطر وغيره مما يقوم به الإنسان ويحيا ..
فالحمد لله الذي جعل مقومات الحياة بيده وحده ولم يخلفها أحدا من خلقه .
رغم ما وصلنا إليه من تقدم في كل المجالات ..ومن تحرير للعقل ونبوغ للفكر.. ومن اختراعات ..رغم ما حققناه بعقولنا وعلومنا ..فإن ذلك لم ينعكس على أخلاقنا وقيمنا ..لم نرى له صدى في أفعالنا وممارساتنا ..لم نجد له وقعا على تمثلاتنا للواقع الجديد ..
فما جدوى العلوم والإكتشاف إن لم يؤثر ذلك في نفوسنا وفي سلوكنا ..إن لم يحيي ضمائرنا ويغذيها وينعشها ..ما جدوى التقدم إن انحطت مقوماته وفشلت مسبباته ..وهي النفس والعقل ..عن الصعود والإرتقاء ..وعن التغيير للأحسن والأفضل..
أصبحنا ننسج اللباس للتعري أكثر وليس للتستر ..عدنا نتعرى أكثر باسم الموضة والحداثة !
لدينا شهادات عليا..ومراكز وأدوار اجتماعية عالية ..وليس لدينا حكمة !
لقد وصلنا للقمر وقطعنا الأرض ولا نكلف أنفسنا عناء زيارة جار لنا ..أو صلة رحم ..أو عيادة مريض ..
لقد أنفقنا أكثر واستهلكنا أكثر ..ولم نتصدّق بدرهم واحد ..
لدينا أطباء أكثر من أي وقت مضى..وأدوية وأجهزة طبية متطورة أكثر من أي زمن ولى ..ورغم ذلك لدينا مرضى كثر ..
لدينا الوقت للسفر عبر العالم ..لممارسة الرياضة ..للتجول في الشوارع ..وليس لدينا وقت للصلاة !
أصبحنا نبدع في كسب رزقنا ولكن لم نتعلم كيف نحيا ..كيف نعيش عيشا كريما ..
لدينا حواسيب وشبكات اتصال أكثر ..وليس لدينا اندماج وتقارب واتحاد ..لدينا فائض في الكم ونقص في الكيف !
لدينا منازل ..وليس لدينا بيوت ..
لدينا دخول مرتفعة.. وليس لدينا أخلاق ومبادئ..
لدينا وقت فراغ ..وليس لدينا استثمار ..
لدينا علم وليس لدينا معرفة ..
أصبحنا نرضي مجتمعنا ولا نرضي أنفسنا ..
نلوم الآخر ولا نلوم أنفسنا ..
أصبحنا نعيش في عصر الترف ..عصر الرغد والرفاه ..الكل متوفر وفي المتناول ..ولكن أصبحنا محتاجين أكثر ..متطلبين أكثر ..أصبحنا أكثر تدمرا ..واكتئابا .
ننفتح على الأنترنت ولا ننفتح على العائلة ..على الأصدقاء ...نتقرب ونحابي الخيال ..ونجتنب ونبتعد من الواقع !
أصبحنا أكثر قلقا ..أكثر تعصبا ..زاد احتقاننا ..زادت وساوسنا ..قل أمننا وسلامنا ..قل أماننا وسكينتنا ..
نؤسس لاستقرار العالم ولا نؤسس لاستقرار ذواتنا وأنفسنا ..
قوات الأمن..على الحدود ..في الشارع .. في كل مكان ..لكننا نرهب كثيرا ..ونخاف كثيرا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال


.. روسيا تواصل تقدمها على عدة جبهات.. فما سر هذا التراجع الكبير




.. عملية اجتياح رفح.. بين محادثات التهدئة في القاهرة وإصرار نتن


.. التهدئة في غزة.. هل بات الاتفاق وشيكا؟ | #غرفة_الأخبار




.. فايز الدويري: ضربات المقاومة ستجبر قوات الاحتلال على الخروج