الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حسناء باريس... وردة ذبلت أم أشواك دامية؟

طوني سماحة

2015 / 11 / 24
الارهاب, الحرب والسلام


"حسناء باريس" عنوان يوحي بالرومانسية والحب والدفء، لكنه وفي الاسبوع الماضي التصق بالشابة "اييت ابو الحسن" التي ارتبط اسمها بتفجيرات باريس الاسبوع الماضي. من هي حسناء باريس او اييت ابو الحسن؟

تذكر جريدة النهار اللبنانيةالصادرة بتاريخ 22 الثاني 2015 ان اييت من مواليد فرنسا عام 1989 لأبوين مغربيين. عاشت هذه الفتاة طفولة صعبة نتيجة انفصال والديها مما أدى بها الى التنقل بين منزل والديها ومنازل ضيافة متعددة. تذكر وكالة الاخبار الفرنسية عن احدى امهات الضيافة اللواتي أشرفن على تربيتها أن "الامور كانت تسير على ما يرام في البداية، على الرغم ان الفتاة كانت ترفض الغنج وترى كوابيس في الليل. لكن وفي سن المراهقة ابتدأت اييت تضيع." في السادسة عشرة من عمرها، كانت الحسناء الفرنسية تخرج وحيدة مع مجموعة من الشباب وكانت ترتدي حذاء وقبعة جلدية سوداء مما يوحي بزي رعاة البقر الامريكيين او ما يعرف بالكاوبوي. أدمنت اييت تعاطي الكحول وخاصة الفودكا كما كانت تمارس الجنس وتتسكع في علب الليل. أكثرت الحسناء الخروج من البيت حتى انتهى بها الامر احيانا الى النوم في الشوارع والازقة او على كنبة في منزل صديقة لها. تقول عنها "خميسة" صديقة الطفولة ان "اييت لم تكن من النوع الذي يفجر نفسه وانها كانت تحب الحياة حتى انها ضلت طريقها وتأثرت بهؤلاء القتلة". يروي جيران الوالدة ان اييت "ابتدأت منذ فترة تظهر مرتدية الحجاب ومن ثم النقاب قبل ان تكتب على صفحتها "سوف أذهب قريبا الى سوريا".

من الواضح ان اييت كانت تعاني من مشاكل مزمنة منها انفصال والديها واضطرارها للتنقل بين بيوت الضيافة وصولا الى ضياعها في احضان الجنس والمخدرات والكحول. لا شك ان هذه الحسناء كانت تشعر بفراغ ما في داخلها حاولت ان تملأه بأمور مختلفة، كما انها كانت ثائرة حاولت تحطيم القيود وازالة الحواجز التي تفصلها عن السعادة. ثارت اييت على التقاليد الاسلامية فأدمنت الكحول وتعاطت المخدرات ومارست الجنس. عاشت الحسناء الحرية التي منحها اياها الغرب إلا ان ثمة جوعا ما في داخلها عجزت الحرية عن اشباعه، ثمة عطش ما لم يرتوي، فقررت اييت التحول مائة وثمانين درجة. ومرة اخرى ثارت الحسناء، لكن ثورتها كانت هذه المرة ضد الغرب. من الصعب ان نتكهن عن اسباب ثورتها. أتكون تعرضت لتجربة عنصرية دفعتها للسير في الاتجاه المعاكس، أم انها رأت نفسها تغوص في بحر المخدرات والجنس والكحول ولم تعد تستطيع التخلص من قيودها فحمّلت الغرب المسؤولية، أم انها شعرت ان العمر يسبقها وهي عاجزة عن تحقيق الحلم بمستقبل واعد ومستقر فقررت الالتجاء الى الدولة الاسلامية لتحقيق الحلم؟ من يدري؟ فلقد رحلت اييت وهي تحمل البندقية ورحل سرها معها. ماتت الحسناء وهي تضع بصماتها الاخيرة على عملية باريس الارهابية التي اسفرت عن مقتل 130 شخصا وجرح ما يقارب 370 آخرين. ماتت وهي تحمل البندقية وترفع راية الدولة الاسلامية. ماتت وهي ترتدي النقاب وتحلم بعالم آخر يكون اكثر استقرارا وسعادة من هذا العالم الذي لم يشبعها بحلوياته ولم يروها بكحوله. وهنا يطرح السؤال نفسه "ترى، أتكون حسناء باريس جلادا ام ضحية ام الاثنين معا؟"

لا شك ان اييت ضحية. ابتدأت حسناء باريس بالغرق دون ان ينتبه اليها احد. غرقت اولا عندما أطاحت رياح البحر بالامان الذي زعزعه انفصال والديها. غرقت عندما حاولت التعويض عن النقص بالحنان الذي لم تحصل عليه في البيوت المضيفة. غرقت عندما شعرت ان كرامتها تضيع في بحر الجنس والكحول والمخدرات وأنها فقدت قيمتها كإنسان. غرقت حسناء باريس وطلبت النجدة فلم تجد امامها سوى حيتان الدولة الاسلامية يرسمون لها مستقبلا واعدا في قاع البحار.

قد تكون اييت من خلال حملها البندقية أرادت الانتقام من هذا المجهول الذي حطمها، فأطلقت النار في كل اتجاه. اطلقت النار على أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل في ما يحصل في الشرق الاوسط. أطلقت النار على أناس لا ذنب لهم سوى انهم يعيشون في ارض الكفر وقد يكونوا كلهم كفارا. ارادت الانتقام ممن ساهم في فشلها وفي اغراقها، فأطلقت النار على كل من شاركها التاريخ والجغرافيا. قد تكون اييت عاشت حلم الخلافة، خلافة الدولة الاسلامية الخالية من الكحول والمخدرات والمشاكل الاسرية التي حطمت حياتها، لكنها كانت تجهل تماما ان الخلافة قامت وتقوم على بحار من الدماء. قد تكون حلمت بزوج يمنحها الاستقرار والامان المفقودين دون ان تدري ان عالم السلاح والحروب والاغتصاب اكثر اهتزازا من الرمال المتحركة. غرقت اييت فلم تجد من ينجدها سوى أخطبوط الدولة الاسلامية. وقعت الحسناء في مخالب دعاة التطرف وما يمثله هذا التطرف من الدعوة لقتل الآخر وتكفيره. وقعت في مخالب الكراهية في غياب اية محاولة فعالة في المجتمع العربي والاسلامي لمحاربة هذا التطرف بالفعل او بالفكر، فإذا بها وهي الضحية تصبح الجلاد.

هل كان بالامكان إنقاذ اييت وحسناوات اخريات سلكن الطريق نفسه؟ تصعب الاجابة. لكن اييت سقطت أولا عندما فشل الاسلام السياسي والديني في مواجهة الواقع. سقطت في ظل نمو الفكر الاسلامي المتطرف الذي غسل ايديه من مشاكله وحمّل مسؤوليتها لنظرية المؤامرة والغرب الكافر. سقطت في غياب الحل العلماني الذي ينادي بقبول الآخر ويدين العنصرية. وأخيرا سقطت عندما عجز الخطاب الديني الاسلامي عن انتاج مقولة توازي "لكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ. مَنْ ضَرَبَكَ عَلَى خَدِّكَ فَاعْرِضْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا، وَمَنْ أَخَذَ رِدَاءَكَ فَلاَ تَمْنَعْهُ ثَوْبَكَ أَيْضًا. وَكُلُّ مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَخَذَ الَّذِي لَكَ فَلاَ تُطَالِبْهُ. وَكَمَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ هكَذَا. وَإِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يُحِبُّونَ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُمْ. وَإِذَا أَحْسَنْتُمْ إِلَى الَّذِينَ يُحْسِنُونَ إِلَيْكُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا. وَإِنْ أَقْرَضْتُمُ الَّذِينَ تَرْجُونَ أَنْ تَسْتَرِدُّوا مِنْهُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يُقْرِضُونَ الْخُطَاةَ لِكَيْ يَسْتَرِدُّوا مِنْهُمُ الْمِثْلَ. بَلْ أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، وَأَحْسِنُوا وَأَقْرِضُوا وَأَنْتُمْ لاَ تَرْجُونَ شَيْئًا، فَيَكُونَ أَجْرُكُمْ عَظِيمًا وَتَكُونُوا بَنِي الْعَلِيِّ، فَإِنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى غَيْرِ الشَّاكِرِينَ وَالأَشْرَارِ. فَكُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضًا رَحِيمٌ."

قصة اييت لن تكون الاولى من نوعها ولا الاخيرة. لكنها صرخة في ضمير العالمين العربي والاسلامي. انها صرخة سوف تتكرر كلما حمل انسان بندقية نتيجة تشبعه بخطاب الكراهية والعداء للآخر. سوف تتكرر مأساة اييت كلما بحث انسان عن الحب فلم يجده في العائلة او المجتمع. ستتكرر كلما اقتصت الحياة جناحي امرأ فأمسك بعامودي الهيكل وصرخ بأعلى صوته "عليّ وعلى أعدائي يا رب".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار


.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟




.. يديعوت أحرونوت: إسرائيل ناشدت رئيس الكونغرس وأعضاء بالشيوخ ا


.. آثار قصف الاحتلال على بلدة عيتا الشعب جنوب لبنان




.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض