الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التناقضات المضحكة في السياسة الكُردية

علي سيريني

2015 / 11 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


التناقضات المضحكة في السياسة الكـُردية

علي سيريني


بزوال مملكة الشيخ محمود الحفيد في جنوب كـُردستان، وبعد أن طويت صفحة ثورة الشيخ سعيد بيران، وبعد إنهيار جمهورية القاضي محمد، إنتقلت مرحلة الوعي والفحولة والبطولة الكـُردية إلى رحمة الله سبحانه وتعالى. إلى هذه النقطة، نجد أن من يتصدى ويقود قضايا الكـُرد و شؤونهم هم شيوخ وسادة كبار، يجمعون صنوف العلم والأدب في ذواتهم، قبل أن يضفوا عليها قيم الرجولة والشجاعة والفداء. فهؤلاء الثلاثة على سبيل المثال لا الحصر، كانوا علماء وشعراء، قبل أن يكونوا سياسيين وثوريين. وفوق هذا، تجد في تواضعهم الجم، أجمل المعاني السامية للإنسان الممتلئ بكل القيم العُلوية التي أثقلت موازينهم، في ميزان الكمال الإنساني. فقضى الشيخ محمود الحفيد عمره في محاربة الإنجليز حتى جرح وهو يقاتل، فوقع في أسرهم وحكموا عليه بالإعدام، ثم نفوه إلى الهند. وظل الشيخ سعيد بيران يشع الهيبة والإبتسامة، تحت مشنقة الإعدام الأتاتوركية التي إتخذها أرجوحة فوق رؤوس مُعدِمـيه. أما القاضي محمد، وبعد أن خانه الروس والأمريكان وباعوه بثمن بخس لشاه إيران، رفض الهروب، وقال قولته الشهيرة سأحمي شعبي من إنتقام الفرس، وسأكون كبش الفداء. وفعلا كان لإعدامه الشهير حماية للكُرد، من جنون الفرس المتوحش.
بعد هؤلاء وبإستثناء النزر اليسير، إنتقلت قيادة الكـُرد إلى طبقة تسمى بالطبقة العلمانية القومية الكـُردية. هذه الطبقة إن كانت تختص بخصائص معينة، فهي إنما في الإتجاه المعاكس لأسلافها: شرّ خلف لخير سلف. فالجهل والأميـّـة والإنحطاط والجـبن والأنانية، كأنها ماركة مسجلة لذواتهم. وتحت ظلهم الثقيل الخائب، تحول الشعب الكـُردي إلى مجاميع ضائعة بائسة، تعيش الكوارث صبحاً وعشيا. والأنكى أنها تحولت إلى كوميديا سوداء، وإلى سخرية مضحكة يعتاش على قاذوراتها هؤلاء القادة العلمانيين القوميين، في "سياسةٍ" حدودها القصوى تنحصر في المضحكات والتناقضات!
لنرى كيف ذلك؟
في العراق كانت الحكومات العراقية قد أقرت بالحكم الذاتي لمنطقة كُردستان. والأكثر كانت اللغة الكـُردية قد تحولت إلى لغة رسمية ليست في كـُردستان فحسب، بل وفي عموم العراق. أما في إيران فكانت الهوية الكـُردية مطمورة ومطموسة، ولم يكن هناك إعتراف بالهوية الكـُردية المغايرة للفرس، ناهيك عن أي مبادرة للسماح للكـُرد بتعليم أطفالهم لغتهم في المدارس. هذا ما حصل في زمني شاه إيران والخميني. لكن الأحزاب الكـُردية في العراق، ذهبت لتتحول إلى ورقة في يد شاه إيران وفي يد قوى أخرى عالمية وإقليمية، ومن ثم اصطفت مع جيش خميني، لتحارب العراق في أكبر خسارة في تاريخ المقامرات السياسية في العالم، ليحصد الشعب الكـُردي كارثة عمليات الأنفال التي راح ضحيتها حوالي 180 ألف إنسان، وعمليات الكيمياوي التي راحت ضحيتها الألوف، في حلبجة وحدها خمسة آلاف إنسان.
في سوريا، كان هناك 300 ألف إنسان كـُردي مجرد من الجنسية السورية. ولم تكن اللغة الكـُردية ممنوعة فحسب، بل وحتى الأسماء الكـُردية. وأغلب هؤلاء كان يحمل صفة أجنبي، لم يكن يُسمح له بحقوق الدراسة والتوظيف والتملك والزواج، بل وحتى المبيت في فنادق سوريا إلا بترخيص خاص من قبل الأمن السوري. وحدث ولا حرج عن الذين قضوا نحبهم في أقبية المخابرات تحت التعذيب، والذين قتلوا في المظاهرات المتعددة في سوريا وأشهرها عام 2004. هذا في عهد حافظ وإبنه بشار الأسد. كان حزب العمال الكـُردستاني موجودا وبقوة في داخل الأراضي السورية. وكان النظام السوري يستعمل هذا الحزب كورقة ضد تركيا، وضد الكـُرد أنفسهم سواء في سوريا أو في العراق أوفي تركيا (طبعا بمعاونة إيران). لم يبادر حزب العمال يوما، أمام النظام السوري، بطلب تخفيف معاناة الكـُرد، على أقل تقدير، إن لم يكن من أجل حقوق اللغة والتدريس باللغة الكـُردية وتخفيف العذاب في السجون، وتحسين الوضع الإقتصادي لهم، فمن أجل حق المبيت في الفنادق دون مسائلة وإهانة من قبل فروع الأمن. شاء الله أن تعم الثورات، العالم العربي، في عام 2011. إنضم معظم الكـُرد في سوريا إلى الثورة. وبدل أن يستغل حزب العمال هذه الفرصة، للوقوف ضد الطاغية الذي ورث عن أبيه كيف يذيق الكـُرد ألوان العذاب، ذهب في الإتجاه المعاكس تماما، وأمسى آداة بيد النظام وجزءا من جيشه المرتزق الذي يتلذذ بقتل الأطفال والنساء في وحشية قلّ نظيرها. فصار الحزب ينوب عن الشبيحة في المناطق الكـُردية، ويقمع مظاهرات الكـُرد ويغتال شخصياتهم مثل مشعل تمو.
لنعود إلى العراق. منذ عام 2003 وحيث قضت أمريكا على نظام صدام حسين، بات أمر العراق في معظمه بيد الشيعة أتباع إيران. عُومل الكـُرد من قبل الشيعة معاملة أسوأ، وصلت إلى حد قطع الرواتب عن الموظفين، حيث لفت مسعود بارزاني بتعليقه على ذلك، أن حكومات العراق، أبشعها وأشدها عداءا للكـُرد، لم تبادر إلى قطع الرواتب عن شعب كـُردستان، لكن المالكي فعل ذلك.
في ظل الحكم الشيعي، لم يحصل الكـُرد إلا على منصب رئيس الجمهورية، بمرتبة طرطور لدى إيران وشيعة العراق، ووزير خارجية كان أدنى ضابط أمريكي يتحكم به برأس حذائه. وظل الشعب الكُردي خائبا، يترقب بخوف و وجل، المعاملة المخادعة والحقيرة للنظام الشيعي وإرهابه المغلف بالنفاق.
خرجت داعش وسيطرت على الموصل، ومدن وبلدات أخرى في العراق، وصرحت علنا أن لا مشكلة لديها مع الكـُرد، لأنها متجهة نحو العدو الشيعي الإيراني المحتل. سلمت داعش كركوك إلى الكـُرد في أقل من 24 ساعة، في الوقت الذي ظل الشعب الكـُردي يناضل من أجلها منذ أكثر من نصف قرن! الحق يقال أن مسعود بارزاني صرح علنا أن داعش أصبحت جارة لكـُردستان وأن هذه الحرب حرب طائفية بين السنـّة والشيعة، ولا دخل للكـُرد بها، وأن المسبب لهذه الحرب القذرة إنما هو الحكومة العراقية الطائفية التي ظلمت السنـّة طيلة 11 سنة. ولكن الأحزاب الكـُردية بدل أن تقف على الحياد، على أقل تقدير، ذهبت تفتح جبهة خلفية ضد داعش إرضاء لإيران وقاسم سليماني وأزلامه في العراق. وقدمت هذه الأحزاب إلى يومنا هذا، حوالي 20 ألفا من القتلى والجرحى، والحبل على الجرار!
في تركيا وصل الظلم ضد الشعب الكـُردي مبلغا، كان مجرد النطق بكلمة كـُرد أو كـُردستان، يودي بصاحبه في غياهب السجون والمعتقلات والتعذيب. أما القتل ومحاربة الهوية، وتدمير المنطقة الكـُردية، فقصة طويلة من الآلام التي تعتذر عن تدوينها عشرات الكتب، إلا إذا مدت من ورائها بعشرات أخرى. منذ عام 2003 جاء الطيب أردوغان وأزال كل هذا الظلم والعدوان، إلى أن أصبح الأمر لدى الإنسان الكـُردي وهو يفصح عن هويته القومية دون خوف و وجل. وتأسست قناة تلفزيونية رسمية باللغة الكـُردية، مع إصلاحات مستمرة. ولأول مرة في تاريخ الكـُرد، منذ تأسيس أتاتورك لهذه الجمهورية، استطاع حزب بمضمون وغلاف كـُردي أن يوصل 80 نائبا إلى البرلمان، بل وتحول إلى بيضة قبان لترجيح إحدى كفي الميزان. وبدل أن يتحالف هذا الحزب مع أردوغان صاحب الفضل عليهم، ووضع اليد في يده، للمضي قدما نحو السلام الكامل والعادل، صرّح رئيس الحزب دميرطاش، أنه مستعد للتحالف مع حزب الحركة القومية العنصري، بقيادة دولت باخجلي الذي يمقت الكـُرد ولا يعترف بهويتهم. وصرح أيضا أنه مستعد أن يتحالف مع حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي، الذي أشعل الجحيم للشعب الكـردي فوق هذه الأرض. لكنه رفض رفضا قاطعا أن يقترب من أردوغان، وصار يقوم ويقعد مصرحا تصريحات استفزازية، ضد أردوغان وحزبه!
تتباهى هذه الأحزاب الكـُردية أنها تحارب الإرهاب (يعني داعش والإسلاميين)، نيابة عن العالم (مثلما صرح أحمد حسون في روسيا، أن النظام السوري يحارب الإرهاب نيابة عن العالم). وتجد مقاتلي هذه الأحزاب الكـُردية وبجثثهم الضخمة، التي تعلو فوقها شوارب تكاد تغطي نصف الوجه، وهي تتباهى برشاشات وقذائف، أنها تحارب داعش. لكن بمجرد دخول أربعة سيارات من نوع هامر إلى بلدة مخمور القريبة من مدينة أربيل، بلغ صراخ هؤلاء المقاتلين الأشاوس عنان السماء، وهم يستغيثون بتركيا وإيران وأمريكا كي تحميهم من الإرهاب. ولولا طائرات التحالف الغربي، لكان معظم هؤلاء المقاتيلن اليوم في عداد طوابير اللاجئين في أوروبا، والتي شاهدنا المسيرات الطويلة لها عبر بلدان أوروبا الشرقية والغربية.
إيران تعدم يوميا نشطاء سياسيين وثقافيين ودينيين من الكـُرد، علناً دون خوف أو خجل. لكن الإعلام الكـُردي صامت صمت من أغـتـُصِب من قفاه. صمتٌ غريب، أمام كل هذه الجرائم الوحشية لنظام إيران ضد الشعب الكـُردي. والأنكى من ذلك، تمارس إيران وحشية يندى لها حتى جبين الشيطان. فهي، منذ عام 1991، تبعث بأدوية فاسدة ومسببة لأمراض خطيرة إلى إقليم كُردستان، وبشكل منظم ومدروس. وفوق ذلك، تبعث مواداً وأغذية فاسدة، تسبب العقم والأمراض الخطيرة مثل السرطان وما إلى ذلك. أما المخدرات، فحدث ولا حرج. فإيران تبعث إلى إقليم كُردستان، الذي تحول إلى عميل رخيص لها، أطنانا من المخدرات، التي حوّلت الألوف من الشباب إلى أجساد مشلولة لا تنتمي إلى هذا العالم! مع ذلك تجد الإعلام الكُردي صامت صمت أصحاب القبور. ولكن ما إن جرح فم شخص كُردي في تركيا، حتى تجد حفلات التنديد والإستكار والفضح قد عمت أمواجها معظم الإعلام الكـُردي، وكأنه موجه خصيصا ضد أردوغان وحزبه. والعلّة في الإسلام فقط، ولكن في شقه السـّـني، لأن العلمانيين والملحدين والقوميين لا مشكلة البتة لديهم مع الدين الشيعي، المتمثل اليوم بنظام إيران وأذياله في المنطقة. والأضحك، أن المصدر العميق والواسع للهجوم المستمر لهؤلاء على الإسلام، يكمن في ثقافة الشيعة، والكتب التي يؤلفها كهنة الشيعة والتي تصور تاريخ وتراث المسلمين أبشع تصوير!
قنوات وشبكات ومحطات الإعلام الكـُردي، ومن ورائها الأحزاب العلمانية القومية، تقوم وتقعد وهي تسبح بحمد الغرب والعلمانية. وفي نفس الوقت، لا تقول إلا الشر ضد الإسلام وما يمت إليه بصلة. هناك هجوم يومي مستمر على الإسلام، بشكل غريب حقا. مع العلم أن الإسلام أدخل الحضارة إلى كُردستان. وكل علماء الكُرد وشعرائهم، عبر التاريخ، إنما تعلموا وتخرجوا من مدارس المساجد وحجراته. ولن تجد رقما واحدا يثبت العكس. ولولا الإسلام، لربما استحال الحديث عن ثقافةٍ وهويةٍ كـُردية ضربا من الخيال والشعوذة. وفي المقابل، لم يقدم الغرب والعالم المتمدن للشعب الكـُردي سوى تقسيم بلده، وسوى مد جلّاديه من الدول التي تقتسم كـُردستان، بالآف الأطنان من الأسلحة والذخائر التي استعملت ضده، منذ زوال الخلافة العثمانية. ولم يقدم الغرب للكـُرد سوى الوعود الكاذبة، وسوى التلاعب بهم وبمصيرهم. لكن بدل أن تقف العلمانية والقومية الكـُردية للغرب بالمرصاد والشكوك، على الأقل إن لم تكن تقف ضده، تجد أتباعها كعبيد مجانيين يهرعون لتقبيل أحذية أدنى بعثة غربية. وبموازاة ذلك هناك هجوم شرس، واستهزاء هابط، بكل التاريخ الكـُردي المجيد في ظل الإسلام، ويُصوّر الإسلام على أنه دين أجنبي غازي. ومن هنا لا مشكلة لديهم أن يلفقوا الأكاذيب، مثل أن المسلمين الأوائل قاموا بغزو كـُردستان وقتل رجاله واغتصاب نسائه. ولعمري تعد هذه المهزلة من كبريات سقطاتهم العقلية والمنطقية. فلو كان ما يقولون حقا صحيحا، وحقيقة تاريخية، فمعنى ذلك أن أصولهم عربية، نظراً إلى قتل العرب أجدادهم واغتصاب جدّاتهم، وإلا من أين خرج هؤلاء؟! وطبعا لم يحدث هذا الأمر في التاريخ بتاتا، لأن معظم الكـُرد دخلوا الإسلام منذ القرن الثاني عشر الميلادي، وبعض المناطق، مثل هورامان، في القرن السادس عشر.
ومن مضحكات هذه الحملة المسعورة، أن قدمت هذه الأحزاب العلمانية القومية، اليزيديين، على أنهم هم الكـُرد الأصلاء (نكاية بالمسلمين الذين يشكلون، على الأقل، أكثر من 95% من الشعب الكـُردي). لكن سرعان ما أفصح اليزيدييون عن هويتهم القومية والدينية بالقول، نحن لسنا عرباً ولا كـُرداً ولا فرساً ولا تركاً، ليحوّلوا بذلك أوهام هؤلاء المصروعين إلى سخرية من سخريات الزمان!
والأمثلة لا تنتهي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهداء ومصابون بقصف إسرائيلي استهدف مباني في مخيم جباليا ومدي


.. أبرز ما تناولته وسائل الإعلام الإسرائيلية في الساعات الأخيرة




.. لا معابر تعمل لتربط غزة مع الحياة.. ومأزق الجوع يحاصر السكان


.. فرق الإنقاذ تبحث عن المنكوبين جرّاء الفيضانات في البرازيل




.. جامعة برشلونة تقطع علاقتها مع المؤسسات الإسرائيلية