الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنف ضد المرأة - المُدمر النفسي - ، حول مناهضة العنف ضد المرأة

نجلاء صبرى

2015 / 11 / 25
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة


العُنف ضد المرأة ليس حدثًا عابرًا فبدراسة للعُنف الأسري عبر الحياة على عينة من النساء المُتعرضات للعنف ، وجد أن ضحايا العُنف الزوجي يعانون من أعراض الصدمة المتمثلة في ثلاثة مظاهر رئيسية هي : الأعراض العاطفية للصدمة المُتمثِلة في "الخوف، والغضب، والقلق، والتجنب، والاكتئاب، والخجل، وانخفاض تقدير الذات" ، والأعراض العقلية المتمثلة في:" فقدان القدرة على التمييز، والمعتقدات السلبية حول الذات "، وأعراض العلاقات المضطربة المتمثلة في : " انخفاض الثقة بالنفس، وضعف التواصل والارتباط، والاعتمادية " . وقد توصل عدد من الباحثين لبعض الملاحظات الهامة لبعض وهي أنَّ النساء المتعرضات للعنف يُعانين من مجموعة من الاضطرابات والتي حين يتم توثيقها وجِد أنَّها أعراض اضطراب ضغط ما بعد الصدمة وتتضمن التالي :
1. مرور الفرد بخبرات مؤلمة بشدة خارج حدود التجربة الإنسانية ، مثل وقوعه تحت تهديد شديد لحياته أو إصابته جسديًا.
2. إعادة معايشة الحدث في الذاكرة بشكل متكرر" فلاش باك" أوالأحلام المتكررة ، وهو تكثيف للضغط النفسي في أحداث ترمز إلى جوانب الحدث المأسوي.
3. الاستمرار في تفادي أي مُثير مرتبط بالحدث .
4. وجود عرضين على الأقل من اضطرابات لم تكن موجودة قبل الحدث مثل اضطرابات النوم، الانفجار المفاجيء في الغضب ، صعوبة التركيز ، الحذر المفرط ، رد الفعل المرعب المبالغ فيه ، ردود أفعال نفسية عند تعرُضه لأحداث تُذكِره بالحدث الأصلي.
5. استمرار بعض الأعراض على الأقل لمدة شهر .

بينما بعض النساء الواقع عليهن العُنف قد يطورن نوعًا مختلفًا من الاضطرابات وهو مُتلازمة ستوكهولم Stockholm Syndrome حيثُ تتعاطف الضحية مع الجاني، ويرى بعض العلماء أنَّ مُتلازمة ستوكهولم تتكون لدى النساء المُعنفات على مراحل تطورية تنمو فيها هذه الأعراض وهي :-
1. تهديد الشخص المُعتدي لحياة المرأة.
2. تصبح المرأة معزولة عن الآخرين.
3. يظهر الجاني أو المُعتدي بعض العطف عليها.
4. يقطع الاعتداء إلى فترات تبدو فيها الأمور طبيعية.
5. عدم وجود توازن في القوة بين المُعتدي والضحية يجعل الضحية تكون " رابطة مأساوية مع المعتدي وتشعر بالاعتماد عليه كليًا " .


كل هذه الأشياء تجعل المرأة تقع أسيرة للشخص المُعتَدِي وتُصبِح غير قادرة على ترك العلاقة المُسيئة، كما أنَّ استمرار الإعتداء على المرأة يجعلها تُعاني من :
1. الإنكار والتقليل من أهمية الموقف لتتمكن من التعايُش مع الإهانة.
2. الكوابيس حيثُ إنِّها طريقة قوية للتعبير عن مشاعر الخوف والغضب والذعر والعار التي لا تستطيع مشاركتها مع أي شخص آخر أو حتى تسمح لنفسها أنْ تشعُر بها.
3. لانفصال عن الواقع أو الصدمة حيث يُخَّدر عقل وجسد المرأة أثناء الإهانة ولبعض الوقت بعد حدوث الإهانة كما أنَّه يجعلها تتفادى التعامل مع مشاعرها اللحظية حتى تجد الأمان.
4. ارتفاع نسبة الاكتئاب بينهن أو حتى الإصابة الدماغية غير المشخصة.
5. الغضب في غير مكانه حيثُ تصب غضبها على نفسها أو الآخرين ممن حولها.
6. تفقد إحساسها بنفسها وتشعر أنَّها تستحق التعرض للعُنف والإساءة.
7. تعَلقْ في حركة " دفع ـ سحب " فهي تدفع الرجل بعيدًا عنها وتجذبه في نفس الوقت نحوها أي تكون غير قادرة على إنهاء العلاقة المُسيئة .

وقد وجد الباحثون أن العُنف القائم على النوع يرتبط بظهور مجموعة من المشاكل الصحية الخطيرة والتي تؤثر على كل من النساء والأطفال، وقد أوضحت أنَّ زُملة المرأة المضروبة تتشابه مع معايير اضطراب ما بعد الصدمة وتتضمن الجروح ، الإجهاض ، الأمراض الجنسية ، الضعف العاطفي ، أفكار الانتحار ومحاولاته بالفعل. فالنساء الناجيات من عُنف شريك الحياة ذكرَّن أنَّهن مررن في بداية تجربتهن العاطفية بقدر صغير من التدخل في حياتهن والذي تطور بعد ذلك إلى إساءة نفسية وجسمية من خلال استسلامهن للأمر ، حيثُ إنَّ النساء المُساء إليهن ظللن ملتزمات بمصدر الإساءة ( الرجل ) وقللن من شأن احتياجاتهن وأهمية أمانهن لصالح علاقتهن ، كما تزايد لديهن الشعور بالإهانة .

وهناك تفسير يجب النظر فيه يتعلق بطبيعة المرأة التي تتحمل أو تتقبل العُنف الزواجي ، حيثُ نُشير إحدى الدراسات النفسية إلي وجود مصفوفة من العيوب matrix of disadvantages في البيئات المُسببة لسوء المعاملة الزواجية ، وهذه المصفوفة من العيوب تتقابل وتتعارض مع الكثير من الخبرات الخاصة بالتعرض للضغوط الناتجة من سوء المُعاملة الزواجية ؛ باعتبارها مُشكلة جزئية أكبر من كل المشكلات التي تنشأ في هذه البيئات، وبالتالي لاتُفهم مُشكلة العُنف الزوجي بعيدًا عن الظروف الحياتية المحيطة بها. وقد أكدت بعض الأدلة التجريبية التي تعاملت مع التاريخ الصدمي للنساء اللواتي تعرضَّن للعنف وسوء المعاملة الجنسية والبدنية أثناء مرحلة الطفولة ؛ أنَّهن يُصبحن مستقبلاً الأكثر عُرضه لأنْ تُصبح ضحية للعنف الزواجي بل و تتعايش مع هذا العُنف وتتحمله، فقد تعودت تلك النسوة نتيجة لتراكم الضغوط السابقة في التعرض للإيذاء منذ الطفولة ؛ علي استخدام استراتيجيات تحمل العُنف أو التقليل من حدة الحساسية الخاصة بإدراك العُنف وخاصة الزواجي .


إنَّ شدة العُنف الموجه للمرأة يرتبط بمرحلة التجنب وفرط التيقظ ، وهى من مراحل اضطراب ضغط ما بعد الصدمة ، فالمُتعرضات للعُنف الأسري يُعَّانين من مستويات زائدة من مشاعر الاستثارة وفرط التيقظ وكذلك المشاعر الاقتحامية ، كما وجِد أنَّ تكرار التعرُض للعنف وزيادته يؤدي لزيادة أعراض اضطرابات ما بعد الصدمة ، حيثُ أنَّ العُنف الموجَّه ضد المرأة لا يرتبط فقط بزيادة الأعراض المرضية لديها، ولكنه يرتبط أيضًا بانخفاض تقدير الذات والشعور بعدم الرضا عن الحياة وعدم الإشباع الجنسي، وهي عوامل خطورة للتنبؤ بالمشكلات النفسية والجسمية والجنسية للمرأة المُتعرضه للعُنف. ونجد نَّ أهم الأعراض التي تنتُج عن التعرض للإساءة الجنسية هي القلق والاكتئاب ومحاولة الانتحار والعدوانية تجاه الآخرين . فعلى سبيل المثال خوف المرأة من زوجها نتيجة تعرضها للعُنف يجعلها تعيش دائماً في أفكار سوداوية ، وتُعاني اضطرابات في الشخصية مما يخلِق لديها نوعًا من احتقار الذات ، إنعدام الثقة بالنفس ، صدمات نفسية متكررة وضغوط نفسية حادة ، وهذا ما أدى بعلماء النفس إلى القول أنَّ أعمال العُنف والإرهاب ، و الحروب والكوارث هي خبرات مؤلمة تخلق موقفًا صدميًا، والصدمة الكبرى لشخص ما إنما تتمثل في تعرُضه لتلك الوضعية التي تُهدد سلامته وتسلُبه الأمان الناتج من الاعتقاد بأنَّ موته مؤجل ، وأنَّ هذه المواجهة مع الموت تؤدي إلى حدوث تغيرات عميقة في شخصية المُتعرض لها ، كما أنَّها تخلق ردود فعل عشوائية على الصعيد السلوكي أوعلى الصعيد الفيزيولوجي. وقد بيَّن سبيد Speed أنَّ المرور بهذه الأحداث ( أعمال العُنف، الإرهاب و التعذيب، الحروب و الكوارث ) يُولِّد انعكاسات سلبية قد تستمر لسنوات طويلة .

إنَّ ضرر الصدمة النفسية الناتجة عن العُنف من قِبل الزوج أو أحد الأقارب يفوق بكثير الضرر الذي يحدث من الغرباء ؛ كونه يأتي ممن يُتَوقع منهم الرعاية والحماية والمحافظة ، لذلك فحين يحدث ، تهتز معه كثير من الثوابت و تنهار الكثير من الدعائم الأسرية والاجتماعية مما يضع المرأة المُعنفة في حالة حيرة واضطراب ، و قد يؤدي ذلك إلى الموت المؤقت للعاطفة والشعور ( الالكسيثيميا ) كوسيلة دفاعية يلجأ إليها الأشخاص لاستعادة السلام الداخلي ، و لكنها وسيلة سلبية ومدمرة لأنَّها تقتل معنى الحياة والأمل ، فمحاولة الضحية الحفاظ على سر الاعتداء يُزيد من تفاقم العوارض و قد تظهر حالة من التفكك في الشخصية أو ما يُسمى بالانسلاخ Dissociative Disorder وهو عبارة عن نسيان أجزاء هامة من الحدث أو الشعور بالانسلاخ عن الذات، كالشعور والتفكير بأنَّ "هذه ليست أنا حقاً "، باختصار هو تشوش في الذاكرة والوعي الذاتي والشعور بالمكان و الزمان.


بينما يمتد الأمر إلى تأثير بعيد المدى على الأطفال كنتيجة لمشاهدة العُنف الزواجي وإسهام ذلك في الإساءة الجسدية والجنسية للأطفال ، فقد أجريت دراسة نفسية على عينة تتكون من (313) امرأة يدرسن في الكليات الاجتماعية أَجبن على استبيان مرتبط بخبراتهن حول العُنف في الطفولة والرشد ومستوى تكيفهن في علاقاتهن الزوجية، أشارت النتائج إلى أنَّ (9%) من النساء ذكرن أنَّهن شاهدن بعض أشكال الصراع الجسدي بين الوالدين ، كما ارتبطت مشاهدة العُنف بمخاطر في الصحة النفسية للعائلة ، وارتبطت الإساءة الجسدية والجنسية فى الطفولة باعتداءات من أفراد غرباء، أما النساء اللواتي شاهدن عُنفًا أسريًا فقد أشرن إلى وجود أعراض قلق ما بعد الصدمة مقارنة بالنساء اللواتي لم يشاهدن العُنف الأسري، كما تبين وجود علاقة دالة إحصائياً بين مُشاهدة العُنف الأسري والتعرض للإساءة الجسدية أو الجنسية والتجنب الاجتماعي والتنبؤ بنمط العلاقة بين الوالدين .

هذا ، وقد يلجأ الضحايا في بداية العُنف الأسري إلى استخدام استراتيجيات مواجهة لا تمنحهم القدرة على التأقلم، ومع استمرارية هذا العُنف فمن المرجح أنْ يلجأ الضحايا إلى استخدام تلك الاستراتيجيات بصورة مستمرة حتى بعد انتهاء العُنف ، حيث تتحول تلك الاستراتيجيات لسمة من سمات شخصية الأفراد وتصبح طبيعة سلوكية لديهم ، مما يؤدي لعدم قدرتهم على التعامل بشكل فعال مع المشاعر السلبية الناجمة عن العُنف .


د.نجلاء صبري
أخصائية نفسية وباحثة فى العلوم السلوكية / مصر











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكر وتقدير
حميد خنجي ( 2015 / 11 / 25 - 22:43 )
شكرا ايتها الزميلة المحترمة على هذا البحث المهم


2 - شكر وتقدير
حميد خنجي ( 2015 / 11 / 25 - 22:43 )
شكرا ايتها الزميلة المحترمة على هذا البحث المهم


3 - شكر واحترام
نجلاؤ صبري ( 2015 / 11 / 26 - 06:29 )
أ/ المحترم حميد خنجي
شكرا لحضرتك .
نجلا


4 - استاذة نجلاء صبري
عبد الحكيم عثمان ( 2015 / 11 / 26 - 08:31 )
استاذة نجلاء صبري -بعد التحية
لاشك ان هناك عنف ذكوري تجاه ألمرأة- ولكنه ليس عام وليس كل الرجال يمارسون العنف ضد ألمرأة- وانت ماشاء الله عليكِ بلاحسد- تناولت في أكثر من بحث موضوع ألعنف ضد ألمرأة
هل بحثت في اسباب العنف ضد ألمرأة-لماذا العنف من الرجال يطال البعض من النساء ولايطال الاخريات؟
الايوجد عنف يمارس ضد ألرجال؟مثال ذالك التدريب العسكري-التعذيب في السجون- تعرض الاطفال الذكور لعنف الامهات- هناك أمثلة عدة لتعرض الرجال للعنف- اتمنى منك كونك باحثة متميزة-ان تبحثي اولا في اسباب العنف ضد ألمرأة ولك التحية


5 - عبد الحكيم عثمان
نجلاء صبري ( 2015 / 11 / 26 - 10:31 )
أستاذي الفاضل / عبد الحكيم عثمان - بعد التحية ،
بالفعل بحثت فى أسباب العنف ضد المرأة وفي استراتيجياتهن لمواجهة العنف ، وفي سببية
وقوع وقبول بعض النساء للعنف الموجهة ضدهن في حين رفض الأخريات له ، الموضوع متشعب جدًا .. ولي دراسة منشورة فيه عن جامعة المنصورة
بعض نتائج الدراسة الميدانية صادمة فى الحقيقة ، سأوالي النشر عنه إن شاء الله .

أما عن موضوع العنف الموجه ضد الذكور هو بالتأكيد مجال يستحق المتابعة .

تقبل فائق الإحترام والتحية


6 - اشكر تجشم عناء الرد
عبد الحكيم عثمان ( 2015 / 11 / 26 - 13:53 )
الاستاذة الفاضلة/نجلاء صبري اشكر تجشمك عناء ألرد وأيلاء طلبي الاهتمام- بأنتظار النشر لبحثك اكيد سيكون صادم وهذا مانبحث عنه لرفع حالة الركود النفسي التي تسيطر على الكتابات في الموقع
لك مني فائق التقدير والاحترام والتحايا

اخر الافلام

.. الصحفيات أكثر عرضة للانتهاكات والتحرش اللفظي أو الجسدي


.. مريم شمالي وهي ربة منزل من إحدى قرى سعدنايل




.. نعمت شفيق .. المرأة الحديدية تقمع مظاهرات الطلاب الرافضة لإس


.. حديث السوشال | علاقة -سرية- بزعيم عصابة تتسبب في قتل ملكة جم




.. المشاركة في المسيرة جنان الخطيب