الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العصر الذهبي للارهاب

خالد الصلعي

2015 / 11 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


العصر الذهبي للارهاب
****************
من كان يتصور قبل أيام قليلة فقط ، ان دولة أوروبية قد تطبق قوانين مصر السيسي أو تنتهج أساليب النازية وتعلن حظر التجول ؟ خاصة اذا كانت الدولة المعنية هي فرنسا ، ام العلمانية الانسانية ؟ ألم يعلن هيجل وهو يتابع بونابارت يجول في الأحياء الألمانية راكبا صهوة فرسه ، اني أرى الأنوار تمشي في بلدي !!!!.
نعم حظر التجول ، الى درجة أن أصواتا غربية وصفت عاصمة بلجيكا بمدينة أشباح ، وأخرى تعلن على لسان السلطة البلجيكية ضرورة الحفاظ على حالة التأهب القصوى و استمرار اغلاق المدارس ومترو الانفاق و المراكز التجارية الكبرى و منع التجمعات. لا احد كان يستطيع التنبؤ بهذا التحول المفاجئ في دول بنيت على أسس ديمقراطية ، وكان شعارها الأول والأساسي : الحرية والمساواة والأخوة والعدل ..وما الى ذلك من الشعارات المنمطة والتنميطية .
ربما كان سيتهم حتما بالهذيان والتطرف الفكري ، وما الى ذلك من التهم الجاهزة ، لو حاول التعبير عن ردة الغرب عن ّاهم مكتسباته ، سواء من الغربيين العلمانيين الأحرار ، أو من قبل مرضى العمى الثقافي بعالمنا العربي والاسلامي .
لكن الجميع اليوم مصاب بلوثة الصدمة ، بعد ان سيجوا ذهنهم وعقلهم بأفعال اجرامية من الدرجة الأولى . أفعال تلزمنا جميعا بادانتها وشجبها ، ولم لا محاربتها . لكن قلة قليلة من الذين حاولوا رد العناصر الى بوتقتها الأولى ، وقراءة التقاطعات القراءة الأولية ، فنحن أمام شبكة من الكلمات المتقاطعة التي يعمل صاحبها على ملء كل خاناتها بكلمات صحيحة ثم يشرع في محو الحروف ويطبعها في كتيب أو على صفحات الجرائد الداخلية لالهاء القارئ وامتحان ذكائه وسرعة بداهته وقوة معلوماته .
الصورة في مجملها رهيبة ومخيفة ، حتى لو حاولنا استحضار الفجيعة عقلانيا وحكمنا أدوات التحليل المجرد ، فان النزعة الانسانية ستحن الى وداعتها وطيبوبتها . لكن لماذا تجرد الفاعلون/ الارهابيون من كل نزعة انسانية ، ولم يؤمنوا الا بالدمار والفناء ؟ . ماذا لو كان العمل هو مجرد تطبيق حيك في ظلمات أقبية المخابرات من أجل أهداف طويلة المدى ؟ .خاصة وان هناك من الغربيين من يقول بذلك . ولم نذهب بعيدا ؟ . ألم يعلن أوباما ووزير دفاعه ووزير خارجيته قبل أشهر قليلة فقط ان القضاء على داعش يتطلب ثلاثين سنة من الزمن ؟ ، ووافقهم أكثر من مسؤول غربي رفيع على هذه المدة ، بل ان وزيرا عراقيا خرج الينا قبل ثلاثة أشهر يقر نفس المدة .
مع العلم ان خبيرا غربيا لم يقترح الا وصفة واحدة لتوقيف تغذية داعش بالارهابيين ، وصفة وجدها في اقفال معابر تركيا المستباحة لكل الارهابيين من جميع أقطارالعالم التي حددها البعض في أكثر من ثمانين (80) دولة يحارب مواطنوها بالعراق وسوريا . وهي معلومات يعلمها اليوم القاصي والداني .
وكيف نكذب مسؤولا من طينة بوتين ، ورئيس وزرائه ، ألم يفجر بوتين قبل أيام في تركيا اثر قمة العشرين قنبلة من العيار الثقيل وهو يتهم دولا حاضرة في القمة بتمويل تنظيم داعش ؟ ، ألم يعلن رأس النظام الايراني أن الولايات المتحدة الأمريكية متورطة في خلق ونشأة هذا التنظيم ؟ . ألم يقل ذلك أو ما شابه ذلك أكثر من محلل وكاتب و أكثر من عميل استخبارات ؟ .
كل هذه الحقائق يتم طمسها ، وكثيرا ما يتم محوها ، محوها من ذاكرة ، ونقلها الى ذاكرة ، لتصبح المتخيل الموجه بقوة الاعلام الغربي المهيمين . ففي لحظة وجيزة استطاع الغرب بفضل ماكينة الاعلام الشرس والعنيف أن يقلب معادلات الأولويات داخل بيته ومسكنه . انها استراتيجة الأرض المحروقة ، نهجها على أبنائه بعد أن كرسها في الوطن العربي والاسلامي لزمن طويل اذا طبقنا مقاييس الزمن حسب معايير الحياة المعاصرة وشروطها ، كرسها عبر وسائط اعلامية ملحقة به وتابعة له . وهنا لابد من استحضار مقولة "جان بورديار " : " المرور الى الفعل قريب دائما " .
ولاغرابة في ذلك فعندما يتم استقبال السيسي كرئيس يشهد العالم طريقة استيلائه على الحكم بمصر ، بغض النظر عن اختلافنا او اتفاقنا مع حكم الاخوان ، فهذا مؤشر كاف على مدى التقارب الأخلاقي والفكري بين مستقبليه ومضيفيه وبينه . واذا كان السيسي قد تحمل مسؤولية استئصال المعارضة التي تجاوزت الاخوان الى الشيوعيين واليساريين والليبراليين ، فان مضيفيه قد يستفيدون من أهدافه وان اشتغلوا بطرق أخرى ، تحمل قفازات بيضاء ، لكنها تتوخى نفس الأهداف .
ان صناعة الارهاب ، كأي صناعة أخرى لا تخرج للسوق الا بعد عمليات اختبارية قد تطول وقد تقصر زمنيا ، وبعدما كان الارهاب بعيدا في أقاصي البلدان الأكثر تخلفا كأفغانستان ، صار يقترب منا قليلا قليلا ، وأصبح لصيقا بنا ، لكنه كان بعيدا عن أوروبا ، وان ناوشها بين الحين والحين . أما اليوم فقد أصبح معششا في صلبها وفي حضنها ، وقد يضرب متى شاء وأينما شاء وكيفما شاء . وهذا لن ينسينا تفجريات البرجين التوأمين بالولايات المتحدة الأمريكية ، فالصناعات السينمائية تحتاج الى فيلم ضخم للفت الانتباه الى البطل والمخرج ، وكذلك فرق كرة القدم الكبرى ، تحتاج الى لاعب مهاري كبير لحشد المعجبين وتنميطهم ، ولايهم مع الوقت النتائج الهزيلة التي قد يحصل عليها . أما الدول العربية والاسلامية ، فباستثناء بعض دول الخليج كالامارات العربية المتحدة وقطر وعمان ، والمغرب نسبيا ، فانه أي دولة لم تعد في منأى عن تفجيرات الارهابيين .
انه عصر الارهاب الذهبي ، حيث لم نعد نتداول الا أخبار التفجيرات والانتحارات ، والعبوات الناسفة والعمليات التفخيخية ، والسيارات الملغمة ، والقنابل الذكية والتقليدية . هذه هي لغتنا اليوم ، انها اللغة التي يستهلكها الاعلام العالمي باستراتيجية واضحة لتغذية المخيلة الانسانية ، وخاصة منها العربية . فاستهلاكنا الاعلامي في العالم العربي ، والآن في العالم الغربي صار استهلاكا ارهابيا بامتياز .
العالم اليوم في قبضة الارهاب ، انه انتصار الشر . شر الدولة التي تحدث عنها نيتشه قبل ما يقرب ثلاثة قرون ، وعشق العنف الذي ناقشته حنا ارندت قبل أربعة عقود .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر