الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وسائل الإتصال وسلطة التأويل ..

محمد البورقادي

2015 / 11 / 26
الصحافة والاعلام


في عصر المعلوميات والثورة الإتصالية والتواصلية ..أضحت المعومة قريبة جدا ..بضغطة زر واحدة ..ببصمة أصبع ..
الكل بين يديك ..على قدر شساعة العالم يأتيك صاغرا ..تسجنه التقانة والتكنولوجية ..وتقيد انفتاحه أدوات الإتصال ليصير محجما محدودا يفيد منه القريب والبعيد ..
أضحى الوصول للخبر يسيرا جدا بخلاف السابق ..تعددت وسائل الإتصال السمعي البصري ..تعددت سبل النشر وتعددت معها وجهات النظر باختلاف الإنتماء ات والآراء والتوجهات ..
إن هذا الزخم المعرفي الذي اخترق ظلمات الجهل ..وأسس لأنوار النهضة الفكرية والثقافية الجديدة قد خرق حواجز الأرض واخترق كثافة المادة وأحاط بخبايا العالم وكبَّلها وسجنها بعد ما كانت حِكرا على أصحابها ..
إنه توزيع للخبر ليشمل العالم ..عولمة لكل ما يحدث ويصير ..تَحْيين لجميع الأحداث ..مواكبة لجميع التطورات ..إلغاء للمسافات ..اختزال لمجريات العالم ولشساعته وعمقه في تقنيات جديدة ..
لقد بتنا نفكر من خلال هاته الوسائل الحديثة ..بتنا نرى من خلالها الكون ..باتت مرآتنا للعالم الآخر الذي لولاها لما أحطنا به خبرا ...بتنا نتكلم من خلالها ..ونصوغ أفكارنا ومبادئنا من خلالها ..
إنها حقنة القرن الواحد والعشرين ..التي تحقن أيديولوجيات منمّطة ومقولبة في نفوس الأفراد ..إنها آليات الإستعمار الجديدة التي تتخذ من الفكر هدفا لها ..
إنها تتغذى من زخم التيار الغالب لتصوغه وفق قوالب مغرية تجذب إليها كل من اقترب منها ..إنها معمل الآراء الجاهزة ..والأخبار المخزنة ..مصنع للتدوينات والمنشورات ..
إنها عالم يفضح الخفي ..ويكشف الستر والحجاب ..ويقرب البعيد ..
إنها تحاول تهجين كل ثقافات العالم وأنماط السلوك وخطاطات الوعي والتفكير ..إنها معمل يجتمع فيه كل جزء من العالم ..إنها المجمّع الإفتراضي للعالم الجديد..
إنه الوجه الجديد من الإمبيريالية ..القوة الناعمة التي تصدّرت القوة الصلبة في الإحتلال الثقافي ..
إن هاته الآليات الجديدة أضحت غاية بعدما كانت وسيلة ..حيث حرمتنا من خصوصياتنا ..منعتنا من الركون لأنفسنا وتلبية متطلباتها ..احتكرت وقتنا وفكرنا ..
إنها كبلت حواسنا ..وجمدنا عقولنا من الإنطلاق ..وقيدت فكرنا عن التحرر ..وأوقفتنا في مفترق الطرق ..في حيرة وذهول ..لا تقدُّم ولا تخلُّف !
أنها جُعلت لربط الإتصال ..وترويج المعلومات ..لكنها عرقلت بدلا من ذلك الإتصالات ..كسرت علاقاتنا مع الآخر ..
أبدلت عالمنا الواقعي بعالمها الخاص ..ببحرها العميق ..بسحرها الآخاذ ..إنها أفيون الشعوب ..مخدر القلوب ..إنها شر لا بد منه ..
أَبْدلنا المثل بالمادة ..وآثرنا الجماد على العاقل ..وحابَيُنا المصنوع على الصانع ..فأصبحنا لا نعير اهتماما لقريبنا ..ولا نأبه لجليسنا ..ولا نتسلى ونتمتع بحياتنا ..
أصبحنا لا نتكلم إلا ناذرا ..ونسمع لها ولا نسمع للآخر ..وتحكمنا ولا نحكمها ..وتأخذ منا الوقت كله والفكر كله والبال كله ..أصبحنا منقاذين كالبُلهاء ..مُنْجَرِّين بدون إنكار ولا استغراب ..إنها سمّ لذيذ !
صيرتنا عبيدا لها بعد أن كنا أحرارا ..خدمناها أكثر مما خدمتنا ..شغلت فكرنا وأشغلتنا عن مرادنا وأهدافنا ..
ولا عجب أن لهاته الماكينات صدى كبير على الأفراد ..على مستعمليها ..
فسهولة الوصولة إلى المعلومة التي توفره لنا بتقنياتها ..جعل منا آلات مثلها صماء خرساء ..لا ننتج ولا نحرك ساكنا ..فقط نستهلك ما تجود به علينا من دون نقذ ولا إنكار ..
أصبحنا ننتظر التأويل من الآخر ..من الفايسبوك ..من الواتس آب ..من المواقع الإلكترونية ..لا نصنع تأويلنا عن طريق المعطيات التي تقدمها لنا ..ولا نتخذ قرارنا من ذاتنا ..من فكرنا من توجهنا ورؤيتنا..إنها ترسم مساراتنا وفق أهوائها ..
إنها تعرقل نشاط التأويل ..وتُصَيرنا أجهزة إستقبال وإرسال فقط .."نسخ ولصق" ..ثَمِلين لدرجة لا نتحرى فيها أي شيء ..كل ما يأتي من خلالها فهو رمز المصداقية والأمانة والشفافية ..إنها صادقة لا تكذب ..إنها مقدسة لا يمكن أن تخطئ..لا نسائل جدوى الخبر فقط نتلقفه ونستصيغه ونرسله للآخر بعد ذلك ..لا نحاكم معطياتها ..ولا نعارض ما جاء منها ..
إنها فهمنا للواقع ..وتمثلنا للواقع ..وقولنا عن الواقع ..لا نتكلف بصياغة أفكارنا ومقولاتنا في حضرتها ..ولا نصنع تأويلنا عن طريق فهمنا للوقائع والظواهر ..
إنها تمارس علينا عنفا ثقافيا وتحتكر لنفسها سلطة التأويل والقول الفصل ..ونحن نتلقف عنها فهمها وتفسيرها كأنه مقدس ..كأنه لا يمكن أن يخطأ ..أين عقولنا التي لا تنتج فكرا جديدا !
أين تفسيرنا للظواهر والأحداث ..أين كلمتنا في ظل الكلمات ..وقولنا في ظل الأقوال ..أين تدويناتنا الخاصة ..أين مقالاتنا ..أين حضنا من كل هذا أم أننا تعودنا على أخذ الجاهز والقبول بالسهل المعبّد الممهّد ..إنها تقتل فكرنا بالتقسيط ..وتلغي عقولنا بالتدريج ..وإن لم نتدارك أنفسنا ونبادر في الصناعة والإنتاج لأفكارنا ..والصياغة لتفسيراتنا وآرانا ..فستقيّدنا بفهمها وتحكمنا بمساراتها ..وتطبّعنا بمنهجها ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م