الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرة في خلفيات صناعة الإرهاب..

محمد البورقادي

2015 / 11 / 26
الارهاب, الحرب والسلام


لا شك أن لكل شيء دواعيه ومؤشراته ..ولكل حدث مسببه ..ومن تم لا بد من سياقات تأتث لانبثاق هذا الفكر المتطرف ..
إن ظروف الفرد النفسية والإجتماعية من أهم دواعي الإنقياد للأفكار الجاهزة ..فالشباب الآن في العالم العربي يعيشون فراغا كبيرا ..لا يجدون لتصريفه سبيلا ..
فراغ ناتج عن عدم إيجاد فرصة للعمل ..فراغ معنوي لا يتم شغره بالتثقف ..بالمطالعة ..بالبحث العلمي ..بشغل الفكر بجواذب الإنتاج وإعماله في ما يصلحه ويشحذه وينميه ويثيره ..
ذلك أنه إن لم يشغل فكره بما ينفعه ..شغله هو بما قد يفسده ..فالأولى التحصين والمنع ..وليس ذلك يأتي إلا بتزكيته وتثويره ..
إن الشاب حينما يصبح راشدا ..ويطّلع على الواقع الإجتماعي ..يجد خلاف ما قد تم تَوليفه عليه ..يجد عكس ما تربّى عليه ..فالأسرة تطلب منه الصدق ..وهو يرى الكذب في الغير ..وتأمره بالأمانة ..وهو ينظر الناس تغش وتدلس وترتشي ..إنه يرى خلاف ما قد سمع ..إنه في انفصال تام عن الواقع ..في حيرة ..آلياته المعهودة لا تثمر في فهم العالم المحيط ..لا يقدر أن يفسر هذا التناقض ويجد نفسه في ملتقىً للطرق ..
إن الشاب يعيش ويتعايش في ظل هاته الوسائط الجديدة المعلوماتية التي تجذبه إلي شبكتها لفرط وهجها ..فهو دائما في عزلة ..في انفصام ..أصدقاء افتراضيون ..لعب افتراضية ..عالم افتراضي ..ألعاب عنيفة تنتصر للقتل والدم والعنف ..وهو يتلذذ بهذا اللعب ..قد جد فيه راحته وبنى عليه تفسيره للواقع الجديد من حوله ..إنها أداته الجديدة لفهم الواقع ..إنها مخيلته التي تُغذّيه ..
إنه في لعب دائم للإرتقاء من مستوى إلى آخر في لعبة بعينها ..وكلما انتقل إلى مستوى آخر كلما شعر بحبور وفخر ..
إنه يعيش في احتقان دائم ..ضغط من الحياة الإجتماعية حيث الفقر ينَغّص عليه حلاوة عيشه ويحرمه من متطلبات حياته ..وهو يرى الآخر ينعم في رغد العيش ..يراه في التلفاز ..يراه في الشارع ..يراه في كل مكان ..ثم يحقد عليه ومن تمّ يحقد على وضعه وعلى حضه المشؤوم ..ثم يحقد على نفسه ..
إنه في صراع دائم مع ذاته ..يحاول أن ينتصر لدوافعه وخواطره التي تأزّه أزّاً ولا يستطيع لدفعها سبيلا ..إنه لا يقدر أن يجد عملا يكسب منه عيشه ويحقق به ذاته ..البطالة تنخر آماله وتقلص أحلامه وتدفن طموحاته ..لتتركه عاجزا يعتصر في عقر داره ..إنه مشلول بلا حراك ..الوقت يمر ..الفراغ يقتل ..ليس هناك من جديد ..والنفس تطلب الإرواء ..ونداء الذات يلحّ عليه ..يكاد يقتله من فرط النداء ..كيف يتبث ذاته بين الذوات ..كيف يرتقي بإحساساته الباطنة ..كيف يخلص نفسه من التآكل ومن التدمر ومن التسخط ..
المجتمع يظلمه ..لا يوفر له حقوقه ..ولا يكفل له حاجياته ..يسمع عن الديموقراطية ولا يرى منها شيئاً ..يسمع بالمواطنة ولا يُدرك تطبيقها ..ليس لديه ما يشفي غليله ..ويردُّ ضمأه..
أمانيه تكبر ..وأحلامه تشعّ في باطنه ..وهو مسجون لا يقوى على الحراك ..إنه في سجن مرير ..في احتقار لذاته ..كيف يحب ذاته وهو يعرف أنه لن يسعدها ..لن يشفيها من مرضها ..لن يقدر على مجارات دوافعها ..إنه يتضاهر بالسعادة ليرضي المجتمع ويعاند نفسه ضداً عليها..إنه يخفي الحقيقة ..الحقيقة المُرّة التي تأكله من داخله كما تأكل الدودة أوراق الشجر ..
إن الصبر بلغ مداه ..وجهازه العصبي قد يبس من فرط التأجج واستكان للأمر الواقع وألف على الوضع ورضي بالحال طامعا في المحال الذي لم يأتي أبدا ..هو يُوهم نفسه أنه لن يأتي ..وكلما زاد الإيهام بذلك زاد العذاب ..زاد الضغط ..شارف الضغط على الإنفجار ..لا هو ينفجر فيستريح ولا هو يخمد فيستريح ..إنه متأجج على الدوام .. كلما شغله الفكر بذلك زاد اضطرابا ..وكلما باغته لَمْعُ الفراغ في ذهنه زاد توثره ..
إنه في كامل القوة والعافية ..صحيح الجسم ..معافى البدن ..لا ينقصه شيء من المُعطى الخام ..الكل متوفر وموجود في المادة ..ولكن العذاب على قدْر التوفُّر ..
لديه طاقة في داخله لا تجد التصريف ..مكبوتة في أعماقه ..لا يملك حيلة ليُطلقها من عقالها ..كل الأبواب موصدة ..وكل المنافذ مغلقة ..والضغط يزيد ..والأرق يزيد ..والكبت يزيد ..ولا سبيل يلوح في الأفق ..الكل غامق ..ليس هناك أفق..
إنه يعيش في اللحضات الأخيرة ..إنه على شفا جُرُفٍ من الموت ..إنه يموت ببطء ..لقد شارف على الفناء ..إن اليقين يلوح في الأفق ..
يجد الشاب نفسه محاطا من كل جانب بهذا الواقع الذي يعيش فيه ولا يستطيع الهروب منه وهو حَالٌّ فيه شاء أم أبى ..
هو في انتظار لربع فرصة ..لحبل إنقاذ ..لمن يتلقفه من الموت ولو كان حبل الموت نفسه..أي شيء..لأنه سئم من كل شيء ..لا يفرق معه السبيل الجديد ..المهم أن يكون سبيلا !
إن هاته السياقات التي يعيش داخلها الفرد هي الخلفية التي تلعب عليها الجماعات المتطرفة في استقطاب المجاهدين إليها ..إن نفسية الفرد هي مؤشرهم الذي يقيسوا عليه درجة استعداد هذا القادم ..
فما تلبث أن تمد يدها بحبلٍ لاصطياده ..حبل متين مغلف بالشهوات مما تبذل في سبيله النفس كل ماتملك للتمسك به..إنه قنطرة العبور للحياة الجديدة ..كيفما كانت هاته الحياة ..المهم أن تُخلّص من الجحيم..
مصْيدة للعديد من الشباب الذي يلتحق إلى هاته التنظيمات المتطرفة ..التي تُعبّأ بأجندات دينية مزيَّفة التأويل ..مغلوطة التفسير ..تلقى صدىً حسنا عند شبابٍ قد أغشاه الواقع فأغمض عينه عن الرؤيا ..وأصمّ أذنه عن السمع ..والأهم من ذلك .. جمّد عقله عن الفكر ..فصار يتقبل أي شيء بسهولة واستسلام ..صار لا ينكر منكرا ولا يعرف معروفا من سوء حالته ..لا فرق عنده بين الحياة والموت..
إنه فقير ..جاهل ..مظلوم ..ينتظر من ينتصر له ..ولا أحد يلوح في الواجهة ..ملّ وكلّ من الإنتظار ..لا أحد يُنجده ..دخلت عليه هاته الجماعات المتطرفة من بوابة عزلته ..من حاسوبه ..من هاتفه
لقد دخلها بدافع الفضول ..حتى صارت أنيسته وجليسه ..صار يتفاعل معها بعدما كان مشفقا منها ..صار صديقا لها ..صار عميلا معها ..صار منها ..صار جزء ًا منها .صار ينظّر لها ..صار في خدمتها..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل سقطت في فخ حماس..فكيف تترجم -الانتصار- على الأرض؟ |


.. تمرّد أم انقلاب؟ إسرائيل في صدمة!| #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد مسار عملية رمي جمرة العقبة في أول أيام عي


.. مراسل الجزيرة يرصد تطورات الخلاف في إسرائيل بشأن -هدنة تكتيك




.. مظاهرات في ألمانيا والنرويج نصرة لغزة