الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


راوية ... حلم شباب الهزيمة

الرفيق طه

2015 / 11 / 26
ملف : ظاهرة البغاء والمتاجرة بالجنس


راوية ... حلم شباب الهزيمة


منذ نعومة الاظافر و راوية تنال اعجاب العامة و الخاصة . فتاة نجيبة من اب طبيب و ام في القطاع البنكي . تكبر اخاها حسام بسنوات عدة .
مشاركاتها في الانشطة الفنية المدرسية جعلت كل التخمينات حول مستقبلها تتضارب . هل ستمتهن الموسيقى و الغناء خاصة و انها تدرس السولفيج في المعهد الموسيقي ، ام ممثلة مسرحية حيث تلعب ادوارا مهمة في مسرحيات نالت فيها اعجاب الجمهور . او قد تصبح بطلة اولمبية في رياضة ما لان اساتذة الرياضة في الثانوية يتنبؤون لها بمستقبل مشرف في الميدان .
ام راوية ترفض الخوض في مثل هذا الحديث و تقطع كل الشكوك بقولها ان الفتاة لن تمتهن الا منصبا علميا تتأهل له بقدراتها العلمية و ليس بهوايات تمارس في الوقت الثالث . و رغم ان الاب لا يتدخل في هذا الشأن الا انه مصمم على ان تهتم بنته بدراستها الاكاديمية و مستواها العلمي خاصة ان مؤهلاتها في استيعاب الدروس و قدراتها الابداعية في حل الغاز تعترضها في الدراسة تسمح لها بان تختار مسار العباقرة و العليين في العلوم و الفكر .
فتاة متميزة وسط اقرانها و زملائها في الدراسة و التنشيط و الرياضة بابتسامتها الدائمة و سلميتها في التعامل و التفاعل و صمتها المسترسل و زكاؤها في الاخذ و العطاء و رد الفعل . لينة و طيعة ، لطيفة و وديعة . ما يزيد من اعجاب الناس بها جمالها الاخاذ و انوثتها المبهرة . من يراها بملابس رياضية تعانق الريح بشعرها الذهبي كالغزلان . و في المدرسة بالوزرة كحمامة بيضاء ترفرف بجناحيها في السماء. اما في الاعراس و المناسبات حين ترتدي زينتها فانها تملك قلوب العشاق .
في سنتها الثامنة عشرة و بعد ايام على حصولها على شهادة الباكالوريا زارتها مع وفد من الصديقات لتهنئتها فتاة تسمى زهرة . بعد تبليغ التهنئة اصرت زهرة على راوية ان تلتقيها في موعد تختاره هذه . لذلك تبادلت الفتاتان ارقام هاتفيهما .
زهرة كانت زميلة راوية في الدراسة في السنتين الاوليتين من الاعدادي . كانت معروفة بمراهقتها الشادة و عنفوانها . كانت جرءتها قوية جدا . لم تكن راوية و لا احد من زميلاتها يعتقد ان زهرة ستعود لهذا الهدوء و الوداعة التي تتميز بها الان . لم تكن تهتم بالدراسة و لا تنشغل الا بالتدخين و ربط العلاقات المشكوك فيها . كما كانت تحكي عن مغامراتها مع بعض اساتذتها و في بعض الاحيان مع رجال سلطة كبار بل و حتى مع شيوخ و فقهاء . كان الكثير مما تحكيه مثير للسخرية لكن الواضح انها قادرة على صنع المستحيل لاخضاع ضحاياها .
لكن زهرة و بعد سنة من الغياب عن الحي و المدينة عادت فتاة اخرى تحمل من علامات النضج و الرشد الكثير . تغيرت نظرتها للاشياء . عاد مظهرها اكثر حشمة . كلامها و حديثها خلا من كل الكلمات المشينة . كثيرة الصمت و اذا تكلمت اختصرت و تدعو للتسامح و الغفران . تغيرت زهرة من دائمة الانفعال الى ابدية الوداعة .
تلقت راوية مكالمات هاتفية عدة من زهرة طيلة العطلة الصيفية . كانت الفتاتان تتبادلان التحايا و كانت راوية تحكي عن جمالية الحياة التي تعيشها في الاصطياف و المدن التي تزورها رفقة اسرتها الصغيرة . و قد كانت تشعر بالارتياح لردود زهرة التي تكون هادئة و معبرة عن رضاها لذلك . خاصة ان راوية تعرف عن زهرة حبها للمغامرات .
صدفة التقت الفتاتان قرب الكنسيرفاتوار الذي تتلقى فيه راوية دروسها الموسيقية . كانت راوية بلباسها العادي الذي و شعرها الطليق . اما زهرة فقد كانت ملفوفة في ثوب لا يسمح بظهور اي من ملامح من بداخله عدا الوجه الانثوي الرشيق .
بعد التحية و تبادل القبلات سألت زهرة راوية من اين اتت . قالت راوية من الكنسيرفاتوار . قالت زهرة و انا كذلك . بابتسامة و تعجب قالت راوية انت معي في نفس الكنسيرفاتوار و لم التقيك ؟! قالت زهرة ليس نفسه و لكن الذي ارتاده انا متميز . تعجبت راوية من قول صديقتها و هي التي اختارت ارقى الكنسيرفاتوارات في المدينة !.
قالت زهرة حين تخرجين من الكنسيرفاتوار يا راوية تتخلصين من طاقات الشؤم و تتشبعين بطاقات الفرح .
قالت راوية : طبعا .
قالت زهرة : و ما بالك ان تخلصت من كمية اكبر من الطاقات الفاسدة دون ازعاج الاخرين باصوات قد لا يقبلونها او تكون سببا في ضياعهم .
قالت راوية : اوضحي كلامك يا زهرة ، فقد اثرت رغبتي في المعرفة .
قالت زهرة :ان كان ذلك حقا لنلتق يوم الجمعة المقبل في الظهيرة و تكتشفين بنفسك .
يوم الجمعة التقت الفتاتان و اتجهتا معا الى بيت بالمدينة القديمة . كان بيتا نظيفا و هادئا و يعمه الصمت . اثاثه قيم و منظم ، زرابي و مخدات . نوافذه محكمة و ستائره معتمة . باب مدخله دائم الاغلاق . لا يدقه احد و لا يفتح الا بمواعيد مسبقة .
بغرفة متوسطة المساحة ،جلست راوية الى جانب ست فتيات متقاربات في السن و حتى الملامح . جلست زهرة على مخدة و اتكأت على اخرى . افتتحت المجلس بآيات و احاديث دينية . انطلقت عملية التعارف بذكر الاسم الشخصي منسوب لوالده . الا اثنتين من الحاضرات نسبتا لابنيهما(ام فلان و ام علان ) .
كانت زهرة الآمر و الناهي في الجلسة . قدمت دروسا ملخصة في الارشاد و الموعظة العقائدية . و في خارج الغرفة فتاة لا تقل عن الاخريات سنا ترتدي ملابس اقل حشمة اتت بالبخور الذي عم دخانه المكان و رشت الطيب على كل الحاضرات لتقدم لكل واحدة منهن حلوى و حبتين من الثمر .
بعد هنيهة اطلقت زهرة صوتا من جهاز لشيخ يذكر الاخوات بمسؤولياتهن في الحياة امام اخوانهن و ابائهن و ازواجهن و امام شيوخهن بالخصوص . بعد ذلك قالت زهرة كلمة ختامية عبارة عن دعوات للاخوات بكل ما هو جميل . انفض الجمع و خرجت زهرة و الى جانبها راوية . ودعت احداهن الاخرى متعاقدتين العزم على الاستمرار في التواصل .
دخلت راوية غرفتها كطائر منكسر الجناحين . لم تكلم احدا في البيت و لم تهتم بما يجري . ممددة على سريرها تعيد شريط تلك الساعات التي عاشتها بين الاخوات في هدوء و انضباط ، بعيدا عن الضجيج الذي تعرفه في ساحات الرياضة او قاعات الموسيقى و حتى بين جدران قاعات التدريس في المدرسة و المعهد الجامعي . أحست بغيرة لا تطاق من زهرة التي اصبحت محدثة بعد ان عرفتها في الاعدادي تلميذة كسولة مشاكسة قبيحة الفعل و القول . لا يمكن ان تنتقل بهذه السرعة الى هذا المستوى من النضج لو لم يكن اختيارها هذا صائبا .
بدأ الندم يسري في خوالج راوية عن ما مر من حياتها بين الدروس و الغناء و الرياضة في اختلاط بين الذكور و الاناث كالقطيع ، كما عبرت عن ذلك محدثتهم زهرة . و كل ذلك لهو لن تكون له فائدة على الناس و يقلل من الايمان و العودة الى طريق الحق .
استعادت راوية تلك الاريحية التي تتفاعل بها الاخوات في ذلك البيت الهادئ ، المنظم و النظيف . تملكتها رغبة العودة لاستنشاق ادخنة البخور الطيبة التي جعلتها تشعر باسترخاء و استعداد للانصات لما تقوله المحدثة زهرة بامعان .
كلما مضى وقت عن تجربتها الاولى في مجلس الاخوات الا و زادت شغفا للحضور بينهن . اصبحت تتملكها آمال ان تنضج و تظهر رشدها بين الناس بتغيير لباسها و بلوغ مستوى تحدث فيه الناس و هم ينسطون ، مستوى تعطي فيه الموعظة و ترشد فيه لما يرضي خالقها و تكفر عما فاتها في الضلال .
الرغبة في ان تصبح عضوة فاعلة في المجموعة كما هي زهرة تتملك راوية . هاجس القيادة يسيطر على احلامها .
على السجاد قرب سريرها تجلس كما جلست زهرة امام الاخوات و تجسد الدور ، تختار الكلمات و الحركات . تحاول ان تجعل من تقاسيم الوجه وسيلة اثارة . كلما سدل الثوب على الوجه سحبته الى الاذنين و دفعت معه شعيرات متمردة نافرة على اوامر الحجاب . حركة الاصبع و اليد تتغير حسب مضمون الكلمة و العبارة . كل ذلك يجعل الاخوات يتابعن باهتمام اقوال الاخت المحاضرة .
و كأن بفراغ في دواخل راوية امتلأ . تتخيل الناس جميعا يتكلمون عنها ، مؤمنة مخلصة طيبة محبوبة . تنتظر لقاء جدتها التي ترفض كل لباس ترتديه و تقول لها "لا شيء يرضيني و يرضي الرب فيك غير جلباب يستر عورتك يا بنيتي" . "ماذا ستقول اذا رأتني جدتي محجبة و لا يظهر من جسدي شيء غير وجهي".هكذا تحدث راوية نفسها .
"كنت ارقص في الاعراس و أخرس في المآتم . لكن اليوم سألقي دروس الموعظة حسب كل مناسبة . نعم ستستمع لي كل النساء . جميعهن يشعرن برغبة في الموعظة و العودة الى دين الرب الاعلى . فقط هوس الشيطان يتغلب . سانتصر عليه و اعمم ما تعلمت عن هذا الدين الابي ." هكذا اصبحت راوية مهووسة و موسوسة باختيارها الجديد .
تكررت مجالس الموعظة و بقيت راوية تتلقى في كل يوم درسا و زهرة في محل الشيخ على المنبر و أميرة المجلس . و البخور يعم المكان و العطر يرش على الاخوات بلا حساب .
في كل يوم تشعر الاخوات بالرغبة في استنشاق البخور و العطر اكثر ما يرغبن في الاستماع للدروس .
باستنشاق العطر و الدخان يصبح صوت الاخت المحاضرة جميلا و ما تقوله مثيرا .
في نهاية الاسبوع الاول كانت الاخوات على موعد مع مأدبة تسمى العشوية ، و خلالها تعيش الاخوات طقوسا تسمى الخلوة الجماعية المقدسة .
بعد الاكل و الشرب تتباعد الاخوات الواحدة عن الاخرى . تنطفئ كل الانوار . يصبح المكان دامسا لا تسمع فيه غير الانفاس . صوت نسائي مؤثريطلب من الاخوات التفكير ماهيتهن و لماذا خلقن و ما دورهن .
في لحظة و دون سابق انذار ينقشع شعاع نور احمر يظهر ثم يغيب . لا صوت يعلو على انفاس الاخوات . بعد قليل تمزق الصمت بصوت شيخ يتحدث عن الموت و الكفن و الوداع و حفرة القبر و احكام اغلاقه و عودة الاهل الى الديار و بقاء الميت وحيدا في خلوته . ليلته الاولى في ضيق القبر ثم السؤال ....
حكاية و اسئلة تصدر من خطيب تتلقفها آذان الاخوات كالصواعق على الرؤوس . الظلام الدامس يشعر المستمع و كأنه في قبر حقيقي .
من هو ربك ؟ من نبيك ؟ لماذا تخلفت عن دعوة شيخك ؟ ماذا فعلت بيديك برجليك و بلسانك بعينيك . من انت اليوم امام ربك . اسئلة تتناسل من لسان الشيخ كبركان ثائر لهيبه يداهم المحاصرين بين الجبال .
كلما تنهدت الواحدة من الاخوات استنشقت اكبر كمية من دخان البخور . و في كل لحظة يسمع صياح احداهن اصيبت بالصرع . لا تعرف الواحدة مصير الاخرى لانهن يطعن امرا بعدم التحرك او تغيير المكان مهما وقع و مهما سمعن او رأين .
يتبع
سي محمد طه 25/11/2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يكثف غاراته على مدينة رفح


.. مظاهرات في القدس وتل أبيب وحيفا عقب إعلان حركة حماس الموافقة




.. مراسل الجزيرة: شهداء ومصابون في قصف إسرائيلي على منازل لعدد


.. اجتياح رفح.. هل هي عملية محدودة؟




.. اعتراض القبة الحديدية صواريخ فوق سديروت بغلاف غزة