الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفردوس الدامي.. صورة مقربة لعشرية الجزائر الدامية

محمد عبعوب

2015 / 11 / 26
الادب والفن


يقدم الكاتب الصحفي الفلسطيني نوري الجراح في كتابه (الفردوس الدامي.. 31 يوما في الجزائر) - إصدار دار الساقي للعام 2000- رصدا دقيقا وموسعا لجذور موجة الإرهاب الدامي التي اجتاحت الجزائر تسعينات القرن الماضي من خلال سلسلة مقابلات أجراها مع أطياف من طبقة المثقفين والكتاب والصحفيين الجزائريين خلال تواجده كشاهد عيان لواحدة من أشد أدوار العنف الدامية المعروفة بالعشرية الدامية في هذا البلد..
في هذا الكتاب يتقصى المؤلف غياب دور المثقف الجزائري في تفادي موجة الإرهاب قبل انفجارها، باعتبار أن تجذير مبدأ الحوار وثقافة الاختلاف في وعي الإنسان الجزائري، التي لو وجدت لكانت جنَّبت الشعب الجزائري هذه الكارثة، هي بكل تأكيد رسالة المثقف و واجبه نحو شعبه، وغياب هذه الثقافة هو ما أتاح المجال للغة حوار بديلة وهي لغة الإرهاب والعنف التي دفع فيها الشعب و منهم المثقفين ثمنا باهظا .
سلسلة من التساؤلات طرحها المؤلف على نخبة من المثقفين والسياسيين الجزائريين ضمت قادة نقابات وجمعيات وكتاب روائيين وقصاصين وصحفيين ورسامي كاريكاتير ، تناولت الهم الأمني والثقافي والهوياتي والمهني والسياسي ، قدموا من خلالها رؤيتهم لأزمة الجزائر التي كانت تخوض في تلك الفترة مرحلة انتقال مؤلمة من نظام الحزب الواحد الى نظام التعددية، وقد عكست هذه المقابلات في مجملها وجود أجواء صراع حقيقي بين نخبتين كانتا تجسدان هذا الصراع هما نخبة أنصار التعريب ونخبة الفركفونيين، وهو الصراع الذي لا زال متواصلا حتى اليوم ، والذي يعود في اعتقادي وكما فهمت من خلال هذه المقابلات الى وجود خلل في آلية قرار وبرامج التعريب التي لم يراع فيها إرث 130 سنة من الفرنسة وما خلفته حقبة الاستعمار من آثار في ثقافة وهوية الشعب الجزائري من آثار وتشويه يصعب معالجتها بقرار فوقي يتجاهل الواقع على الأرض .
في "الفردوس الدامي" طرح الكاتب نوري الجراح الذي خاض مغامرة اقتحام البركان الملتهب في الجزائر في تلك الفترة مسألة غياب الكتاب العربي والتواصل مع المشرق العربي ، فكان رد غالبية من قابلهم يتمحور حول تجاهل مثقفي المشرق ومؤسساته الثقافية للمغرب العربي وللجزائر بصفة خاصة، ويشتكي معظم من طرح عليهم هذا الموضوع من تجاهل شبه كامل من قبل المشرق للمغرب، ويشيرون الى أن الصحافة و وسائل الإعلام المشرقية لم تبادر للتواجد بالساحة الجزائرية خلال العشرية الدامية لتقدم للقارئ العربي وجهة نظر وحقائق من عين المكان، واكتفت بمتابعتها لتلك الأحدث بالاعتماد على وسائل إعلام غربية لها أجندتها فيما يجري وغامرت لتغطيتها بما يخدم مصالحها..
"الفردوس الدامي" مبادرة ذاتية شجاعة للكاتب والمثقف الفلسطيني نوري الجراح تعطي للقارئ العربي صورة واضحة ودقيقة لخلفيات تلك العشرية المؤلمة التي خاض وحولها الدامية إخوتنا في الجزائر، وهي يمكن أن تقدم لنا اليوم خلفية وبعد حقيقي لما تشهده المنطقة العربية من زلازل مدمرة ، كانت عشرية الجزائر الدامية رسائل إنذار لنا منها، إلا أن نظمنا الحاكمة في تلك الفترة وحتى اليوم لم تفهم معناها ولا زالت تتجاهلها ، ولم تأخذ العبرة منها وتواصل غرس رأسها في التراب..
وفي الختام أود الإشارة الى أن آخر مقابلة بالكتاب وكانت مع رسام الكاريكاتير الجزائري أيوب الذي ينشر في صحيفة الخبر، حيث قدم اصدق وأوضح وابسط الآراء حول ما يجري في الجزائر، و كان هذا الرسام يتحدث عن تجربته في تلك العشرية بصوت كاريكاتيري ناقد بسخرية لا تمتلك إلا أن تحييه عليها بابتسامة من الأعماق تؤكد إيمانك بكل ما رسمه من لوحات في هذا الحوار تغني عن الكلام المرقوم..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي