الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياسات صنع الكارثة

منذر خدام

2015 / 11 / 26
مواضيع وابحاث سياسية



في مقال سابق بعنوان " الاستثمار في صناعة الكوارث" قلت بأن أحد عناصر صنع الكارثة هو النظام الاستبدادي ذاته. يعلق أحد الأصدقاء على ذلك بقوله وهل يعقل أن يجلب النظام السياسي الكارثة إلى بلده؟!!.
قبل أن أفسر ذلك تحضرني حدوتة صغيرة تفيد بأن أشجار الغابة الفتية دب فيهم الذعر لوجود فأس حطاب مرمية في وسطهم، فاستشاروا في الأمر شجرة معمرة(الجدة)، فهدأت من روعهم ومن ثم قالت لهم: فأس الحطاب بلا نصاب لا قيمة لها، وليست مدعاة للخوف، إلا إذا( لا سمح الله!!) تبرعت إحداكن لتدخل في إستها فتكون نصاباٍ لها!!.
في عالمنا العربي يتسابق، للأسف، كثيرون، وفي مقدمتهم حكامنا الأشاوس ليكونوا نصاب الفأس الأمريكي والغربي عموماً. من حيث المبدأ وكما تثبت التجارب التاريخية لا يستطيع الخارج، أي خارج، أن يكون فاعلا في داخل أي بلد بدون توافر أدوات محلية، وإذا كان الهدف صنع كارثة، فمن الطبيعي أن يكون في مقدمة هذه الأدوات الحاكم ذاته.
في مؤتمر للأمن عقد منذ وقت قريب في دبي، قال رئيس شرطة دبي، أن من أصل ست وثلاثين مصدراً للخطر على دول الخليج، فإن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة تشغل المرتبة الأولى؟!! لا أحد يجادل بحجم المصالح الأمريكية في المنطقة، لكن يمكن الجدال وبحق حول أساليب أمريكا لتحقيق هذه المصالح، على ضد من مصالح شعوب المنطقة ذاتها. في هذا المجال أنصح بقراءة كتاب " تفتيت الشرق الأوسط" لمؤلفه جرمي سولت، الذي يتضمن سردا تاريخيا موثقا لأساليب أمريكا القذرة في الشرق الوسط، وكيف كانت تصنع الزعماء وتسخرهم لخدمة مصالحها، حتى لو تطلب الأمر التسبب في حصول الكارثة في بلدانهم، ومن ثم تتخلى عنهم. بالتأكيد لا يفيد لوم أمريكا وغيرها من الدول التي تعمل في سبيل مصالحها بالطرق والأساليب التي تراها مناسبة لها، المسألة ليست أخلاقية، بل سياسية، والسياسة قلما تتأسس على القيم الأخلاقية. اللوم كل اللوم يقع علينا نحن - حكاما وشعوباً- في البلدان العربية، حكاما لأنهم ارتضوا لأنفسهم النصاب في إست الفأس الأمريكي، وشعوبا لأنهم صمتوا طويلا على بقاء حكامهم في ذلك الموضع.
لنأخذ مثالا صدام حسين، فهو نموذج لأغلب الحكام العرب، علماً أن الحكام الجدد لا يختلفون عنه. في الواقع لم أكن يوما من محبي صدام حسين، ولا من مؤيدي سياساته، فهو لم يساهم بصنع كارثة لبلده فحسب، بمساعدة جميع الأنظمة العربية تقريبا، وخصوصا حكام الخليج العربي، بل شكل فاتحة الكوارث اللاحقة جميعها. ومن يقرأ كتاب جرمي سولت سوف يكتشف بالوثائق كيف تم إعداده من قبل المخابرات الأمريكية، وحجم الخدمات التي قدمها لها، ومن ثم كيف استخدمته لاحقاً في صنع الكارثة لبلده وللمنطقة عموماً، تحت شعارات القومية المظفرة!!.
من المعلوم تاريخيا أن العراق كان يشكل نوعا من السد في وجه المطامع الإيرانية، وما إن قامت الثورة الإيرانية حتى دفع دفعا من قبل الولايات المتحدة، وبدعم وتشجيع من الحكام العرب، لغزو إيران على أمل إسقاط النظام فيها، فتسبب بخسائر كبيرة جدا للبلدين قدرت في حينه بأكثر من ألف مليار دولار، عداك عن الخسائر البشرية. وما إن انتهت الحرب حتى حانت لحظة التخلص منه هو بالذات، فدفع لغزو الكويت وكان ما كان، من استكمال تدمير العراق، واستنزاف القدرات المالية لدول الخليج. ومن النتائج التي كانت ملحوظة أمريكيا لتدمير العراق استثمار الواقع في خلق نظام سياسي طائفي، يستمر في تدمير العراق ويفتح الباب على مصراعيه لصراعات طائفية، سنية شيعية، وبين كل المذاهب والأديان، لا تنتهي، وهذا ما نلاحظه اليوم. كثيرون قالوا بفشل السياسات الأمريكية في العراق، وعدو خروجها هزيمة. في حين، وكما يقول الواقع، فقد حققت أمريكا نجاحا باهرا في تفتيت العراق وإخراجه من التاريخ، والاستثمار الناجح في الطائفية. هل من عاقل يصدق بأن ظاهرة داعش قد فقست خارج فقاسات المخابراتية الدولية، والأمريكية منها على وجه الخصوص؟!!. لقد كانت المرشحة كلينتون شديدة الوضوح في هذا المجال...
وبالمناسبة كان العراق قبل شنه الحرب على إيران في بحبوحة اقتصادية، وكان يشهد حركة عمرانية وتنموية لافته، وعلى افتراض أنه استمر في ذلك، وبدلاً من إنفاق المبالغ الهائلة على الحرب، أنفقها على التنمية والعمران، هل يمكن تصور ماذا سيكون عليه وضع العراق وشعبه؟!. لكن لكي يصح هكذا افتراض ينبغي وجود نظام سياسي مختلف، وليس نظاما استبداديا شديد المحافظة، وحاكم فرد مطلق.
الحالة في ليبيا لا تختلف كثيرا عن حالة العراق، هنا أيضا اتبع النظام سياسات افقار الشعب الليبي بصورة ممنهجة، من جهة عن طريق تبذير ثرواته في صراعات وحروب إقليمية، ومن جهة ثانية عن طرق الاستحواذ عليها من قبل الحاكم وأفراد عائلته وحاشية حكمه.
وفي سورية واليمن أيضا، الحالة شديدة الشبه بمثيلتها في العراق وليبيا، ولا تختلف إلا بتضخم ظاهرة الفساد. في سورية، ومنذ أكثر من ستة عقود، والبلد يحكمها نظام مستبد شديد المحافظة، قضى على أية حياة سياسية طبيعية. لقد حال دون ولادة أية معارضة حقيقة بالقمع المتواصل، وأفرغ أحزاب السلطة ذاتها وفي مقدمتها حزب البعث، وجميع المنظمات النقابية ، من روحها الحزبية والنقابية، وحولها إلى مجرد أجهزة للسلطة، تنحصر مهمتها الرئيسة في التوصيل ألأوامري، والضبط المجتمعي.
إن علة العلل في عالمنا العربي تتمثل في النظام السياسي الاستبدادي، الذي يركز جل اهتمامه على السلطة، وليس على الدولة والشعب. لنفترض أن الحكام في سورية قد استجابوا لمطالب الشعب التي طالبت بالإصلاح في البداية، بل حتى عندما انتقل للمطالبة بإسقاط النظام كان ثمة مجال للاستجابة أيضا، من خلال الانتقال إلى نظام ديمقراطي حقيقي. لو فعلوا ذلك لجنبوا سورية كل هذا الدمار الذي حصل لها، وهذه المعاناة غير المسبوقة في التاريخ للشعب السوري، ولفوتوا الفرصة على القوى الخارجية الساعية إلى تدمير سورية. لكن هو الاستبداد الذي يمارس السياسة كنوع من المقامرة، وعندما يتهاوى يسقط معه كل شيء. يحضرني بهذه المناسبة قول بليغ لعبد الرحمن الكواكبي في وصفه لحالة سقوط دولة الاستبداد. يقول الكواكبي: "فناء دولة الاستبداد لا يصيب المستبدين وحدهم، بل يشمل الدمار الأرض والناس والديار، لأن دولة الاستبداد في مراحلها الأخيرة تضرب ضرب عشواء كثور هائج، أو مثل فيل ثائر في مصنع فخار، فتحطم نفسها وأهلها وبلدها قبل أن تستسلم للزوال، وكأنما يستحق على الناس أن يدفعوا في النهاية ثمن سكوتهم الطويل على الظلم، وقبولهم القهر والذل والاستعباد"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اللو زرعت لكن لم تُخَضِر مثل عراقي!
علاء الصفار ( 2015 / 11 / 26 - 20:47 )
تحية للسيد الكاتب
صناعة الروؤساء صحيح!اضيف الرئيس العميل سوموزا فيالفوكلاند وسهارتو في اندنوسيا و بينو شيت في جيلي! لقد كتب نؤام تشومسكي عن دور المخابرات في تحطيم اي توجه ديمقراطي في العالم! الديمقراطية ممنوعة على الدول الواقعة في مجال السوق الامبريالية, مشروع للنهب!الديمقراطية معناها موت للمصالح الامريكية,فصعود بشر سياسي وطني لقيادة الدول النامية,هذا معروف للقاصي و الداني! الديمقراطية هي فقط للغرب الرأسمالي الصناعي المتحالف ضد شعوب العالم الفقيرة والغنية (العراق مثال)بالثروات, اي ان لا مجال ابداً لظهور نظام ديمقراطي في العالم العربي, وان امريكا استبقت باجنداتها الاحزاب السياسية في العراق ومصر وليبيا و حاولت على سوريا, فامريكا كما تفضلت هي من تقرر من يكون رئيس في العراق ام غيره, لذا مجرد ان تحرك الشعب العراقي ضد صدام ساند الامريكا الطيران العراقي رغم الحظر الجوي على العراق لضرب الحراك الشعبي, لذا لما ظهر الحراك السوري كانت امريكا و السعودية متهيأة لتضيع فرصة التغيير الديمقراطي و تحويل سوريا لحال افغانستان و العراق! يعني لا وجود لأمر لو النظام تخلى عن السلطة ستكون سوريا بلا جحيم داعش!ن

اخر الافلام

.. بعد مصرع رئيسي.. هذه تحديات كبرى تواجه إيران ! | الأخبار


.. سر من أسرار محمود وبيسان.. كيف تطورت علاقتهم؟ ????




.. انتخابات مبكرة وإدارة انتقال مضطرب.. امتحان عسير ينتظر إيران


.. جنوب لبنان.. حزب الله ينعى 4 من عناصره ويهاجم مواقع إسرائيلي




.. إعصار الجنائية الدولية يعصف في إسرائيل | #التاسعة