الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخلق والإبداع في ديوان - كبرياء متفحم- للشاعرة ماجدة بطار

عدنان مشهي

2015 / 11 / 28
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


دلالات العنوان
ينقسم عنوان الديوان إلى كلمتين عميقتين في دلالاتهما
كبرياء :وتعني الترفع والتجبر
متفحم :وهي من التفحيم أي التحول إلى فحم
وهذا العنوان إن دل على شيء فإنما يدل على أن الديوان يتطرق لموضوع يهم الرجل في جبروته وطغيانه العميقين
وهنا نطرح السؤال ما دلالة الوردة التي اختارتها الشاعرة كرسمة خاصة لغلافها وهي من إبداعها ؟هل الوردة هي الأنثى الشاعرة ؟إذا كان الأمر كذلك فالوردة ترمز للصفاء والبهاء والجمال
يعتبر "ديوان كبرياء" متفحم هو أول باكورة أنتجتها الشاعرة ماجدة بطار من مدينة أسفي ،وفيه تتغنى بالذات الحزينة المفعمة بالجرح والألم، وتتغنى بكبرياء رجل فظ لا قلب له ولا روح ولا عاطفة ،هذا الإحساس النابع من قلب الشاعرة يجعلنا نقف في حضن كلماتها لاستكشاف معاناتها الصادقة العفوية الخارقة للعادة ..
صدر هذا الديوان في طبعته الأولى سنة 2014 عن مطبعة safigraphe بأسفي، وهو ديوان اعتمدت فيه الشاعرة أسلوبا رائقا رائعا متميزا بلغته الجريحة الغرامية والعاطفية التي تتأرجح بين الكآبة والتمرد على المعانات والكبرياء.
في قصيدتها " حب يتيم" تقول الشاعرة
"لم اذكر يوما
أن شحذ قلبي
حبا يتيما
على قارعة طريق
لم يسبق له
أن التقط فتات
نحيب اخرس
لم يخدش مخيلة
رجل مستهتر.."ص 12
وهنا إشارة للشاعرة إلى الرجل المستهتر، في وصف دقيق لمعاناتها بحرقة شديدة
وفي قصيدة" بلا مقابل "تسافر بك الشاعرة ،بلا مقابل طبعا في تفاصيل حياتها وتصورها تصويرا دقيقا
" عمري بضع شمعات صغيرات
صفراوات خضراوات
ومن كل الألوان
مرميات على رفوف حانوت بقال.."ص43
ما أجمل هذا التعبير الدقيق المصور لتفاصيلها الحياتية .
ومن نفس القصيدة اقتطفت هذا المقطع
"يستنزف خيراتها
ينهل من خصوبتها
يستلذ عذريتها
يمل حلاوتها
يرميها كقارورة عطر فارغة.." ص 44
إن الإبداع الحقيقي يتولد من المعانات ،بل من عصارة الم القلب ،من انجراف الذات في اللامعنى ،إنها الشاعرة التي أبانت عن قدرتها في كتابة التفاصيل بإبداعها القيم في قصائدها المشتعلة بنار الكآبة الخرساء انها الكتابة الصادقة التي تصل إلى القلب .
أحاول عبثا "
التدلي من نافذة القدر
التقط في لحظة عابرة
صويرات حياتي الفائتة
اختطف أشلاء بسمتي المشتتة"
في هيكل جسدي المفخخ.."قصيدة "محاولة انبعاث" ص54
الشاعرة هنا تحاول الانفلات من واقعها المرير، إلى ما قبل وقتها الحالي أي- قبل وقت كتابة القصيدة-تسترجع من خلال نصها ذكرياتها الجميلة التي كانت فيها أميرة نفسها تحت خيمة والديها
إنها شاعرة متمكنة من حيث اللغة والأسلوب والصور فديوانها مخدوم جدا
كتابات الشاعرة تعبر بصدق ،تكتب وتدري ماذا تكتب ،لا تلعب بالحروف عبثا أو عمدا فهي تشتعل في قصيدتها نارا ،كما تشتعل فيها القصيدة ،إنها تكتب جمرها الداخلي ،ألمها المفجع إحساسها الواضح.
وفي قصيدة "لونتك"تقول الشاعرة
" لونتك للتو..
بقلم حبر جاف
بضوء مصباح كاشف
بعتمة ليل مضن
ركبتك
بأشكال عضوية
وزوايا منحية
لهيكل أسطوري
من خشب ورماد
محوتك
باسفنجة من صقيع
ومكنسة من طين .." ص57
واضحة هنا كثرة الصور ،وفن الخلق اللغوي الذي تتمكن منه الشاعرة وهذا ليس غريبا كونها تشتغل أستاذة للغة العربية ،فهي أبرزت جدارتها وقدرتها على الكتابة الشعرية
" ..عددت اسمك
دوريا
جذريا
نسبيا
صفرا بعد فواصل
غير قابل للقسمة
على خواتمي.."ص57و58
في نفس القصيدة وهنا أتاحت الشاعرة للأرقام او لغة الأعداد أن تتحدث أيضا في تفاصيل بوحها ،نجد حضور الصفر والقسمة والجذر والنسبية لتعود بعد ذلك إلى اللغة العربية
" صرفتك
فعل ماض جامد
مبنيا على التكهنات
ناسخا آليا
شبه جملة وهمية
ظرف إنسان
مفعولا لأجلهم
مرفوعا بلغطهم
نعتا لم يكن يوما
تابعا لمنعوعته.." ص58و 59.
ما هذا الجمال ما هذا الإبداع القائم في ذاته إن دل على شيء فإنما يدل على قدرة الشاعرة على الإبداع والتعبير بأقل ما يمكن ،يعني تخدم لغتها بكل ما حولها، تشتغل بكل شيء ،
تحرك كل الأشياء التي حولها للتعبير بعمق أكبر عن معاناتها مع الرجل ،فهي تستخدم اللغة باحترافية وتستغل الأرقام والألوان ،في نظرها كل ما حولها ينبغي له أن يعبر معها عن جرحها العميق ،فتجد الليل يشتغل في نصها والأشكال و الزوايا والأسطورة حتى الإسفنجة والمكنسة لم تدعهما في راحتهما ومن خلال التعمق أكثر في قصائدها ،تبهرك بصورها الخارقة للمألوف
" عين ألمي ..
حمراء فاقعة
تكوي جراحي
تدميها بدمعة واهنة
تثخنها بذبحة فجائية ناعمة .." قصيدة "عين ألمي" ص 46
إن النصوص الشعرية التي يضمها ديوان" كبرياء متفحم "تعبر بصدق عن أحاسيس الشاعرة وخلجاتها ،فهي قد رسمت لنا بالحروف قلبها ومحتوياته ،ورسمت لنا بالقلم الرصاص الرجل المتفحم بكبريائه كي تمحيه بعد ذلك في تفاصيل بوحها الجميل..
وهذا نستشفه من خلال نصها الذي اختارته كي يكون في ضهر الديوان
"قصائدي
ليست للقراءة
ولا للتغني
قصائدي
روايات مبتورة
من كلماتها العجاف
نوتة بكماء
قناديل دموع منسية
تمتمة
نمنمة
نواجذ طاعنة
في الصمت
حتى إشعار أخر .."
كل هذا يدل على أن الشاعرة صادقة في ما تكتب ولا تتصنع فهي ملهمة من كبرياء الرجل
ديوان كبرياء متفحم فيه من المفردات الشعرية الكثير والصور الدقيقة الرائعة نابعة من المعانات والجراح التي سكنت الشاعرة وصفوة القول هذه تاملات بسيطة في هذا العمل القيم وهو أعمق من هذه القراءة التي أتمنى أن تكون فاتحة لقراءات أعمق.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مشاهد متداولة تظهر اقتحام دبابة للجيش الإسرائيلي معبر رفح من


.. مشاهد جوية ترصد حجم الدمار الذي خلفته الفيضانات جنوب البرازي




.. شاهد عيان من غزة يروي تفاصيل ما يحدث شرقي مدينة رفح


.. إيلون ماسك ينشر صوراً تجمعه بالرئيس الأرجنتيني




.. سائق هرب من شاحنته في اللحظات الأخيرة قبل غرقها بمياه الفيضا