الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحيل الحنجرة الشاعرية الجذابة أو الراحل – الحاضر: المرحوم الرايس أحمد أمنتاك

الحسين أيت باحسين

2015 / 11 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


رحل عنا المرحوم "أحمد أيت الرايس" المشهور فنيا ب:"الرايس أحمد أمنتاك" أو "الرايس الحاج أحمد أمنتاك" إلى الأبد بعد ما يناهز 88 سنة من عمره، وذلك يوم الثلاثاء 24 نونبر 2015 بإحدى المصحات في مدينة أكادير، ودفن بعد صلاة العصر بمقبرة أموكَاي بمدينة الدشيرة، عمالة إنزكان أيت ملول. لكن رحيله؛ مثل رحيل كل الذين عاشوا من أجل قضية نبيلة: اجتماعية كانت أو سياسية أو ثقافية أو فنية أو غيرها من القضايا الإنسانية النبيلة، ومثل الذين كرسوا حياتهم لتثمين جانب من جوانب تلك القضية النبيلة؛ هو (أي رحيله) ليس إلا رحيلا جسديا ينبجس منه، بمجرد أن يوارى الثرى، حضور أقوى من حيث القيمة الرمزية التي يمثلها لأجيال صاعدة ولآفاق مستقبلية بالنسبة للقضية النبيلة التي عاش من أجلها.

ازداد المرحوم "أحمد أيت الرايس"، الذي اشتهر باسمه الفني "الرايس أحمد أمنتاك"، بدوار بيطلجان بإركيتن في إقليم تارودانت سنة 1927. وولع منذ صغره بموسيقى الروايس وبرقصات احواش ومحاورات شعراء اسايس. واستعمل في بداية مشواره الفني آلة "لوطار"، لكنه سرعان ما تخلى عن استعمال هذه الآلة، ليستقر اختياره على آلة "الرباب" بعد أن اشتراها من والد الرايس علي البيطلجاني، ليغادر الكتاب القرآني ومدشره متوجها إلى منطقة رأس الواد متجولا بين الدواوير مكررا لأغاني مشهورة آنذاك مثل أغاني الحاج بلعيد وأغاني بوبكر أزعري.
بعد هذه الفترة التي تميزت لديه بإعادة غناء ما أنتجه بعض مشاهير الأغنية والموسيقى الأمازيغيتين، استأذن أباه في السماح له باحتراف الطرب والغناء، فوافقه ودعا له بالتوفيق في هذا المشوار الذي اختاره، وقصد قبيلة ئسكساوان (سكساوة) بالأطلس الكبير الغربي ليعتكف، على عادة الشعراء والفنانين والمغنيين الأمازيغ العريقة، بضريح الولية الصالحة للاعزيزة تاكرّامت. بعد الاعتكاف الطقوسي، التحق تباعا بمجموعة من الروايس وبمجموعات من الروايس في كل من مراكش وأكادير وغيرهما من مدن أخرى قصد الاحتكاك بتجاربهم وصقل مواهبه الغنائية والموسيقية وقصد إبراز كفاءاته الغنائية والموسيقية. ومن بين الروايس الذين رافقهم خلال مشواره والفني والغنائي: بوبكر ازعري ومولاي علي ومحمد ساسبو والحسين جانطي ومولاي موح وجامع الحامدي وسعيد اشتوك ومحمد الدمسيري وغيرهم.
لقد قيل عن المرحوم "الرايس أحمد أمنتاك" "إن ما يميزه عن غيره - اللهم إذا استثنينا الفنان الحاج بلعيد - هو تحوله أثناء أدائه للأغنية الأمازيغية إلى حنجرة شاعرية جذابة تستهوي المستمعين بتنغيم جذاب وشاعري، خاصة وأن موضوع هذا التنغيم الشاعري والجذاب، في أغلب الأحيان، هو موضوع الغزل". لكن ذلك التنغيم الجذاب لا يمنعه من توجيه النقد الاجتماعي والقيام بالارشاد الديني، كما أنه يتميز بتوظيف الامثال الشعبية في اغانيه، على غرار توظيف روايس مزوضة للحكايات والأساطير وقصص الأنبياء في أغانيهم.
لم يكن مغنيا وملحنا فحسب، بل كان رائدا من رواد الأغنية الأمازيغية الكلاسيكية الذي تتلمذ عليه كثير من الفنانين الأمازيغيين المعاصرين والمحدثين؛ إذ أعيد إنتاج بعض أغانيه على لسان بعض المجموعات العصرية.كما أنه كان غزير الإنتاج، إذ له قصائد كثيرة من بينها: "ئموريك ئكّز ئكالن"، "تيموزينين"، "لورد"، "بولارياش"، "دّرست ئتبيرن"، "تادّوايريت" وغيرها كثير جدا.
ونظرا لهذه الخصال والمجهودات حظي بأكثر من تكريم، كان أبرزها في بداية التسعينات، حين عقدت الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي أياما ثقافية أمازيغية بالرباط، ضمنها ندوة لتكريمه (يوم 17 نونبر 1990). وأخرى لتكريم الأستاذ محمد شفيق (يوم 16 نونبر 1990)؛ وقد نشرت أشغال هاتين الندوتين التكريميتين في كتبيين: أحدهما بعنوان: "محمد شفيق" والآخر تحت عنوان: "الرايس أحمد أمنتاك"؛ ضمن منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، سلسلة أعلام الثقافة الأمازيغية؛ أيام الثقافة الأمازيغية، الرباط، 16-23 نونبر 1990، منشورات عكاظ، الرباط. يتضمن الأول شهادات في حق محمد شفيق إضافة إلى جوانب من حياته الشخصية والثقافية؛ ويتضمن الثاني شهادات في حق الرايس أحمد أمنتاك وجوانب من حياته الشخصية والفنية.
ومن صدف الأشياء أن يلتقي آنذاك، في ذلك التكريم الذي قامت به "الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي" فنان متواضع (المرحوم الفنان الرايس أحمد أمنتاك) بمثقف متواضع (الأستاذ محمد شفيق الذي سيصبح أول عميد للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في ما بعد)، لكن تواضعهما لا تأخذهما لومة لائم في أن يعملا على تكريس مبدأ ضرورة تجاوز مرحلة سيادة الشجاعة الجسمانية إلى مرحلة الشجاعة الفكرية التي من شأنها أن تكون سلاحا لكل التحديات التي تواجه كل المجتمعات اليوم، ألا وهي الشجاعة الفكرية في كل أبعادها.

الحسين أيت باحسين
باحث في الثقافة الأمازيغية
ونائب الكاتب العام للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علامات استفهام وأسئلة -مشروعة- حول تحطم مروحية الرئيس الإيرا


.. التلفزيون الرسمي الإيراني يعلن نبأ مصرع الرئيس إبراهيم رئيسي




.. دعم وقلق.. ردود فعل على حادث طائرة الرئيس الإيراني


.. ردود فعل دولية وعربية بشأن وفاة الرئيس الإيرانى إثر حادث تحط




.. الشعب الإيراني مستاءٌ.. كيف تبدو الانطباعات الشعبية بعد موت