الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأساة العقل السياسي المعارض

منذر خدام

2015 / 11 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


مأساة "العقل" السياسي المعارض
منذر خدام
إن المتابع لخطاب المعارضة السياسية، من منظور متطلبات السياسة كعلم أولا، وفن ثانيا، سوف يندهش كم هو غني بالسباب والتوصيفات البذيئة، وكم هو بالمقابل فقير بالمعرفة. حتى أن كثيراً من أولئك الذين كانت لهم مساهمات فكرية وسياسية رصينة قبل عام 1911، عام انطلاقة الانتفاضة المباركة لبعض الشعب السوري باسمه كله، ضد النظام المستبد، سرعان ما تخلوا عنها لصالح خطاب شعبوي توصيفي غني بالسباب والشتائم.
يستطيع أياً كان أن يسب النظام ويصفه بأبشع الصفات، ويحمله كامل المسؤولية عما حل بسورية وشعبها، لكونه لم يستجب لمطالب شعبه عندما انتفض مطالبا بها، لأول مرة في تاريخ سورية الحديث، دون أن يجانب الحقيقة، فالنظام يستحق كل ذلك. النظام مجرم، وقاتل، وفاسد، وهو علة العلل، وهو سبب التدخل الخارجي في شؤون سورية...ولذلك يستحق الإسقاط. لكن من منظار السياسة ليس لهذه التوصيفات أية فائدة( إنها فشة خلق لا أكثر)، بل تلك الأسئلة المتعلقة بفهم طبيعة الخصم السياسية، ومعارضيه، والظروف الموضوعية والذاتية السائدة،وغيرها، وكيف يمكن تحقيق مطالب الشعب في ضوء ذلك الفهم .
من المعلوم أن ألف باء السياسة أنها تعبير عن موازين القوى، وليس عن الرغبات والأمنيات. من هذا المنطلق الأسئلة السياسية الحقة التي كان ينبغي أن تشتغل عليها المعارضة هي تلك التي تستكشف طبيعة النظام، وبنيته الداخلية وعناصر قوته، والمصالح التي يعبر عنها، سواء في الداخل أم الخارج، وشبكة العلاقات التي نسجها بصورة مباشرة، أم بصورة موضوعية مع أطراف دولية عديدة بالعلاقة مع الجغرافيا، وما يؤديه من ادوار.. وغيرها من أسئلة كثيرة. ولا تقتصر الأسئلة على فهم طبيعة النظام فقط بل تتعداه إلى طبيعة خصمه السياسي، وهل لدية رؤية سياسية بديلة أفضل من رؤية النظام ، وما هي عناصر قوته، وكيف هي علاقاته بالجمهور العام، وما هي المصالح التي يسعى إلى تحقيقها، وكيف هي علاقاته الداخلية والخارجية..أسئلة كثيرة هي الأخرى ينبغي أن تكون أجوبتها حاضرة لبناء السياسة والسلوك السياسي عليها. قبل عام 2011 كان هناك بعض الفهم لطبيعة النظام لدى كثير من النخب السياسية والثقافية، طرحت في ضوئه رؤيتها السياسية للتغيير في سورية فقالت بالتغيير "السلمي المتدرج والآمن". لكن ما إن بدأت انتفاضة الشعب السوري، وهي بلا شك معطى جديد ونوعي في الواقع السوري، حتى تخلت عن رؤيتها السابقة لصالح خطاب شعبوي كارثي " الشعب يريد"، والكل يعلم كيف كان يتم إنتاج شعارات "الشعب يريد".
رغم أهمية ونوعية التحرك الشعبي في الشارع كقوة جديدة ونوعية ضد النظام، لم تكن كافية لتغيير الرؤية السياسية السابقة، بل هي، على العكس، تبرهن على صحتها في تلك الظروف. وبالمناسبة عندما تأسست حركة "معاً" في حزيران من عام 2011، ورد في برنامجها السياسي أن خيار الحركة هو النضال السلمي مع الحراك الشعبي لتحقيق مطالبه، فهي كانت تدرك من خلال فهمها لطبيعته أنه على استعداد لقتل مئات الآلاف من السوريين، دفاعا عن بقائه، وهو قادر على خلق الذرائع لذلك من خلال الزعم بوجود قوات إرهابية. وبالفعل كان النظام قد بنى إستراتيجيته على أساس دفع الحراك الشعبي السلمي نحو العسكرة، فأفرج من سجونه عن مئات الإرهابيين الموصوفين، واخذ يستخدم العنف المفرط لدفع القاع الاجتماعي إلى حمل السلاح، ونجح في ذلك. بطبيعة الحال ما كان له أن ينجح لولا الاستجابة السريعة لإستراتيجيته من دول عربية وإقليمية وبعيدة، فسارعت لتقديم السلاح لمن يريد حمله، واستقدام عشرات الآلاف من الجهاديين التكفيريين من جميع أصقاع العالم.إنهم جميعا متآمرون على الشعب السوري.
إن رغبات المعارضة بإسقاط النظام، جعلها تتجاهل أن النظام يمتلك عناصر قوة كثيرة وكبيرة وهو جاهز لاستخدامها، وقد استخدمها غير مكترث بحجم الدمار الذي تسببت بها للبشر والحجر. رغبتهم ذاتها جعلتهم يتوهمون أن الخارج سوف يسارع إلى مساعدتهم في تحقيقها، دون أن يبحثوا في ممكنات ذلك، سواء من حيث وجود مصلحة كافية لدى هذا الخارج، وخصوصا الدول القادرة فيه على ذلك. مثلا ما الذي يدفع أمريكا للتدخل العسكري في سورية لإسقاط النظام ما دام الذين يتقاتلون في سورية هم أعداء أمريكا بحسب التصنيف الأمريكي، أي النظام وحزب الله وإيران من جهة، والمجموعات الإرهابية من جهة أخرى. ولماذا تسقطه طالما أن الصراع في سورية يستنزف القدرات المالية العربية، التي فتحت لها مسالك عريضة إلى خزائنها. ثم كيف لمعارض رصين أن يصدق أن مجموعة " أصدقاء الشعب السوري" هم فعلا أصدقاء له، وليس ساعين إلى تدمير بلده، وتمزيقه كما حصل فعلا، خدمة لأجندات خاصة. كيف يمكن تصديق أن شبه دويلة تنفق مليارات الدولارات على تجنيد وتسليح قوى جهادية متطرفة بحجة إسقاط النظام تخدم بذلك مصلحة الشعب السوري؟!!. هل يعقل أن تصدق بعض المعارضات دولاً تحكمها أنظمة ما قبل تاريخية، بأنها سوف تدعم الديمقراطية في سورية، وهي لم تتحمل قصيدة شاعر ؟!!. يريدون منا أن نصدق أن داعش والنصرة وغيرها من مجموعات إرهابية قد تشكلت وتسلحت وصارت جيوشا بعيداً عن دوائر مخابرات بعض الدول من مجموعة من سمو أنفسهم "أصدقاء الشعب السوري".، وأنها من قوى الثورة.
تتكرر مأساة "العقل " السياسي المعارض مرة أخرى بالعلاقة مع التدخل العسكري الروسي في سوري، فبدلاً من التساؤل حول أسبابه وأبعاده ونتائجه، وكيف ينبغي التعامل معه سياسياً، بل كيف يمكن الاستفادة منه لمصلحة الشعب السوري، بدأت حفلات من السباب والشتائم وإطلاق التوصيفات البذيئة الجاهزة. بالطبع لست في وارد القول أنه لا يمكن سب الروس وتوصيف تدخلهم بأبشع الصفات، لكن في ميزان السياسة لا يفيد شيئا، بل هو ضار إذا ما تسبب بقطع العلاقات مع روسيا، وعدم التعاطي مع دورها في الأزمة السورية، وهو دور حاسم كما صار واضحاً.
بداية يعلم الجميع أن العلاقات السورية الروسية لها تاريخ وليست طارئة، وكانت تأخذ طابع الصداقة غالبا، على عكس العلاقات مع أمريكا وغيرها من الدول الغربية، وهي علاقات تتجاوز النظام إلى مصالح الشعب السوري، وأبرز مثال هو تسليح الجيش السوري.
ثانيا إن مصالح روسيا في سورية هي مصالح حقيقية وإستراتيجية، وقد اعترفت بذلك أمريكا على لسان وزير خارجيتها كيري.. وهي مصالح لا تتعارض مع مصالح الشعب السوري. ولا على حسابه.
ثالثا؛ تنامي دور القوى الإرهابية في سورية ما كان ليصل إلى ما وصل إليه لولا الخدمات المباشرة التي قدمها بعض " أصدقاء الشعب السوري"، وباتت تشكل خطراً حقيقياً على مصالح دول عديدة، أوربية وغير أوربية، ومن بينها روسيا. لا يزال في الذاكرة تصريح نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، وكذلك تصريحات المرشحة إلى الرئاسة الأمريكية السيدة كلينتون.
رابعاً؛ التدخل الروسي كشف زيف ادعاء أمريكا وحلفائها أنها تحارب داعش، في حين أغلب الأسلحة الحديثة تأتي منها إليها بصورة مباشرة، أو عبر دول أخرى بموافقتها.
خامساً؛ كشف الدخل الروسي حجم مصالح تركيا تحديدا في استمرار الصراع في سورية، من خلال تسويقها لنفط داعش على الأقل، مع أن ثمة معلومات تفيد بأنها كانت تقبض على كل رأس وقطعة سلاح، ورصاصة تسمح بإدخالها إلى سورية.
سادسا؛ لم تشأ أمريكا يوما إسقاط النظام، كما توهم العقل السياسي المعارض، بل عملت على استمرار الصراع لسنوات وسنوات لتدمير سورية.
سابعاً؛ رغم أن أغلب المتدخلين الخارجيين في الشأن السوري قالوا أخيراً بان الحل في سورية هو حل سياسي، مع ذلك يستمر العقل السياسي لبعض المعارضين بتغذية أوهام الحل العسكري.
ثامنا ؛ التدخل العسكري الروسي، جعل جميع الدول ترفع من درجة اهتمامها بالحل السياسي، فنتج عن ذلك لقائي فيينا، وما صدر عنهما من وثيقتين ترسمان معالم طريق للحل السياسي.
تاسعاً؛ نتج عن التدخل العسكري الروسي حصول تنازلات جوهرية من قبل النظام تتعلق بإعداد دستور جديد وإجراء انتخابات مبكرة رئاسية وبرلمانية بعد سنة ونصف من تشكيل حكومة انتقالية، تنظمها وتراقبها الأمم المتحدة، وهذا بحد ذاته مكسب كبير للشعب السوري،ينبغي على المعارضة التعامل معه بجدية حتى لا تخسره أيضاً.
سوف أتوقف عند تاسعا، مع انه يمكن السير بالتعداد إلى ضعف ذلك، وحتى لا يفهم من بعض ما ذكرته في هذه المقالة من أنني أنطلق من مواقف أيديولوجية أو سياسية معينة، تضمر أو تفصح العداء لدول بعينها، أقول أن سورية المستقبل ينبغي أن تنشئ علاقات ودية مع جميع الدول على قاعدة المصالح المتبادلة، بما في ذلك جميع الدول العربية ومنها دول الخليج العربي، والدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا، عداك عن الدول التقليدية في علاقاتها مع سورية، وفي مقدمتها روسيا الاتحادية وإيران. شعبنا دفع ثمنا باهظا جراء الصراعات على أرضه وبين أبنائه، فهو يريد الحياة بسلام مع جميع شعوب العالم بحرية وكرامة في ظل نظام ديمقراطي تعددي يضمن حكم القانون و مبدأ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، دون انتقاص من حقوق جميع مكوناته الإثنية.26/11/2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتيجة خسارة التحدي.. قمر الطائي تعاقب بطريقة قاسية ??????


.. بعد رحيل -رئيسي- .. إيران أمام أخطر 50 يوما في تاريخها




.. فتح تحقيق بأسباب تحطم طائرة رئيسي.. ووفد رفيع يصل مكان الحاد


.. شبكات | انتقادات لمخرج مصري بعد مباراة الزمالك ونهضة بركان




.. شبكات | احتفاء بأمانة طفل يمني