الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في (موت ظل) للشاعرة عطاء العبادي

مصطفى حسين السنجاري

2015 / 11 / 30
الادب والفن


قراءة في (موت ظل) للشاعرة عطاء العبادي

بقلم : مصطفى السنجاري


هذه القصيدة نعي معلن عن حالة وفاة غير عادية ولأنها غير عادية تم الإعلان عنها ..رغم كون المتوفي ظلا إلا أن موته يستحق الإعلان
ومتى يموت الظل أو يفقد حياته في ملازمة الجسم .. فعدم وجود الظل معناه أنه لا نور في الأفق أو أن الجسم تحول إلى كتلة من نور ولا ظل للنور وهنا الظل رمز إيحائي جميل للملازمة واحتضان اللقاء ..العنوان جاء بهذه القسوة نتيجة للفراغ الذي أحدثه الموما إليه إيحائيا ويكفي بمخاطبته الشاعرة بأنه أميرها :


أميري المزَّيف
شكرا لزيفك الذي أنقذني من مهالك نفسي
شكرا لسقوطك المبكر
الذي أنقذني من رعونة قلبي
من خطئي ..


إذن المخاطَب هو المعني بالعنوان والمعني أيضا بمعرفة هذا النعي الذي جاء من وحي تصرفات صعلوك كان تزيّا بثوب أمير أو أنها توهمته في أزياء أمير وكثيرا ما تفضح الحياة ما يكون متطبعا بعيدا عن الطبع ..فالتمثيل لا يطيل المكث في الحياة الواقعية والأمر حدث بليل ..يقال أمر دبر بليل .. ولكن هذا الأمر كشف بليل :

تلك الليلة
سقطت من عرشك الوهمي
الذي أقمت دعائمه
بدمي وتمتمات روحي وحروفي الولهى

نعم هي الأنثى من تنصب الرجل أميرا فلا أحد يكرهها على ذلك ..كيف نصبته بالشعر الذي كانت تمجد فروسيته وتعلي همته وتنفخ في كبريائه بأنه الذي يستحق عرش القلب

تلك الليلة
سقطت ..
تحولت الى رجل عادي
كأي رجل آخر

رجع إلى كينونته التي كان عليها قبل تنصيبه أميرا لها ..أصبح رجلا عاديا كمئات العابرين من جانبها دون أن تلتفت إليهم لأنه تجرّد من مواصفات الإمارة

ظل أنت
دمك ميت
قلبك ميت

عاد ظلاّ أم كان ظلاّ ؟ ربما هو بالأساس ظلّ رجل ..والظل خال من الملامح والمشاعر والسيماء المرجوة من الجسوم مجرد من الألوان ولا دم فيه ولا قلب له

في الليلة تلك
اكتشفت أنّي أضيع
كنت حائرة فيك
في مأساتي
في خيبتي..
التي لا أعرف رقمها في سلسلة خيباتي
التي لا تنفك تجيء

يبدو أنه لم يكن الخيبة الأولى في حياتها ..فلها خيباتها الأخرى التي عادة تلازم الطيبين وأصحاب السرائر الصافية والنوايا الحسنة وما يرافقها من ثقة بالآخرين ..وهنا كثرة الخيبات توحي إلى سوء الحظ المرافق لها قبل التعرف عليه


في ليلتي تلك
أصبت بالتشظي
وقررت أن أجلس طوال حياتي
ألملم بعثرتي
أمحو طيفك الخرافي
ألقي بكل أساطير الحب
في البحر
ثم ألقي بروحي ...
في البحر

حين يفقد الإنسان الثقة بقدوته تنقلب الموازين رأسا على عقب ..وأكثر حالات الانتحار تأتي لحالة سقوط القدوة من أعلى الاحترام إلى حضيض الاحتقار ..وصورت لنا الشاعرة بالتشظي والتبعثر لا يكفي العمر كله للملمته وتلقي بالكل مع طيفه في البحر مع تلك الأساطير التي تقول بأن الحب أسمى شيء في الوجود وهو تعبير صارخ عن الألم وما يبثه من روح الانتقام الذي تحدثها هذه الخيبات من تشويه للحياة والنفس


أميري المزَّيف
سحقا لك
سحقا لقلبي الذي سأدهسه
كما يدهس الجبل المنهار عابرا لاهيا

بقدر ما يكون الحبيب عظيما بقدر ما يحدث من بركان وطوفان لا يبقي على شيء جميل لكن شاعرتنا بقوة شخصيتها وحنكتها أمام الخيبات لا تلجأ ولن تلجأ إلى النحيب والاستسلام وتلعن الخيبة ولكن تأمر الجاني بالابتعاد وأن القلب الذي جعله أميرا ستسحقه لو عاد ليجد له ذريعة للعودة إليه

أميري
أنت لم تعد أنت
لقد انتهيت
ونسيتك
وحمدا لتلك الليلة
وحمدا لاعترافي لك
وحمدا للموت
رغم أننا لم نقرأ في النص كيف آلت الأمور إلى هذا الموت في ريعان الصبا وأننا لم نسمع الطرف المقابل يطرح على مائدة الحكم دفاعا أو تبريرا إلا أننا نكتشف من رقة التعبير وهدوئه وتكرار الخيبات أن النص وإن كتب في لحظات وقوع الحادثة تحت تأثير وانفعال
نكتشف كما قلت أن الطرف الآخر مدان
قصيدة واقعية تحدث مثلها كل يوم وكل ساعة ..تختلف الوجوه والخيانة تبقى لا تتغير
بوركت شاعرتنا الرقيقة عطاء العبادي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن عن أدائه في المناظرة: كدت أغفو على المسرح بسبب السفر


.. فيلم ولاد رزق 3 يحقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية




.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال