الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقفون .. لماذا يرفضون الخروج من حظيرة السلطة ( علي هامش أحداث محرقة المسرح في مصر)

أحمد عبد الرازق أبو العلا

2005 / 11 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


منذ سنتين نشرت مقالا في صحيفة العربي الناصرية في مصر، تحت عنوان ( وقائع الدخول إلي وزارة الثقافة من أبواب الخدم ) تعرضت فيه لسلوك بعض المثقفين الذين تعاملوا مع السلطة ، كما يتعامل الخدم مع أسيادهم ، فينافقون ، ويتذللون ، وينبطحون ، ويخلعون قيمهم ، ويرمونها خلف ظهورهم ، ويلعنون المبادئ ، ويسبون من يتحدث عنها ، ويتهمونه بالنزق ، والجهل ، والعبط !! وذكرت أن هؤلاء - بهذا السلوك المتدني - إنما يدخلون الحياة الثقافية من أبواب الخدم ! أبواب الخدم التي رفض (بتهوفن ) " 1770- 1827الدخول منها ، حين دعاه أحد البارونات الألمان ليعزف بعض المقطوعات الموسيقية لأستاذه ( هيدن) الذي رشحه للقيام بهذه المهمة ، وكان النبلاء والبارونات في تلك الفترة ، ينظرون إلي الموسيقيين والفنانين باعتبارهم - وبلغتنا - عوالم !! ومن ثم لا ينبغي لهم الدخول من أبواب السادة ! لكن ( بتهوفن ) رفض طلب الحارس ، وأصر علي الدخول من الباب الواسع- باب السادة - وفي القاعة عزف مقطوعة موسيقية من تأليفه هو ، وليس من تأليف أستاذه ( هايدن ) كما كان مقررا . فعل هذا - برغم صغر سنه وحداثة تجربته وعدم معرفة الناس له- احتراما للفنان المثقف في داخله ، واحتراما لنفسه ، ولم يتجرد من فضيلة الجسارة ، ولم يفكر في النتائج والتبعات التي يمكن أن يجرها عليه
موقفه ، فكر كانسان مثقف ، مستقل،علي الآخرين أن يتقبلوه هكذا كما يريد هو ، لا
كما يريدون . هذا السلوك يقوي ويدعم الحياة الثقافية ، كما قويت بالمثقفين في عصر النهضة - القرن الثامن عشر.. والحادث - في مصر الآن - أن الحياة الثقافية ضعفت وهزلت ، وما كان لها أن
تضعف ويصيبها الهزال والمرض ، لو أن المثقفين وقفوا وقفة جادة ، من أجل النهوض بها من عثرتها ، لو أنهم قد تخلوا عن اللهاث والسعي للدخول إلى حظيرة وزارة الثقافة . ماذا
فعل البارون مع (بتهوفن ) حين عرف موقفه

؟؟ قابله ، وأثني عليه ، وقام من مكانه ،
وصافحه قائلا : أحترم فيك كل هذا .. وأرجو أن تقبل صداقتي !!
تذكرت هذه الحكاية ، بعد أن قرأت - وغيري - أنباء المبايعة التي قام بها عدد من المثقفين ، للسيد وزير الثقافة ، يطالبونه فيها بسحب استقالته التي وضعها بين يدي الرئيس ، استجابة لمطالب الذين حملوه مسؤولية ماحدث في محرقة بني سويف ، أراد هو باستقالته تلك - بصرف النظر عن كونها سيناريو أوتمثيلية متفق عليها - أن يخرجهم من حظيرته ، التي ظلت تحتضنهم طوال الأعوام الثمانية عشر التي سيطر فيها علي تلك الوزارة ، لكنهم رفضوا الخروج ، وطالبوه بضرورة العودة ، لأنه الرجل الوحيد الذي استطاع ترويضهم ، وتدجينهم ، واستطاع أن يقدم لهم من المنافع ، والعطايا ، ما لا يستطيعون الاستغناء عنه ، والعيش بدونه ، هؤلاء اللاهثون ،رأوا أن "المسئولية العامة عما حدث ليست مسئولية فرد بقدر ما هي مسئولية مجتمع يتطلب حشد كل القوي والإمكانيات للحفاظ علي حياة وحرية وكرامة كل مواطن‏.‏ " وهذا كلام مرسل يمكن أن يقال في موضع آخر غير الموضع الذي كانت من نتائجه أن احترقت أجساد أكثر من خمس وأربعين فردا ، بنيران الإهمال الذي استشري طوال الثمانية عشر عاما الماضية ، ومازال . هؤلاء الذين قالوا للوزير لا للاستقالة ، لم يضعوا أي اعتبار لخطورة الحدث ، وعبثية المشهد ، ولم يعطوا لأنفسهم فرصة تأمل الأسباب التي أدت إلي حدوث هذا ، بل قالوا إنهم وإذ يقدرون مبادرة وزير الثقافة الفنان فاروق حسني بتقديم استقالته وتحمله المسئولية السياسية عما حدث لا يوافقون أن يتحمل الوزير وحده تبعات ما جري‏,‏ ويطالبونه بسحب هذه الاستقالة ليواصل مسئوليته الوزارية في حماية وإتمام المشروعات الثقافية الكبيرة التي قام بها‏.‏ وقاموا بمناشدة سيادة الرئيس محمد حسني مبارك بعدم قبول استقالة الوزير ليستمر في تنفيذ مشروعاته الثقافية الحضارية‏.‏" ربما تلمس الآن الفرق بين هؤلاء وبين بتهوفن الذي اتخذ موقفه في عصر النهضة ، وليس في عصر الرغبة في التغيير ، والخروج من ذلك النفق المظلم الذي ينبغي علي المثقف أن يكون له دوره الايجابي الفعال ، من أجل المشاركة ، ودفع عجلة التغيير لصالح هذا الوطن الذي لا يضعونه في اعتبارهم بنفس القدر الذي يضعون فيه منافعهم الشخصية.
والغريب في الأمر أن الوزير اعتبر هؤلاء المهرولين إلي بيته ، هم المثقفين ، وما دونهم مجرد أنصاف مواهب ، ومعارضين ، بل ونعتهم بالسادية !! وكلها اتهامات تُحسب ضد الوزير ،لأنه من المفروض أن يكون محايدا ، وان يعمل من اجل كل المثقفين ، وليس من اجل فئة قليلة منهم ! ومن اللافت - أيضا - أن وزير الثقافة ، حين يذكر أن الذين وقعوا علي بيان تأييده ومبايعته هم المثقفين الحقيقيين وما دونهم مجرد وهم ، وهذا الذي يقوله ، يجعلنا نتساءل : لماذا لا يستطيع وزير الثقافة أن يحدد هوية المثقف ، بعيدا عن مسألة تبادل المصالح ، التي تجعله - وتجعلهم - يزيفون كل ما يتعلق بتلك الهوية ؟؟
هل أصبح بعض الكتبة الذين وقعوا علي الوثيقة ، وقاموا بسب المعارضين لسياسات الوزير- في مقالاتهم المنشورة في صحيفة الوزارة - هل أصبحوا بهذا التوقيع من جماعة المثقفين ؟؟
وهل أصبحت ليلي علوي ويسرا ودلال عبد العزيز ونادية لطفي وغيرهم من الفنانات اللاتي وقعن علي وثيقة مبايعة الوزير ، علي حساب أرواح الضحايا ، هل أصبحن بهذا التوقيع ، مثقفات ؟؟ وهل أصبح أيضا رجال الأعمال الذين وقع بعضهم علي نفس الوثيقة ، ينتمون إلي جماعة المثقفين ، بهذا التوقيع ؟! بينما صار المثقف الملتزم ، الذي خالف الوزير في رؤيته ، وعارض منهجه ، وناقش إستراتيجيته ، صار رجلا ساديا ، كما ذكر ، و صار فاقدا للأهلية والموهبة ، وان ملكها فهي نصف موهبة فقط : كما صرح أيضا !! لماذا يُمارس السيد الوزير عداءه العلني ، ضد معارضيه ؟ ولماذا يقوم بتشويه صورتهم ، لا لسبب إلا لأنهم ، رفضوا التوقيع عل وثيقة العار تلك ؟! وحملوه المسؤولية السياسية لما حدث في محرقة بني سويف ؟ هل هذا هو منطق الوزير الفنان ، الذي ينبغي أن يكون موضوعيا ، وإنسانيا ، ولا يسلم نفسه للغضب الذي يهلك صاحبه ، ويضنيه ، ويقض مضجعه ، فلا يجد سبيلا للتنفيس عن ذلك الغضب إلا بإعلان العداء بشكل يضعف موقفه- والذين معه - ولا يقويه!! وماذا كان سيفعل بالمعارضين لو تحقق حلمه الذي أفصح عنه ، وصرح به أثناء حواره مع مستشاره المُقرب( محمد عبد الواحد) ، قبل تمرده علي الحظيرة والخروج منها بكتاب، ( مثقفون تحت الطلب ) حين أخبره: أنه كان يحلم بأن يكون وزيرا للداخلية ؟!!
الغريب أن هناك من وقعوا ، علي الوثيقة ، وقاموا بنفي علمهم بأمر التوقيع ، حيث تم بغير إرادتهم ، فبعضهم كان مسافرا خارج البلاد ، والبعض الآخر كان مسافرا خارج القاهرة ، والبعض الثالث ، كان موقعا علي بيانات أخري ، توجه الإدانة للوزير وآخرين، ونُشرت في بعض الصحف ، وعلي بعض مواقع الأنترينت .. وهؤلاء وهؤلاء وهؤلاء لم يقوموا بنفي الواقعة في أي صحيفة ، برغم نفيهم الكامل للتوقيع في الجلسات الخاصة ، حين يستفسر منهم الأصدقاء عن أسباب التوقيع ودوافعه!! ولو صحت الواقعة ، لدخلت ضمن جرائم التزوير ووجب عقاب مرتكبها !!

ألم يقرأ هؤلاء كتاب طه حسين (جنة الشوك ) الذي تعرض فيه لاستاذه (الشيخ المرصفي ) حين أكتشف انه تجرد من فضيلة الجسارة وارتكن إلي الخوف فقطع - نتيجة لذلك - علاقته بشيخه ، بسبب موقف شهده منه ، مؤداه : أن (المر صفى) قد بلغه أن شيخ الأزهر يحظر عليه كثير من سلوكياته التي عرف بها، فنهاه عنها، وحين انصاع الشيخ لتحذير رئيس الأزهر، وفاتحه (طه حسين ) في هذا الأمر فلم يجد منه غير ازورارا عنه ، بل وأسكته في شيء من الغلظة صائحا : "لأ. . لأ. . عاوزين ناكل عيش "!!
الم يقرأه ، من اشترك - مع آخرين - بمها تفة الناس من أجل التوقيع علي تلك الوثيقة ، وهو الذي كتب كتابا متأثرا - فيه - بفكر طه حسين ، عنوانه ( المرايا المتجاورة ) ؟؟! بالطبع قرأه ، لكنه- والذين معه- آثروا السلامة ، وتخلوا عن
فضيلة الجسارة ، وارتكنوا إلي التخاذل ، بحثا عن منافع جديدة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد 100 عاما من الجدل حول نفرتيتي..هل تعود ضيفة برلين الدائم


.. هجمات الحوثيين تقيد القوات الأميركية في البحر الأحمر | #الظه




.. القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني: على واشنطن الكف عن تقد


.. سوليفان: حماس اقترحت تغييرات طفيفة على اقتراح وقف إطلاق النا




.. جنود إسرائيليون يقتحمون بلدة تل جنوب غربي مدينة نابلس بالضفة