الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-أيها الألم: أخذت من جوعي كفافاً لعمر وافر-*

وليد الشيخ

2015 / 11 / 30
الادب والفن


"أيها الألم: أخذت من جوعي كفافاً لعمر وافر"*



بجرأة، ودون خجل، أضع كل ما أعرفه عن الشعر أمام المحكمة، لأقول إن لغة جهاد هديب الشعرية متفردة، ولا آباء لها في الكتابة الفلسطينية.
إن منسوب البلاغة الشفاف، والمفردات المنحوتة على رخام عريق، وهذا الثقل العالي للبوح من بعيد، والأناقة الخجولة والواثقة في نفس الوقت من الإمساك بغرة اللغة لتصير مطواعة، لم تنعم به القصيدة الفلسطينية كثيراً، قبل جهاد، الذي أوجع السطر الشعري بوقوفات مباغتة تترنح على حواف اللغو والامتناع، كأنه في اللحظة القصوى من لذاذة الصورة الشعرية ينزلها عن الحائط، مقترحاً جماليات مغايرة وعصية على التمتع العجول.
بعد رحيله (وإن لم يكتب شعراً كثيراً)، سيذهب بحر كامل من الشعر الفلسطيني، بحر لم يسبح به كثيرون لأنهم لم يعرفوا الوصول لشواطئه.
سيعرج المشهد الشعري الفلسطيني بعد جهاد هديب، سيكون النقصان فاضحاً، وسنعرض بضاعتنا الشعرية أمام العالم العربي بثقة أقل بعد غياب الصوت الأكثر اتزاناً بلا أوزان شعرية، سوى ما جادت به مخيلة ابن (مخيم شنلر)، الذي أمضى عمره لاجئاً في المكان والوقت.
موت جهاد هديب، وإن كان خسارة عامة للثقافة الفلسطينية، إلا أن حسابات شخصية وشعرية بيننا تجعل من موته أمراً فادحاً، كاختلاف الذائقة، وإشارات جهاد التهكمية، وتقييماته للشعراء والشاعرات بكلمات متقاطعة، وشتائمه الطائشة حباً وبغضاً، وضحكاته الفالتة كأنها آثام بريئة، وجلساته على المقعد الخشبي الأجنبي حتى مطلع الفجر.
أراه الآن مع أحمد الملا ، في حديقة مهرجان أصوات من المتوسط، يتبادلان أنخاب آلهة قديمة نسيت طريق العودة إلى جبال الأولمب. أراه في صوت زهير أبو شايب، كلما قال اسمه صارت الابتسامة أكبر من مقهى الانشراح.
قصائده مثل «امرأة وقفت خلف الستارة، تتمنى لو أن قمراً صادف عريها»*.
أما وقد رحل الآن جهاد، ولم تعد معرفة محمود درويش غنيمة يمكن الاستفادة منها، فإني أرغب أن أبوح بما يلي:
برفقة غسان زقطان وفي مكتب محمود درويش وفي حديث عن الشعر الفلسطيني ومآلات القصيدة الجديدة، أبدى الشاعر الكبير اهتماماً خاصاً بنصوص جهاد هديب، التي قرأت جزءاً منها أمامه لأؤكد جهوزية القصيدة الفلسطينية للابتعاد عن محمود درويش، كان المقطع الأشد ألماً، والذي ألح محمود درويش على إعادته ثلاث مرات:
«أغلقت الحرب الأبواب
ظل الذين ماتوا يطرقونها»*.
هل كان ينبغي أن تموت يا جهاد كي أقول عنك هذا؟
هو أكثر أبناء جيلنا الفلسطيني عافية في الكتابة الشعرية، وأقلنا حظاً، لكنه أكثر من ستصمد قصائده في مجابهة ساعات سلفادور دالي.
هي دعوة خالصة لإعادة قراءته من جديد، ولا بد من الإمساك بهذا الفهد الشعري كي لا يفلت في الغياب إلى الأبد.

*مقاطع لجهاد هديب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي