الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من سيختار الرئيس القادم للجزائر؟

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2015 / 12 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-
البريد الإلكتروني: [email protected]





لا يمكن لنا فهم ومعرفة التحولات المستقبلية في الجزائر، ومنها مسألة خلافة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة دون معرفة دقيقة لكيفية تعيين الرئيس في الجزائر، ففي الماضي كان القادة الكبار في الجيش هم الذين يحسمون في القضايا الكبرى، ومنها مسألة الرئاسة، وهذا الوضع تعيشه الجزائر منذ إجتماع العقداء العشر في صيف1959 عندما تأزم الوضع داخل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، ولجأت هذه الأخيرة إلى القيادات الميدانية لجيش التحرير الوطني في الداخل والخارج آنذاك لحل الأزمة.
ومنذئذ أصبح لقيادات الجيش اليد الطولي في تعيين الرئيس، وذلك إبتداءا من بن بلة الذي جاءت به قيادة الأركان العامة بقيادة هواري بومدين الذي سيتحول وزيرا للدفاع بعد إسترجاع الإستقلال، ونفس القيادة تنحي بن بلة في 1965، وقد أجاب بومدين بذلك مبعوث عبدالناصر الذي جاء للإستفسار عن بن بلة قائلا له "أسترجعنا منه السلطة التي أعطيناها له"، ونفس الأمر مع بن جديد حيث حسم القرار لصالحه في إجتماع للقادة الكبار للجيش، وكان لقاصدي مرباح دور كبير في ذلك، ونفس الأمر وقع مع بوضياف وكافي وزروال وحتى بوتفليقة، لكن بعد مجيء هذا الأخير وهو العارف بدواليب السلطة جيدا بدأ في التخلص التدريجي من هذا النفوذ مستغلا عاملين أساسيين وهما رغبة الجيش ذاته في الإبتعاد عن التدخل في السياسة بعد ما كادت أزمة التسعينيات أن تضربه في العمق، ومن جهة أخرى بداية صعود قيادات عسكرية شبانية جديدة لاعلاقة لها لا بصراعات الثورة ولا الصراعات حول السلطة، ولاتهتم حتى بالسياسة، وهي تهتم فقط بالعمل العسكري الإحترافي، كما كثر الضباط الكبار في الجيش، ودخلت عناصر أخرى مؤثرة في صناعة القرار كرجال المال، ونجد ضمن هؤلاء رجال المال بعض الضباط الكبار الذين تقاعدوا من الجيش، وتحولوا لرجال أعمال، أو في شراكة مخفية مع بعض رجال المال، ويقفون خلفهم.
أن تعدد المؤثرين في صناعة القرار، خاصة رجال المال جعل من الصعب جدا الإتفاق فيما بينهم حول تعيين خليفة للرئيس بوتفليقة، وهو ما يدفع إلى ربح الوقت قدر المستطاع حتى التوصل إلى إتفاق، ويبدو أن العهدة الرابعة تأتي في هذا السياق، أي السعي للإبقاء على الرئيس حتى وهو عاجز على أداء مهامه، لأنه لم يتم الإتفاق على خليفة له، لكن بدأ الحسم في الشهور الأخيرة لصالح ما يسميه شكيب خليل ب"جماعة الرئيس" المرتبطين بمجموعة من رجال المال، وهم يتحركون الآن لتعيين خليفة للرئيس منهم لضمان مصالحهم ونفوذهم مستغلين إبتعاد نسبي، وليس كلي للجيش من التأثير في صناعة القرار، خاصة بعد تنحية الكثير من قياداته، ومن غير المستبعد أن ما يسمى بالجبهة الوطنية التي نادى بها سعيداني تدخل في المرحلة الأخيرة من تعيين الخليفة، وذلك بتشكيل غطاء سياسي واسع لمرشح هذه الجماعة، فالأمور ستحدد حسب التوصل إلى إتفاق نهائي حول الخليفة، وسيكون لرجال المال الدور الحاسم، أي أنتقل صناعة الرؤساء من المؤسسة العسكرية إلى رجال المال المرتبطين مع شبكة للرأسمالية العالمية المرتبطة بقوى كبرى تعمل ليس فقط ضمان مصالحها، بل الحصول على أكبر قدر من المصالح مستغلة رغبة البعض في البقاء في السلطة مهما كان الثمن، ويظهر نفوذ رجال المال بجلاء اليوم في المصالح العديدة التي حققتها قوى كبرى في الجزائر منذ سنوات، وخاصة فرنسا التي يبدو أن لها كلمة للأسف الشديد في موضوع خلافة الرئيس، بل لاحظنا منذ بداية الألفية الثالثة زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر عشية كل إنتخابات رئاسية، ويحظى بإستقبال خاص، وكأنه هو الذي يحسم في مسألة الرئاسيات.
لكن هناك طرح يرى أن الإبقاء على بوتفليقة يعود إلى الحفاظ على الإستقرار متذرعين بوضع أمني خطير على الحدود، ولو أننا لا ننفي هذا الوضع الخطير المحدق بالجزائر، لكن ليس هو السبب في البعض من القرارات، فماهو إلا تخويف فقط ، لأنه في الحقيقة لو كان الوضع الأمني هو الذي يقلق لما يمسوا ويقيلوا قيادات عسكرية لها تجربة كبرى في محاربة الإرهاب، أي على الأقل سيتم إقالتها بعد إنتهاء هذه التهديدات الأمنية، بل بالعكس هذه الإقالات التي لم تكن طبيعية، والتي يبدو لها علاقة بالصراع حول خلافة الرئيس، ولم تأت بصيغة المكافأة على أداء الخدمة، بل بالعكس، وهو ما يمكن أن يضر أكثر بالمؤسسات الأمنية خاصة على الصعيد المعنوي.
أن المشكلة في الجزائر خاصة في عهد الرئيس بوتفليقة هو تحطيم لكل الشخصيات التي يمكن أن تبرز لخلافته وإبراز إعلامي لشخصيات وطبقة سياسية ضعيفة، إن لم نقل كاريكاتورية لدرجة جعل أغلب الفئات الشعبية تعتقد أنه لابديل عن الرئيس بوتفليقة، حتى وهو مريض، إضافة إلى إضعاف المؤسسات وشخصنة الدولة في الرئيس، خاصة بعد التعديلات الدستورية في 2008، التي تعد أحد أسباب إدخال الجزائر في مأزق خطير بحصر كل الصلاحيات في يد الرئيس، مما عقد الأوضاع أكثر، ويمكن تهديد الإستقرار الوطني، فمن غير المعقول أن ترتبط دولة بأكملها بشخص الرئيس، وما يخشى هو إضعاف المؤسسة العسكرية التي تعد العمود الفقري للدولة بحكم الإنضباط الذي يسودها، والتي يسمح لها بالحفاظ على الدولة في حالة أي إنهيار لكل المؤسسات.
لكن هناك عدة أسئلة مطروحة، فهل في حالة عدم الإتفاق على خليفة للرئيس بين صناع القرار سيرمون الإختيار إلى الشعب في إنتخابات حرة، لكن بمرشحين من إختيار النظام ذاته، أي بنفس الطريقة التي تقع في إيران، أي إنتخابات بعدة مرشحين للنظام، ويمكن إن وقع ذلك في الجزائر أن يكون تطور نوعي في إختيار الرئيس، ولو أنه محدود، ويمكن أن يكون مرحلة إنتقال إلى مرحلة الإختيار الحر التام، لكن في حالة الجزائر اليوم أن مؤسساتها هشة والثقافة الديمقراطية ضعيفة جدا، مما يمكن أن يهدد إستقرارها بسبب إنقسامات حادة بداخلها حول مختلف المرشحين، ومايؤسف له أن الإنقسامات لاتكون بسبب البرامج والمشاريع بقدر ما تتحكم فيها عوامل الجهوية والدين ومكونات الهوية، وهي الإختلافات التي عادة ما يضخمها النظام عمدا في إطار "سياسة فرق تسد"، وكي يكون هو الملجأ الأخير بين المتصارعين حول هذه المسائل، فتتوسع سلطته اكثر.
أما السؤال المطروح في الأخير هو: كيف لشعب طرد الإستعمار وضحى بملايين الشهداء من أجل التحرر أن يقبل أن يعين له الرئيس منذ إسترجاع إستقلاله سواء كان من قيادات الجيش أو رجال المال اليوم؟.
يمكن لنا الإجابة منذ الوهلة الأولى عند إسترجاع الإستقلال هو الإنهاك الذي أصاب الشعب من جراء ثورة التحرير، وعندما أخذ بن بلة وبومدين السلطة بالقوة لم يكن بمقدوره آنذاك الدفاع عن الشرعية بسبب الإنهاك الذي أصابه، وهو يشبه في ذلك ماوقع للمسلمين أثناء الفتنة الكبرى عندما أخذ معاوية الحكم على حساب علي بن أبي طالب، وقبل المسلمون بذلك ليس حبا في معاوية، بل رغبة في السلم والإستقرار بعد حرب دموية منهكة، ويبدو هذا ما وظفه بن بلة-بومدين جيدا آنذاك، ويوظف اليوم أيضا، وهم ما يسمى بإستراتيجية الإنهاك للبقاء في السلطة.
لكن هناك عوامل أخرى، ومنها العوامل الثقافية كضعف الثقافة الديمقراطية وفكرة الإستبداد الشرقي، وتجذر شعوري ولاشعوري لدى الكثير من شعبنا فكرة أن تعيين الرئيس ليست من صلاحيات الأمة، بل ترى أنها من صلاحيات ماسمي في تراثنا الديني ب"أهل الحل والعقد"، فكل هذه العوامل وغيرها تحتاج إلى نقاش علمي وأكاديمي، ويمكن أن نعود إليها في مقالات قادمة.


البروفسور رابح لونيسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من بعيد
زمورة فاتح ( 2016 / 4 / 8 - 11:59 )
لست أكاديميا ، أنا مواطن عادي و بسيط جدا . لو سمحت لا تأخذني إن لم أكن موضوعيا أو منهجيا في طرحي .
أرى أن مسألة التعيينات في الجزائر لا تقتصر على منصب الرئيس فقط ، فالأمر يتعلق بكل ما يلزم له -كرسيا- لإدارته .هذا من جهة و من جهة ثانية و هي الاهم في نظري أن الشعب الجزائري هو لب المشكلة ، و لست مؤهلا لتقديم دراسة على شكل -علم إجتماع - أو ما شابه لكنني ألاحظ و ملاحظتي كالأتي: ترى هل من المعقول على سبيل المثال لا الحصر ، هل يعقل أن لا يستجيب المواطن للائحة خاصة بتنظيم حركة المرور مكتوب تشير إلى وجوب التوقف -قف- في حين يتوقف في حالة تواجد شرطي (الردع و القوة) أو ممهل (يستهدف الجانب الغريزي في العبد) ه.و في المقابل نجد أن البيطري لابد له من بروتوكول يوجه من خلاله رؤوس الغنم توجيها معينا لحقنه بمضاد حيوي معين .في حين لا يمكن أبدا أن تتقدم الالأغنام بحريتها و بدون توجيه لأنني أرى أنها غريزية .إسمح لي أن أقارب بين الغنم و المواطن الذي يستجيب لما يدغدغ عواطفه لا لما يخاطب عقله ، فأجد ان الإنسان غفي هذه الحالة أصيب بحالة خطيرة جدا لا يمكنني وصفها لأنيي لست متخصص و لا أكاديمي .لطنني مقتنع أنها كا


2 - تابع
زمورة فاتح ( 2016 / 4 / 8 - 12:05 )
كارثي .لذلك لا بد من تدخل عاجل من نخبة هذه الأمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بالفعل بإختصار .لك مني قائق التقدير و الإحترام

اخر الافلام

.. الرئيس التونسي قيس سعيد يحدد يوم 6 أكتوبر موعدا للانتخابات ا


.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويعلن تحقيق انتصارات على




.. حادث طعن في مجمع تجاري في #كرمئيل شمالي #إسرائيل حيث جرح 3 أ


.. يائير لابيد: على الجيش احترام قرار المحكمة وتنفيذ قانون التج




.. المبعوث الأميركي آموس هوكستين يعقد محادثات جديدة في باريس بش