الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤتمر التضليل السياسي

خالد عبدالله

2003 / 1 / 18
القضية الفلسطينية


كل له هواه يقوده، وكل له طلبته يسعى إليها، ولا يجمعهم شيء سوى تضليل العرب بل والعالم. فرئيس الوزراء البريطاني لم يعد يعرف ما يفعل، فلا هو في حساب البيدر الأوروبي حين يحسم مساراته، ولا هو على بال المارد الأمريكي حين يتخذ قراراته. فها هما شيراك وشرويدر يقرران معا أفق المستقبل السياسي الأوروبي، ومن سيجلس على قمة هرمه، وهو حائر تضرعا عند أقدام بوش. والصقور الأمريكان لا يرون له مخرجا إلا أن يواصل ما قد ارتضت بريطانيا لنفسها منذ سنوات طويلة، أكل الطيبات عند موائد الأمريكان، كما كانت تأكل الكلاب مما يلقى إليها من موائد اللوردات في العصور الماضية. ويبدو أن سعد بلير غافله ومضى بعيدا عنه، فخلافا لما اعتادت عليه بريطانيا، أن تختال في ظل أمريكا وخلفهما حشود المهرولين، فالمشهد الآن كئيب. فالولايات المتحدة تملأه بصورتها وفي زاوية منه بريطانيا، بينما كل من له قيمة أو شأن يهرول إلى خارجه. فلم يعد المشهد سوى أزعر يتخير أضعف الفرائس، ويثير التقزز في نفوس المشاهدين. ويتفاقم شؤم بلير أن أول الهاربين منه أعضاء حزبه، بل أعضاء حكومته. وقد قاده التمرد على سياسته إلى مخارج ليس لها من الجوهر إلا مظاهرها. فهو يقول في العلن أن بواعثه في الحرب هي الخلاص من أسلحة الدمار الشامل العراقية، ويقول في السر لحكومته أنه شريك في مسعى أمريكا لتغيير خريطة الشرق الأوسط. ويزعم على رؤوس الأشهاد أنه لا بد من معالجة القضية الفلسطينية، ثم لا تبدو المعالجة إلا إصلاح أجهزة الأمن الفلسطينية حتى تواصل ما كانت تقوم به خلال السنوات التي سبقت شارون.

فبلير أراد من مؤتمر لندن أن يكون مطيته إلى إظهار نفسه أمام حزبه أنه ليس تابعا لبوش في كل الأمور، بل أنه يتميز عنه في أكثر من موضوع، ومنه القضية الفلسطينية. لكنه تميز الليكود عن العمل. كلاهما يهرعان إلى نفس الغاية، ويأخذان نفس الطريق، لكن أحدهما يحب أزياء التنكر والاستخفاء. وقد وافق هوى بلير هوى الأوروبيين الآخرين الذين بعد أن تمكنت منهم أسباب المدنية باتوا لا يتذوقون الذبح باليد العارية بل لا بد من لبس القفازات حين اقتراف الجريمة. فهم لا يستسيغون شارون ولا نتانياهو، بل يهيمون ببيريز ومتسناع. ولذلك، فهم يراهنون على العمل، ويودون لو تميد الأرض من تحت أقدام شارون، فهو في فجاجته، وفي صلافته،  وفي بدائيته، خلاف كل ما أتقنوه من مهارات في بيع الإفك صدقا، وفي ترويج الاحتلال تحريرا، وفي تصوير السلب الاقتصادي نموا. ولذلك، باشروا الدعاية الانتخابية لمصلحة حزب العمل، وبدءوا بوضع ملصقاته على الجدران. وأكثر الملصقات اجتذابا وإثارة للإسرائيليين جلد الشعب الفلسطيني. فجاءوا إلى المؤتمر يمتطون ظهر السلطة الفلسطينية. ولكن بلير وجد نفسه في المكان الذي يليق به، حيث لا امتيازات إلا بما يسمح له السيد بوش. وحينما أدرك شارون أن مؤتمر لندن وإن كان يضرب ظهر الفلسطينيين بسوطه، إلا أنه وقفة إعلانية لمصلحة حزب العمل. فكان أن صفع بلير، أنه وإن كان يحرك بواخره لضرب العرب لكنه لا يستطيع أن يستضيفهم في داره. فهذا يحتاج إلى الإذن الأمريكي. وأمريكا الليكودية لا تقبل أن تكون الكلمة الدنيا لإسرائيل الليكودية. كان هذا حال التعيس بلير.

أما خائب الرجاء، السلطة الفلسطينية، فقد أحنت الظهر للامتطاء. فهي سعيدة دائما بأن تعامل وكأن الحل والربط بيدها. وهي تغالب الأمل والشوق معا إلى أن تعود الأيام السوالف حينما كانت الرقم الصعب. فما عادت كذلك. فقد أدت سياستها وممارستها إلى رمي الشعب الفلسطيني أكثر فأكثر في غيابة القهر الإسرائيلي. فعلى مدى سنوات أوسلو العجاف كانت شبكة من الفساد، وإدارة لتفتيت أوصال أرضه، ورقيبا على تحرك مناضليه. ولقد وصلت الاستراتيجية الإسرائيلية بضم الأراضي وبناء المستوطنات إلى حالة بدأت ترهق إسرائيل والسلطة في آن. فقد أصبحت الضفة الغربية وقطاع غزة مجموعة من الكيانات المستقلة عن بعضها. وهو مآل نجم عنه من حيث لا يريد المخطط إلى ولادة الاستقلالية في العمل النضالي. فما عادت المركزية وتحريك الخيوط بسياسة فعالة. وقد رأينا بعض مظاهره آخرها العمليتين الاستشهاديتين التوأم.

لقد بدأت الأمور تخرج من أيدي السلطتين. لكن الأمر ينفلت من يدي السلطة الفلسطينية. والشاهد على ذلك ما يجري في الشارع الفلسطيني وداخل حركتها الرئيسية، وما يجري في العواصم العربية من حوارات. بل وفي لندن. فحالها أصبح كالخلافة العثمانية في أواخر أيامها، باقية ليس بقوتها وإنما بعدم اتفاق الفرقاء على بديل لها. أما خروج الأمور من السيطرة الإسرائيلية فهو يجري كجريان الماء في جدول هادئ يشق طريقه رويدا لكن إلى نهايته. وأصبح الأفق السياسي مسدودا أمام إسرائيل. حتى توماس فريدمان بدأ يدرك ذلك. وأظن أن الأمور لم تعد توشك أن تجعل الدولة الفلسطينية مشروعا ميتا كما يرى البعض، بل أصبحت فعلا كذلك. فحتى لو أسرعت السلطة الفلسطينية ووقعت أية وثيقة على قيام الدولة فإن انهيارها سيكون أسرع كثيرا من انهيار أوسلو.

فالوثائق لا تستطيع أن تغير الحقائق. بل وفي الحالة الفلسطينية لن تستطيع تجميلها. والحقائق تقول أنه ليس هناك ما تبقى حتى يصبح كيانا واحدا. فإسرائيل الآن ليس أمامها إلا أحد أمرين. إما طرد الفلسطينيين، وإما استيعابهم. وما نجده في إسرائيل من فوضى سياسية ناجم عن أن الوقائع لا تحتمل إلا أحد الأمرين. ولذلك بدأت أصوات الكثير ترتفع داخل إسرائيل الليكود لطرد الفلسطينيين لأنها تدرك أن إسرائيل ستبتلع ما تبقى من أراض فلسطينية لكن لا تريد معها من على ظهرها. أما حزب العمل فهو يرى الأمر نفسه، لكنه يرى أن الطرد الجماعي دونه الأهوال، بل هو خطر محيق على إسرائيل. ولذلك فهو يريد أن يبني سورا يفصله عن من على ظهر الأرض الفلسطينية التي ستبقى خلف السياج. غير أن العمل لا يعمل شيئا سوى أنه يؤجل الأمر النهائي.

وعند مفترق الطرق هذا تجهد السلطة للمحافظة على مصالحها الجماعية، زمرة أوسلو، أو الفردية، رواد أوسلو. فهي تلعب أية لعبة للآخرين متى دعيت إليها، حتى يبقى الشعور لديها بأنها مطلوبة لذاتها. وحينما يستمع المرء إلى ما يقوله بعض المسؤولين فيها يصيبه الهلع كم هي غائبة عن شعبها وعن قضيتها. يقول أحدهم نحن نرى أن الإصلاح حق وواجب ومتطلب....فلسطيني وليس خارجي!! فإذا كان كذلك فلم الذهاب إلى لندن للاستماع إلى نصائح الخارج حول الإصلاح ولتقديم كشف به إليه؟ وإذا كان الإصلاح حقا فلسطينيا فلم لم يكن حقا حينما كانت السلطة على مدى سبع سنوات تمارس توزيع الشعب الفلسطيني حسب شركات المسؤولين الفلسطينيين، وتطارد المناضلين الفلسطينيين، وتتنكب طريق العدل وتشيع الفساد في رحاب الأرض الفلسطينية؟ حينذاك لم يكن ما يمنعها ما تدعيه الآن من منع إسرائيل لها. فقد كانتا، السلطة الفلسطينية والسلطة الإسرائيلية، شريكتان في مسؤولية الأمن الإسرائيلي، وشريكتان في توزيع المغانم على رواد أوسلو، وشريكتان في قضم الأرض الفلسطينية. نعم شريكتان في قضم الأرض الفلسطينية. فلقد كانت إسرائيل تقضم وتضم وتبني المستوطنات والسلطة لا تفعل شيئا، بل كانت حينها تمارس التعذيب، وتتمضمض الفساد. وحينما تتحدث السلطة إلى الأوروبيين والأمريكان حول تمكينها من الإصلاح، فهي لا تعدو تحلم بأن تعود إليها سلطات الأمن حتى تقمع من أخل بمصالحها. وإلا فما علاقة منع الفساد بوجود القوات الإسرائيلية في المدن والقرى الفلسطينية؟ وما علاقة ممارستها للقمع بالاحتلال الإسرائيلي، وما علاقة المصالحة مع شعبها بوجود القوة العسكرية الإسرائيلية محيطة بمبانيها؟ نعم القوات الإسرائيلية تمنع هيمنة السلطة على الشعب الفلسطيني، وتمنع قدرتها على أن تحول دون قيام العمليات ضد إسرائيل. لكنها لا تمنع من الإصلاح الحقيقي. فهذا لا يحتاج إلى قوات أمن. بل أن الوضع الآن مثالي لأن تقوم بالإصلاح. فكل حي في مدينة أو قرية مطالب أن يختار هيئة لتدير أموره وتكون مسؤولة أمام أهل الحي. هذا سيرهق إسرائيل، ولكنه سيذهب بالجاه المركزي. هذا هو الإصلاح السياسي، تمكين الناس من أخذ الأمور بأيديهم وتشجيعهم على ذلك بدل إعاقتهم عن القيام بمسؤولياتهم وبناء سلطتهم. ولكن هذا سيذهب بشركات أوسلو والامتيازات الخاصة. هذا ما يحتاجه الشعب الفلسطيني، وما لا تريده السلطة الفلسطينية.

أما العرب فقد حضروا مؤتمر لندن كضيوف شرف، وأعطوا ميزتين. تقديم كشف بما يقومون به حتى يرجع الشعب الفلسطيني إلى الطريق الأوسلوي. واستلام كشف بما يريده الأمريكان والأوروبيون حتى يبقوا مفيدين. ولكن من الغباء  إضاعة الوقت فيما يستطيعوا أن يفعلوا، فكل النظام العربي لم يعد إلا كدس قش، قدح زند سيودي به.
                                                                  

***********

كنعان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب غزة..احتجاجات جامعات أميركية | #غرفة_الأخبار


.. مساعدات بمليار يورو.. هل تدفع أوروبا لتوطين السوريين في لبنا




.. طيران الاحتلال يقصف عددا من المنازل في رفح بقطاع غزة


.. مشاهد لفض الشرطة الأمريكية اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة و




.. جامعة فوردهام تعلق دراسة طلاب مؤيدين لفلسطين في أمريكا