الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسوة بالرياضيين عندما تنضب مواهبهم، لماذا لا يعلن المبدعون اعتزالهم ؟

عادل عبدالله

2015 / 12 / 2
الادب والفن


أسوة بالرياضيين عندما تنضب مواهبهم

لماذا لا يعلن المبدعون اعتزالهم؟


عادل عبدالله


اذا كان اللاعب في عالم كرة القدم او في اي نوع رياضي آخر- يعتمد قوى الجسد وبنيته العضلية مادة واسلوباً لعرض مواهبه- يجد نفسه مضطراً الى الاعتزال في يوم ما من مسيرته الرياضية، فان السبب في ذلك لا يكمن في وهن عضلاته ونضوب مصادر قوته الجسدية- حسب- انما يكمن ايضاً- في ان هذا العرض الجسدي لمواهبه- انما يتم له علناً- امام الناس وعلى مرأى ومسمع منهم، الأمر الذي يعني- ان نقداً لاذعاً ومراً قد يصل الى حد المطالبة بتنحيته واكراهه على الاعتزال، قضية قيد الامكان -واجراء ممكن الحدوث، في حال اصرار اللاعب على عرض مواهبه امامهم بهذه الطريقة السيئة التي لم تعد مناسبة لاثارة متعة المشاهدة لديهم، كما كان يحدثها في فتوته وايام قوته الخوالي.
اذن، فهناك عرض واقعي سيىء يجري امام النظارة بلا امتاع لهم، بحيث تسهل مهمة اطلاق الاحكام على هذا العرض، دونما تأويل او اختلاف كبير على مستوى رداءة هذا العرض او جودته من قبل المشاهدين له.
اما في عالم الابداع، الشعر، القصة، الرواية، النقد، فلسنا نجد مثل هذه العلاقة واضحة بين قوة ابداع الفرد وتدفق مواهبه او نضوبها، من جهة، وبين قرار اعتزاله، نتيجة لهذا الوهن والنضوب، من جهة اخرى.
اقول لسنا نجد مثل هذه العلاقة واضحة، بحيث يمكن لنا بلوغها وفهمها والاتفاق على تقييمها - بذات السهولة التي تحدث في العالم الرياضي، ولعلنا نجد السبب في ذلك متمثلاً في مواضع عدة، منها:
1- اذا كان مبدأ ظهور المواهب في العالم الرياضي، يعتمد على طاقة الجسد وقوته العضلية، وهي مصادر قابلة للنضوب طبيعياً وبالضرورة، بحكم تقدم السن بالانسان، فان مثل هذا المبدأ غير موجود ولا يتم العمل بموجبه وعلى وفق شروطه في العالم الابداعي الرحيب.
حيث يعتمد هذا العالم- كما هو معروف، على مبدأ القابليات الذهنية والنفسية والخبرات الثقافية التي تنص وتفترض، ان العقل في نضج دائم حتى سن متقدمة جداً من عمر الانسان، لذا فكلما تقدم العمر بالمبدع اهتزت وربت خبراته وبناه النفسية والذهنية، واصبح قادراً على تقديم المزيد من عطائه الابداعي الطيب، وهو كما نرى مبدأ نقيض لذلك المبدأ الذي يحكم صيرورة الالعاب الرياضية، والقاضي بعلاقته العكسية، بين تقدم العمر بالكائن ونضوب مهارته.
2- في العالم الرياضي، يتم عرض المواهب الواقعية بموضوعية كبيرة لا تدع حداً او مجالاً كبيراً للاختلاف بين الناظرين الى عروض الموهبة هذه من حيث تقييمها سلباً او ايجاباً لا من جهة المشاهدين حسب، بل من جهة الرياضي نفسه، الذي يمكن ان يعد قرار اعتزاله الشخصي الحر، بمنزلة رضوخ واستجابة واعتراف- خفي- برأي المشاهدين النقدي ونوع تقييمهم لعروض مواهبه ومهاراته.
اما في عالم الابداع، فلسنا نجد مثل هذه الموضوعية في العرض، لا من جهة المشاهدين - القراء - ولا من جهة المبدع ايضاً، بسبب من خضوع اللعبة الابداعية وجريانها بأجمعها وفق قواعد مختلفة مغايرة لقواعد الالعاب الرياضية.
فقانون ومبدأ العرض الابداعي- من جهة المبدع- ذاتي، يعتمد الشعور ويخضع لاحكام عرض الأنا لنفسها وقناعتها المسبقة باهميتها- التي هي السبب النفسي الكامن لهذا العرض- وهو يخضع ايضاً، في مسألة تقييمه الى اعتبارات ثقافية ومواهب نفسية، تخص القراء على اختلاف وتباين مستوياتهم، لذا فلا اتفاق جمعياً، يمكن ان يكون شاملا وموحداً، حول نص المبدع من قبل قرائه، لا بسبب من ان النص يعرض نفسه في حلقة كاملة من فضاء ذهني نفسي يبدأ بالمؤلف وينتهي عند قارئ النص حسب، بل لأن النص - ايضاً- لا يخضع لاية قواعد موضوعية واقعية عيانية في مسألة تقييمه، انما يخضع كما اشرنا وبمقدار طاغ لقواعد ذاتية ذهنية ونفسية فقط.
او بعبارة اكثر دقة، ان استقبال عرض الموهبة في العالم الرياضي يتم بطريقة حسية اولاً، ثم يجري من بعد تقييمه، انطلاقاً من هذه القواعد- الذوقية- الحسية نفسها، ومن دقة ومعيار احكامها الواقعية حسب.
اما في العالم الابداعي، حيث يجري استقبال النص بالاعتماد على القواعد والمبادئ الذهنية والقابليات الذاتية- والعاطفية بضمنها، فانما يجري التقييم ايضاً بالاستناد الى تلك القواعد النفسية/الذهنية نفسها، وفي عالمها الخاص الخاضع لطبيعة ثقافة الفرد المستقبِل ونوع خبراته ومواهبه.
السؤال هنا، وعقب هذه المقدمة الطويلة كلها، هو، لماذا يصر بعض المبدعين على الكتابة- شعراً ونثراً- بالرغم من نضوب ينابيع مواهبهم وضمور خبراتهم وقابلياتهم على الكتابة ؟ أعني لماذا لا يفكر هؤلاء ”المبدعون “ بجدية في مسألة الاعتزال عن الكتابة، او يجرؤون على اعلان قرار اعتزالهم من الكتابة كما يفعل الرياضيون، حين تحاط انفسهم علما بحقيقة نضوب طاقاتهم الجسدية وتهافت مقدرتهم على العطاء المبدع، كما كانوا يفعلون في سني حياتهم الرياضية المبكرة؟ ربما اكون قد اجبت بالفعل- خلال بعض فقرات المقدمة- عن هذا السؤال، متمثلاً ذلك، اولاً، بخضوع قواعد اللعبة الابداعية لمبدأ الذاتية من جهة المبدع والناقد القارئ- وتمثلها من بعد في اختلاف طريقتي العرض الرياضي والابداعي، من حيث خضوع الاولى لمبدأ العرض الواقعي العياني الموضوعي الذي يفترض المشاهدة الحسية وبين احكامه النقدية عليها، وهو العنصر المسبب للاجماع والاتفاق على حقيقة القيمة ومكانة الاداء الرياضي.
وخضوع الثانية لمبدأ العرض والاستقبال الذاتيين، وهو الامر المسبب للتباين الكبير في وجهات النظر، لجهة تقييم الموهبة والاتفاق على قيمتها الحقيقية. لكن ، من قال، ان عروض المبدعين لمواهبهم على الناس، مسألة لا يمكن الاتفاق بين القراء والنقاد على ضبطها وتقييمها بدقة، ومن ثم اطلاق الحكم الصحيح على مكانتها سلباً او ايجاباً؟
اذا كانت مسألة، عدم امكان الحكم الصحيح على نتاج المبدع من قبل القراء والنقاد، في حال كونه سلبياً، مسألة غير صحيحة- من وجهة نظر المبدع- ولا يمكن له ان يقرها ويعترف بها ويرتضيها من الآخر لنفسه.. فأن مثل هذه المسألة ذاتها، لا تحظى بنفس درجة القبول وآلية التعامل النفسي والذهني مع المواهب، من جهة القراء والنقاد ايضاً.
ومعنى هذا- بعبارة اخرى صريحة- ان لدى بعض النقاد والمتخصصين من المؤهلات والخبرات النقدية الموضوعبة المتراكمة، ما يسمح لنا- استناداً الى هذه الخبرات العلمية وحدها- اعتبار احكامه على النصوص والمواهب التي يتعرض لها، وثيقة علمية وشهادة رسمية، يمكن الاعتداد بها واعتمادها بالفعل معياراً نقدياً لتقدير وتعيين المكانة الحقيقية، لا للنصوص الابداعية وحدها، بل ومكانة المصادر الذهنية والنفسية التي سمحت بانتاجها.
من هنا وفي وضع نقدي سليم ومعافى لمهمة النقد ازاء النصوص، قد ”يبلغ “ او يتشبه في درجة صحته وموضوعية احكامه، تلك الدرجة الواقعية العيانية التي تقيم فيها المواهب الجسدية خلال عرض نفسها على الآخر،، ينبغي على المبدع مراجعة نفسه ونصه وموهبته وخبراته، من اجل ان لا يطالبه النقاد بالاعتزال، او يكرهوه على ذلك، كما هي الحال في عالم الرياضة.
اذن، فنحن نريد القول عبر هذه المقالة، بأن عدم اعلان المبدعين لاعتزالهم في حال نضوب معين مواهبهم وتقهقر قدراتهم الابداعية وخبراتهم، امر حادث بسبب اعتماد اللعبة الابداعية - مبدءا وانتهاءا- على عنصر الذات، بكل ما تنطوي عليه من مهام ووظائف عرض الذات على الآخر، بوصفها ذات المبدع ”النادرة، الفريدة “ التي لها ما يميزها عن الآخر، الانسان العاطل عنها، اولاً.
ثم نريد القول من بعد، بأن غياب ظاهرة النقد الموضوعي الملتزم ابداعياً بالتقاليد العريقة والتاريخية لـ ”علم “ نقد النصوص، هو الذي يسمح ويسوّغ ويمكن هذه الذاتية الابداعية من رؤية نفسها بعين نفسها المعجبة بها وحدها، لا بعين الآخر، كما ينبغي، فهي اذن الرؤية الذاتية القائمة على استثمار واستغلال الواقع الادبي الثقافي، الذي لا رقيب حقيقياً فيه، يشاهد ويحكم على تلك الذات المبدعة خلال عرضها لنفسها.
بقي ان اضيف هنا، أن هذه المقالة لا تخص اولئك المبدعين العظام، شعراء وروائيين وقصاصين، ممن عرفوا ”قواعد “ هذه اللعبة ومبادئها وسر دوامها، اعني تلك القواعد التي تمكنهم على الدوام من عرض ذواتهم المبدعة، محافظة على انتزاع دهشة الآخر واعجابه- في كل عرض نصي جديد يقدمون به ذواتهم على الناس- اما عن هذه المبادئ التي تحفظ للمبدع دوام عرضه المدهش، فهي: اولاً، عنايته بموهبته ورعايته الدائمة لها، والتعايش معها ومراقبتها والانشغال بها دائماً، بوصفها علامته الوجودية الفارقة، وكينونة ذاته الحقيقية وسر ابداعه واسلوب عرضه لنفسه على الناس، هذا العرض الذي يحرص على ان يكون مشرفاً له على الدوام.
اما المبدأ الآخر، فهو تغذية هذه الموهبة بالخبرات، خبرات الحياة اليومية الواقعية، وخبرات القراءة المتنوعة، وخبرات التأمل والوجود المشترك مع الناس، بوصفهم المعنيين الحقيقيين بعروض هذه الذات وتجلياتها. اما بغير ذلك- اي بغير التزام المبدع بهذين المبدأين الكفيلين بدوام بقائه مبدعاً، فان مكانته ستصبح ثمرة الوهم والنرجسية، ثمرة الماضي السعيد الذي كانت هذه الذات خلاله مقبولة لدى الاخرين، غير انه الزمن الحاضر الآن، اعني الزمن الذي لم يعد فيه لدى الذات من القدرات ما يمكنها من تقديم عرض طيب الى الآخر يكفل لها انتزاع اعجابه بها، الاعجاب، الذي ربما كان مؤسساً على ظرف معين غير ابداعي في جوهره احياناً، سياسي مثلاً، او ربما كانت الذائقة السائدة لذلك العصر تساعده على النجاح استناداً الى اتفاق مهاراته معها، وهو الامر الذي ينبغي التنبه له بدقة من قبل المبدعين.
خلاصة القول، ان مثل هذه الذوات ”المبدعة “ اذ تصر الآن على عرض نفسها عبر النصوص على الآخرين، مستغلة وناهزة فرصة غياب النقد الموضوعي عن عرضها، فانما تحاول بهذا الفعل استحضار نشوة نفسية مقامة على الوهم، المستمد من ماضي اعجاب الآخرين بها، من اجل ان تسعد لحظاتها الحاضرة بنصها، النص الذي ربما يثير حنق الآخرين وسخطهم.
أخيرا، كان بوسعي أن أضع قائمة طويلة باسماء المبدعين العجائز أعني من كانوا مبدعين يوما ما، غير ان الذي يعفيني من فعل ذلك هو معرفتكم جميعا بهم بل و اتفاقكم الضمني على حقيقة كهذه، و كيف يمكن لنا ان لا نعرف ذلك و هم يبدون لنا في ما يكتبون الان اشبه بـ ( ماردونا) و هو يصر (الان) على مشاركته في اللعب لمنتخب بلاده ؟









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا