الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كائنٌ كائنْ .. يا أنت

أزهار أحمد

2005 / 11 / 3
الادب والفن


لن أتحدث عن الحبِّ الذي يخبئه عمري وعداً لك ولا عن ثراء العمر في دقائقه معك ، لن أتحدث عن العين المطفأة لا لأنها عمياء ولكن لأنَّ قوة النظر لا تنطلق منها ، بل الأشياء والكائنات هي من يحدق لرؤيتك ، وحين لا تكون أنت تتعطل وظائف الرؤية كلها .

لن أتحدث عن شئ ثابتٍ أو متحرك فقد توقف الحديث كما تجمد الوقت بين اللقاء واللقاء .. نقطتان هما أنا وأنت وبينهما الحركة .. فهل تصبح الحياة ذات قيمة حين نكون بين هنا وهناك ، لن أتساءل عن هذا أيضا لأن المعاني كلها انتهت بالوجود الذي احتويته خارجياً في حركة المرئيات والبشر وداخلياً في نبض قلبي وجريان دمي .

كل ما أراه يتغذى من اسمك فقط ، وليعلم كل ذي روح وكبدٍ رطبة بأنك كائنُ كائنْ ذو وهج يسبق نهاري قبل وهج الشمس وذو نور يسبق ليلي قبل نور القمر . كائنُ أنت كائنْ بروح معلقة كحدائق تفيض زهراً وقناديل ، وتمطر الرحمة على كلِّ عذابٍ يتقصد أنفاسي وهناً وشجناً .

أنت الكائنُ الكائنْ الذي يغني بنوتةٍ من خفاء الروح والذي يفتح كفيه فتنطلق الأغاني الشجية وقصائد العشق والوجد ، أو يضع قدميه على الحصى فيتحول كعكاً معجوناً بقلبك الذي يكبر ويزدهي مع كل قضمةِ حبٍّ يأخذها منك إنسانٌ أو نبات أو شئ فيهدأ عصف البرد ويتدفأ الآخذ فيصبح أنتَ وحدك .

ضع يدك على قلبي ، أو اخترقه بأصابعك لتعلم كم هو طريٌ وبحاجة لدمك وسكر يديك ليتشكل وجبةً شهية حلوة يعشقها الصغار ويستلذ بها الكبار وتتغذى منها الكائنات شجراً وطيراً , لكنني لا أريد قلبي هكذا ، بل أريده كعكةً ملونةً تقضمها وحدك كل عيد لأصبح قوسَ قزحٍ تستطيب به الأرض التي هي أنت .
ها أنا أضع خطوي بين قدميك لتتقاطع الخطوات في الخطوة ذاتها وفي التراب ذاته أو حتى في الحذاء ذاته , خطوتي الآن مشبعة بروحك التي تحركني بحركتك الواثقة فأتقمص وقع حياتك وتتقمص وقعي ونتحول كائناً كائنْ واحداً منك ومني .

حين أتحدث عنكَ وأنت تخلع قميصك ، تصطك أسناني عشقاً للمدى الذي ينكشف لي وللمغناطيس الذي يجتذب صدري فأجدني فجأة ملتصقة بزر من قميصك وأتحول خيطا مثبتاً به وإصبعك إبرة تخيطني أكثر فأكثر بوتد جسدك .
أحب قمصانك لأني مخاطة بها ولأن يديك من تفتحني وتغلقني حين تفتح قميصك أو تغلقه , وأسكت حينها لأن الكلام يصبح رماداً قبل أن يشتعل وتقف أنفاسي لأني لست بحاجة إليها ويكفيني أن أنتظرك كي تخلع قميصاً أو تلبس آخر ، لتصطك عظامي هذه المرة وأنا خيط مثبت به قلبك .

هل تدري أنني دائما أهرب من الحديث إليك مباشرة حين أكتب ؟ أعلم أنك عالم بأحوالي ، ليس لأني أحدثك بها فقط ولكن لأنك تتجول بين العظم والعظم وبين القلب والرئة والكبد والشريان ، مهما اختلطت عليَّ تراكيبُ الجسد الداخلي ومواقع الأعضاء إلا أنني أعني كم أنت ثابتٌ ومتحركٌ داخلي ، جار ومتموج حتى أنك تعلم كيف سأتنفس الدقيقة القادمة ، أولست قلبي ؟ أحاول الهرب من الحديث المباشر لأكتب عن هباتك الإنسانية وصفاتك النادرة ، ولكن هل هناك ما يدعوني لذلك مع أنه يكفي أن أنطق اسمك ليتكشف كم أنت مؤهلٌ لتسيِّد الإنسان في قلب الإنسان ؟

مرة أخرى أعود لطبيعتي في الكتابة وفي الحديث ، فأظل أسأل دهشة أو أصف حباً ، وأنا على يقين تام بأن ما بين إبهامك وإصبعك الأوسط يموج حرير يتمايل في خدر قلبك وقلبي فيلفهما بقطعة خضراء تشبه ورقة التين دون أن أعترض بجملة او باستنكار أو حتى بدهشة , وأنك حين تفتح كفك وتفرد أصابعك ينمو عمر آخر للعرافين فيشتهون التحليق في كفك الواحد حتى يعودوا ويتمنوا العيش في كفك الأخرى فكل واحدة منهما تحمل من الأسرار ما يكفي علماً قائماً بالغيب والخيال والحب والجمع والاقتراب , ويصبح العراف عالماً فقط بنظرة عين على كفك التي ما إن يمسكها حتى يمسك بالحياة .

لست عرافة ولكني أمسكت بالحياة حين أمسكت بكفك وعلمت أن الأرض غير التي أمشي عليها وأن السماء تختلف عن التي تعلوني ، وحتى المطر له لون وله طعم وله رائحة .
لا يعنيني أي سر يبحث عنه العرافون بين كفك وكفك ، ولم ألتق بهما لأنني أبحث عنهما بل أمسكت بهما لأنني وجدت سر البذرة ومن أين تأتي ، ولن أسأل بعد اليوم : من أتى أولا البيضة أم الدجاجة؟

كائنُ كائنْ أنت ، وكلما أخط كلمة تأتيني أخرى لأنك بلا انتهاء ، ولأنك مرآة من صور لا تنتهي أو مرايا وراء أخرى فأراني كثيرة وأراني واحدة وأراني بوجوه وأجساد عديدة ، فأنتهي مرة أخرى إلى بداية المرآة لتكتمل جميع الصور وجميع الوجوه بصورة واحدة فقط كونتها أنت وجعلت من كينونتها زورقاً يختال في وداعة تحت كفيك ويمضي هادئاً نحو صورة واحدة هي قلبك ويستقر في الميناء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس