الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في سياق تحويل الشعب إلى جمهور

معتز حيسو

2015 / 12 / 3
مواضيع وابحاث سياسية



ترتبط المفاهيم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، عضوياً، ببنية الدولة. معنى ذلك أن استخدام أي من المفاهيم المتعلقة بالمواطن، يتمفصل وظيفياً في السياق التاريخي لتطور بنية الدولة وأشكال تجلياتها. كما أنه يحمل دلالات سياسية تكشف عن تركيبة السلطة، وبالتالي طبيعة علاقتها بالمكونات والمؤسسات الاجتماعية.
وبحسب نظريات العقد الاجتماعي، فإن السيادة هي للشعب، المكوَّن من أفراد أحرار متساوين في الحقوق والواجبات، ويتمتعون بالإرادة، في ظل حكم مدني يقوم على فصل السلطات. والسيادة بهذا المعنى تتأسس على المواطنين الأحرار، ولا وجود للشعب خارج الأفراد المكونين له. وقد سبق للمفكر الراحل إلياس مرقص أن أشار في هذا السياق إلى أنه «عندما ندرك في الوطن العربي أننا 250 مليون أنا فردية، نكون قد خطونا أولى الخطوات إلى الحرية». وهذا يتقاطع بدوره مع الفكر السياسي الحديث الذي يُقرُّ بحقوق الأفراد، وأهمية المساواة القانونية كمدخل إلى تمكين الفرد من حرية الإرادة. وهذا ما يفتقد إليه الفرد في أنظمة عربية تعمد إلى سحق الأنا الفردية، وتذويبها ضمن الأنا الجمعية المقهورة. إضافة إلى ذلك، فإنها تضرب عرض الحائط، بنظريات العقد الاجتماعي كافة، وتعمل على تغييب حقوق المواطنة، ولا يلتزم حكامها بالدستور، ويختزلون الوطن والشعب بشخوصهم الأنوية.
وقد اقترن مفهوم الرعيّة في العصور الوسطى وما قبلها بأشكال حكم مطلقة تستند إلى فكرة التفويض الإلهي، أو الغلبة، وكلتاهما كانتا محمولا على أيديولوجيا دينية يقوم على تطبيقها زعيم «يرعى» شؤون رعيَّته الدينية والدنيوية، في سياق نمط اقتصادي إقطاعي ريعي. بينما ارتبط مفهوم الدولة الرعائية بالنمط الرأسمالي في مرحلة المواجهة الباردة مع المعسكر السوفياتي. هذا في وقت تستمر فيه حكومات الدول ذات النمط الاقتصادي الليبرالي والنيو ـ ليبرالي، بتحويل المواطن إلى قوة عمل حرة يتناهشها رأس المال الذي يميل إلى احتكار وسائل وأدوات الإنتاج، وذلك يرتبط مع عولمة رأس المال الذي يتخذ من التمييل مصدراً أساسياً للربح، ويتزامن أيضاً مع اشتغال الجهات المعنية على فتح السوق العالمية أمام حركة رأس المال، وتراجع دور الإنتاج كمصدر أساسي للربح والتراكم، نتيجة الفائض الإنتاجي، والتخلي الجزئي عن قوى العمل الحيِّة، نتيجة التطور العلمي والصناعي.
وكما هو معلوم، فإن مفهوم الشعب يعبِّر عن إطار اجتماعي عام يحتمل التنوع والتباين والتناقض. وفي الوقت ذاته يدلل على ديناميكية سياسية واقتصادية واجتماعية. بهذا المستوى، فإنه يحمل في سياق تشكُّله وتطوره الطبيعي مشاريع التغيير، وينطوي على قوة كامنة متجددة قابلة للتحول من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل، لحظة توفُّر الظروف الذاتية والموضوعية. والشعوب بهذا المعنى تحمل في داخلها ديناميكية الفعل والتغيير. ويتجلى ذلك من خلال أشكال ومستويات حركية متعددة ومتباينة، منظَّمة أحياناً، وفي أحيان أخرى عفوية، تُنتج في سياقها الحركي قادةً عضويين، يستطيعون إذا ما توافرت لهم معطيات ذاتية وأخرى موضوعية، القيام بمهام على درجة من الأهمية، ويمكن حصول ما يخالف ذلك، إذا لم تكن عوامل التغيير ناضجة بما يكفي لتحقيق انتقال نوعي.
من جهة أخرى، اشتغل حملة المشاريع الأيديولوجية، من زعماء وسياسيين، على تضخيم المستوى الأيديولوجي وتحويل الفرد إلى أداة أيديولوجية وظيفية لتحقيق أهداف ومصالح سياسية خاصة. وكان ذلك يتساوق مع انتهاكات واضحة لشرعة حقوق إنسان في دول تعتبر أن الشعب مصدر السلطات. هذا إضافة إلى اشتغال وسائل إعلامية كبرى تربطها علاقات عضوية مع الشركات العابرة للحدود والقوميات وحكومات الدول الكبرى، على توجيه وتأطير آليات تفكير الفرد.
لقد اشتغلت الأنظمة السياسية العربية المتخلفة، وبشكل خاص الأنظمة ذات البنية الاستبدادية، على التعامل مع الشعب بوصفه جمهوراً. في سياق ذلك كان يتم اختزاله إلى أشكال ركامية وحالات قطيعية غوغائية وانفعالية، يهوج الفرد فيها ويموج ضمن كتلة رجراجة منفعلة، محكومة بردات فعل تفتقد إلى التفكير العقلاني والمنهجي. لذلك فهو من منظور زعماء غير قادر على تقدير مصالحه وتحديد أهدافه، وعاجز عن إدارة الشؤون العامة. وهو يحتاج إلى الوصاية، وإلى قائد كاريزمي قادر على ضبط السياق العام لحركة التطور والتاريخ، بما في ذلك المجتمع/الشعب. في هذا المستوى يتم تجريد المواطن «الفرد» من حرية القرار وحق تقرير مصيره وأشكال حياته، وتحويله إلى مصدر للنهب، وموضوع للتسلط، ويُنظر إليه بكونه أداة وظيفية.
ومن المفارقات أن النظام العربي ينافح بأنه يستمد مشروعيته السياسية من الشعب. لكنه يتجاهل أنه هو من اشتغل على تحويله إلى جمهور منفعل، وهو من سلبه أدوات فاعليته كاملة. فانحصر استخدام مفهوم الشعب، في الحملات الإعلامية الدعائية والمهرجانات الخطابية بغرض التحشيد والتضليل، وهذا يندرج في إطار وظيفي، غايته التلاعب بالعقول خدمة لمصالح الزعيم الرمز. وفي سياق ذلك يتم الإجهاض على حقوق المواطنة كافة، وتفريغها من مضامينها الأساسية، وصولاً إلى تغريب الإنسان عن إنسانيته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل


.. السيناتور ساندرز: حان الوقت لإعادة التفكير في قرار دعم أمريك




.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال