الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بين الخنوع والإباحية

ماجد ع محمد

2015 / 12 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


من المتعارف عليه أن الانسان الذي يتعرض للإهانة ليل نهار من قِبل أحدٍ ما أمام أهله وناسه ومعارفه، من الطبيعي جداً أن يكون لديه رد فعل مباشر على ما تعرض له من قبل، طبعاً هذا إذ ما كان بمقدوره أن يبدي اعتراضه أو مقاومته لما جرى أو يجري بحقه، أو قد ينتظر الفرد المُهان وقتاً من الزمن ليرد فيها اعتباره أمام ذاته والآخرين، أو يكون العكس تماماً فيفقد المرء مع الزمن شخصيته العادية والاعتبارية، هذا سواء أكان من أصحاب الرأي والمقام الرفيع في مجتمعه أم من الحاشية أو من عامته، ولكن هناك أيضاً احتمال كبير بأن يستحيلُ الفردُ المذلول مع الزمن الى شخصٍ ممسوخٍ، مستحقر، ليغدو مع تتالي الإذلال كائناً مسحولاً لا أهمية لرأيه أو موقفه أو حتى وجوده، وبفقد بالتالي كل احساسٍ بالمعارضة أو الرفض، وحتى كلمة اللاء تُرمى من قاموسه اليومي، باعتبار أنه لا يرى نفسه أهلا لاستخدامها ولو مع أضعف الكائنات من حوله، طالما استساغ مع الزمن تلك الحالة التي وصل إليها بفعل الفاعلين.
إذن فإن شعور الانحطاط ذاك قد يجعله يتقبل أي شيء يحصل أمامه لأقرب الناس اليه، ومن الوارد جداً أن يستمرئ مع الأيام كل الانتهاكات بحق جسده أو أجساد سواه، طالما أنه غدا مستسلماً كلياً للواقع الذي فُرض عليه، ولم يعد يمتلك أي حقٍ من حقوق الدفاع عن نفسه كرجل أو عن إناثه كشخص مسؤول عنهم.
ولا شك بأن الكبت الطويل للغريزة لدى الكثير من الناس، وكذاك الظروف الاقتصادية القاهرة لها حصة الأسد في التنازل عن بعض الجسد أو كله لقاء تلبية الحاجة الى الطعام أو بهدف الحصول على الجاه والمال من صاحب السلطة أو ممتلك أسباب الثراء، أو حتى الخضوع الكلي لذلك الوسيط القادر على تلبية الحاجات الملحة للفرد المحتاج لهما تأثيرهما الواضح على التنازل عما يخص قدسية الجسد، وربما حتى الانجراف الى درك العهر الجسدي نتيجة اجتماع تلك العوامل، كما أننا نرى بأن حالة الإباحية المتفشية في بعض المجتمعات قد تكون من نتاج الاستباحة، وبالتالي لا تكون منفصلة عن حالة الاخضاع القسري أو الخنوع الذي أشرنا إليه أعلاه، خصوصاً في المجتمعات التي صارت بؤر حامية للإباحية في فترة الحرب العالمية الثانية وما بعدها، سواءً من خلال ما تم ذكره في مجمل الكتابات عنها، أو من خلال ما يلاحظه الزائر أو السائح أو بعض الأجانب المقيمين هناك، من الذين لا تغيب عنهم مظاهر الإباحية في الميادين والأزقة، أي تلك المظاهر التي لم يعهدها المشاهد من قبلُ في بلاده، مشيراً بأن تلك الشعوب التي حل فترةً من الزمن ضيفاً عليهم ورغم الانتباه والانبهار بكل الجوانب الحضارية لديهم، إلا أنه يرى بأن من إحدى الظواهر الغريبة والشاذة هي الوقاحة الايروتيكية المبالغ فيها، وذلك فيما يتعلق بموضوع الممارسات الجنسية في الأماكن العامة، فيخال إليه وكأن ثمة من يدعو الناس الى ذلك تيمناً ببعض ما جاء في نظرية مالتوس الاقتصادية، الذي حض على الفوضى في العلاقات الجنسية خارج المؤسسة الزوجية وشجيع على الشذوذ الجنسي (كاللواطة والسحاقة) كحلٍ من الحلول الناجعة لإعادة التوازن بين عدد سكان الكرة الارضية والانتاج الغذائي للبسيطة، في حال أن التوازن لم يتم بالحروب والمجاعات والكوارث، فتترسخ حينها فروض النظرية لديه أكثر من ذي قبل خاصةً عند سماعه في الشوارع أغنية مشهورة بعنوان "جيل البورنو" وهي تتغنى وتدعو الى المزيد من الاحتفاء بمظاهر الاباحة والجنس السافر في كل الأمكنة.
ولكن وبعد عودة المعني بالأمر أو ذلك المتتبع لماورائيات الظاهرة الى زمن الأحداث والحروب التي دارت رحاها في مضارب تلك الملل، والاطلاع عن كثب على تاريخ تعرض نساء تلك البلاد للاغتصابات الجماعية في الحروب، وخاصة من قِبل جنود قوات التحالف آنذاك، ربما يعتبر حينها بأن ما يحصل أمرٌ عادي بالنسبة لملة تم اغتصاب معظم نسائها، على قاعدة: "إذا عُرف السبب بطل العجب"، حيث فقد الكثير من الرجال في تلك المضارب أوان الحروب كل ما يسمى بالنخوة والشرف والكرامة بسبب ما تعرضن له نسوة وفتيات تلك البلاد من دون أن يكون للرجل أدنى قدرة للدفاع عن الكرامة المهدورة لأية واحدة منهن أمام نواظره ، إذ تتحدث الكتب المعنية بتاريخ الاغتصاب أن أعظم اعتداء على النساء في أوروبا حدث في ألمانيا بعد سقوط الرايخ الثالث وهو يعد ثاني أعظم اعتداء على النساء على مستوى البشرية، إذ تقول المصادر أن في فيينا عاصمة النمسا وحدها تم اغتصاب أكثر من 100 ألف امرأة، ووفقا لاستجواب حدث في الكونجرس الأمريكي بتاريخ 17 يوليو 1945 اعترف الجنرال آيزنهاور القائد العام لقوات الحلفاء في أوروبا وشمال إفريقيا، أنه عندما دخلت القوات الفرنسية والقوات الأمريكية مدينة شتوتجارت الألمانية ساقوا النساء إلى أنفاق المترو، وتم اغتصابهن جميعاً مرات عديدة، كما وفى عام 1945 دخلت القوات السوفيتية مدينة دانزنج، وتم احتجاز جميع نساء المدينة في الكاتدرائية، ثم دخل عليهن الجيش الأحمر واغتصبهن جميعاً، حتى إن بعض الناجيات تحدثن عن أنه تم اغتصابهن أكثر من 30 مرة، كما يتحدث كبير أساقفة مدينة دانزينج في تلك المدونات، بأنه تم اغتصاب الفتيات الصغيرات من سن 12 حتى العجائز، حتى ابنة أخته كانت في عمر الـ15 تعرضت للاغتصاب 7 مرات، وتعرضت شقيقتها ذات الـ22 عاما للاغتصاب 15 مرة، وتتحدث المصادر أيضاً عن أن هذا العدوان الجنسي لم يقتصر على النساء الألمانيات، بل انتقلت إلى الإيطاليات، حيث سمح للجنود الأمريكيين في مدينة نابولي بإباحة كل النساء، فقد سجل في هذه المدينة وحدها 60 ألف حالة اغتصاب للنساء والمراهقين والأطفال، حتى إنه بعد الحرب نتج جيل في مدينة نابولي لا يمت بالصلة بالشكل والسمات لأجداده.
وهذا ما جعلنا نرجح عامل الاعتداء والاهانة كأحد المسببات المهمة لانبعاث ظاهرة الاباحية أكثر مما شجعته على ذلك الآراء الواردة في مؤلفات أقطاب الفكر الغربي، وأن ظروف الحروب والعدوان والانتهاكات والخنوع الجماعي، ربما تكون قد فرضت نفسها على أغلب سكان تلك البلاد للأسباب التي تم ذكرها أعلاه، بل وثمة مفارقة نكتشفها بعد التحري والقراءة، وهي أن الشيوعية أو الماركسية التي كثيراً ما اتهمت من قِبل أعدائها إن كانوا من أتباع الأديان السماوية أو من قبل المناهضين لأيديولوجيتها بأنها كانت تدعو الى الاباحية الجنسية، في حين تم الرد من قبل كل أقطاب تلك النظرية بحزم على تلك الاتهامات، وقد تم دحضها من خلال نصوص واضحة وصريحة من قبل مفكرين كبار مثل: كارل ماركس وانجلز وتروتسكي وماو تسي تونغ وكيم إيل سونغ، كما أن لينين نفسهُ أي قائد ثورة اكتوبر لم يبدي موافقته على نظرية "كأس الماء" التي تقول بأن في المجتمع الشيوعي بإمكان الشخص إرضاء شهواته الجنسية وحاجاته للحب بنفس السهولة التي يشرب بها كأس الماء.
لذا فإننا وبعد الاطلاع على ذلك التراث العدواني المشين وتتبع فصول ذلك الانتهاك التاريخي الكبير اتجهنا بقوة صوب التخمين بأنه ربما كان للخنوع الذكوري الطويل أمام الآخرين، سواءً أكانوا غزاةً من الخارج أم ممن كانوا من مستبدي الداخل، ومن ثم الاعتداءات الجنسية اليومية على النساء أمام أنظار الرجال الذين لا حول لهم ولا قوة، وفقدان الرجل لكل ما يدخل في نطاق الكبرياء والكرامة الجسدية له ولنسوته، قد يكون أحد أهم مسببات انتشار ظاهرة الاباحية في تلك المجتمعات، وليس بالضرورة أن تكون مفاهيم الحرية والديمقراطية التي نادى بها مفكرو الغرب وفلاسفتهم هي المصدر الرئيس لتلك الظاهرة، باعتبار أن تلك المفاهيم والمبادئ والقيم التي انبثقت من صلب تلك المجتمعات بعد نضالٍ طويلٍ ومرير جاءت لصيانة حقوق الانسان وتحقيق العدل والمساواة والحفاظ على كرامة الفرد والمجتمع، وليس لإذلال الجسد وتبخيسه وانتهاكه وتعريته، ولكن ربما كان للتسامح الديني مع المعتدين وقوانين الصفح عن منتهكي الحرمات التي استنبطت من قيم الحرية والعدالة والديمقراطية في الغرب كانت أيضاً سبباً مهماً من أسباب انتشار ظاهرة الاباحية في الغرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إلى أين سيقود ستارمر بريطانيا؟ | المسائية


.. غزة .. هل اجتمعت الظروف و-الضغوط- لوقف إطلاق النار؟ • فرانس




.. تركيا وسوريا.. مساعي التقارب| #التاسعة


.. الانتخابات الإيرانية.. تمديد موعد التصويت مرتين في جولة الإ




.. جهود التهدئة في غزة.. ترقب بشأن فرص التوصل لاتفاق | #غرفة_ال