الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القضية الفلسطينية ... المأزق الراهن وآفاق المعركة التحررية

هاني المصري

2015 / 12 / 6
القضية الفلسطينية



وصلت القضية الفلسطينية إلى مأزق عميق جرّاء وصول الاستراتيجيات المعتمدة إلى طريق مسدود من دون توفر القناعة والإرادة اللازمتين لبلورة واعتماد استراتيجية وطنية موحدة، بحيث نلاحظ أن هناك تداخلًا كبيرًا بين مرحلتين، بين القديم الذي انتهى ولم يغادر المسرح حتى الآن، وبين الجديد الذي ينضج وتطل ملامحه لكنه لم يولد بعد، مع أن أعراض قرب ولادته تتزايد. فمن جهة لا يزال أوسلو والتزاماته هو سيد الموقف على صعيد استمرار الالتزام الفلسطيني به، بالرغم من أن حكومات إسرائيل المتعاقبة تجاوزته بأشكال متفاوته منذ اغتيال إسحاق رابين وحتى الآن. أما الحكومة الإسرائيلية الحالية فهي ليست ضد أوسلو فحسب، بل ضد أي تسوية مع الفلسطينيين، وما تريده من استمرار الوضع الحالي، وتوظيفه لاستكمال تطبيق المخططات، الاستعمارية الاستيطانية العنصرية العدوانية، التي تجعل الحل الإسرائيلي التوسعي الإحتلالي هو الحل الوحيد المطروح والممكن عمليًا، حيث إن الاتجاهات المركزية في إسرائيل تعيد إحياء مبدأ "إسرائيل الكبرى" من خلال طرح الاعتراف بإسرائيل كدولة "للشعب اليهودي"، واستهداف القدس والمسجد الأقصى بشكل يُدَيِّن الصراع، وإزالة الخط الأخضر.
هذا الواقع الذي انعكس في مأزق شامل لدى القيادة والقوى تجلّى في انعدام الحسم في الخيارات، ما أدى إلى تآكل الأرض والحقوق والمؤسسات والشرعية وتهميش القضية الفلسطينية حيث "تراجعت" أهميتها، وأمام إسرائيل فرصة تاريخية للاستفراد بها.
لا يوجد الآن مشروع وطني واحد متفق عليه، ولا مؤسسة جامعة، ولا قيادة واحدة؛ ما أدى إلى أن كل منطقة (وأحيانًا كل مدينة) وكل تجمع يدبر نفسه بنفسه، فحينما تعرضت غزة سابقًا لثلاثة عدوانات إسرائيلية تضامن معها بقية الشعب، والآن تحارب القدس والخليل كل واحدة وحدها، بينما واجه الفلسطينيون في سوريا مصيرهم وحدهم، وكذلك من قبلهم إخوانهم في العراق وليبيا. أما الفلسطينيون في لبنان فهم يعانون كل أنواع المخاطر في ظل حرمانهم من أبسط حقوقهم المدنية، بينما تشكل المخيمات مرتعًا للاتجاهات المختلفة، وخاصة الإرهابية، وهي وقود لكل الحروب والصراعات التي تشهدها لبنان، ومن تبقى منهم بانتظار الحصول على لجوء في إحدى البلدان الأوروبية أو غيرها.
لقد فصل "أوسلو" ما بين وحدة الشعب والأرض والقضية، وقسم الشعب "إلى شعوب" والأرض إلى أقسام، والقضية إلى قضايا، واعترفت فيه القيادة الفلسطينية بحق إسرائيل في الوجود على 78% من أرض فلسطين، مقابل اعتراف إسرائيل بالمنظمة كممثل شرعي وحيد، أي من دون اعتراف بأي حق من الحقوق، بما فيها حق الشعب في تقرير مصيره، بما يضمن حقه في إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967.
بعد أكثر من 22 عامًا على "اتفاق أوسلو"، وفي ظل اتجاه إسرائيل أكثر وأكثر نحو التطرف، وبعد تخلي الإدارة الأمريكية عن مسؤولياتها حتى فيما يتعلق بما يسمى "عملية السلام"، من خلال وقف مساعيها لاستئناف المفاوضات وللتوصل إلى حل، مقابل تقديم دعم أكبر لإسرائيل بالرغم من خلافاتها مع حكومة نتنياهو، وعلى ما يبدو أنه انعكاس لصفقة تخفف فيها حكومة نتنياهو من معارضتها للاتفاق النووي الإيراني مقابل إطلاق يد إسرائيل ضد الفلسطينيين، وفي ظل تراجع المركز القيادي الفلسطيني وحضور بعض الأطراف والمناطق على حسابه، كما شاهدنا في انطلاق موجة انتفاضية عظيمة مستمرة للشهر الثالث على التوالي من دون قيادة ولا تنظيم ولا أهداف ولا روافع اقتصادية، وفي حركة المقاطعة، ولجان حق العودة، وانتفاضة السكاكين، والنهوض الثقافي ليعوض السقوط السياسي وصمود غزة، وتزايد دور شعبنا في داخل الداخل ...؛ إن كل ما سبق يطرح ضرورة إعادة تعريف القضية الفلسطينية، والتأكيد على طابعها كقضية تحرر وطني، وتشمل الشعب الفلسطيني وحقوقه في جميع أماكن تواجده، فلا يمكن اختزال القضية والشعب والحقوق في إقامة دولة أو "دويلة" على حدود 1967، أو على جزء من الأراضي المحتلة العام 1967، وهذا يقتضي إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية والتمثيل ومؤسسات منظمة التحرير، على أساس مشروع وطني يقوم على ما هو مشترك من رواية تاريخية، وحقوق تاريخية، ومواجهة أخطار واحدة تتجسد في مواجهة المشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني العنصري، الذي لا يزال مفتوحًا ولم يغلق، ويأخذ في الحسبان الخصائص المميزة والظروف الخاصة لكل تجمع.
ما سبق يعني أن إعادة بناء منظمة التحرير لن تتم بالطريقة القديمة، فهناك الآن بعد مرور 49 عامًا على تأسيس المنظمة حقائق جديدة، فلقد تغير العالم والمنطقة والإقليم وإسرائيل، وجرت مياه كثيرة في النهر الفلسطيني، وهناك دروس وخبرات يجب الأخذ بها عند إقرار ميثاق وطني جديد وبرنامج وطني جديد، ومؤسسات وطنية جامعة جديدة تقوم على أسس وطنية وديمقراطية وشراكة حقيقية، لا تبنى من فوق لتحت فحسب، وإنما من تحت لفوق، بحيث يمثل كل تجمع من ممثلين يختارهم أبناؤه وليس بفرضهم من القيادة والفصائل.




* هل تراجع إمكانية قيام دولة فلسطينية على حدود 1967 يعني أن إمكانية التسوية تلاشت كليًا، أو أن هذا يفتح طريق الدولة الواحدة؟

إقامة الدولة الواحدة الديمقراطية بعد تحرير فلسطين كان شعارًا فلسطينيًا، وإقامة دولة واحدة ديمقراطية تضم الفلسطينيين واليهود وهي الحل الجذري النهائي الذي يمكن أن تصل إليه، ولكن على أساس هزيمة وتفكيك المشروع الاستعماري الصهيوني وليس دولة أبارتهايد. كما أن من أفشل إقامة دولة فلسطينية على جزء من فلسطين سيُفشِل إقامة دولة واحدة على كل من فلسطين. وأي حل بحاجة إلى تغيير موازين القوى بشكل جدي، استنادًا إلى عدالة القضية وتفوقها الأخلاقي، وتضمين الشرعية الدولية للحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، وهذا هو الأهم، وهو يمثل المصدر الأساسي لاستمرار القضية الفلسطينية حية، وهو تصميم الشعب الفلسطيني على البقاء على أرض وطنه والدفاع عن قضيته ومصالحه وحقوقه مهما طال الزمن وغلت التضحيات.
إن الذي هزم الولايات المتحدة الأميركية في فيتنام، والذي أزال الاستعمار الاستيطاني الفرنسي قادر على هزيمة المشروع الصهيوني، وإزالة الاستعمار الإسرائيلي الاستيطاني من الضفة الغربية المحتلة.
يمكن بدلًا من الدخول في خلافات لا طائل منها حول أي برنامج نعتمد: برنامج الدولة الواحدة، أو الدولة على حدود 1967؛ يمكن الاتفاق على اعتماد البرنامج الذي رفعته حملة مقاطعة إسرائيل (BDS)، والذي يتضمن ثلاثة أركان: إنهاء الاحتلال، حق العودة، المساواة، ويمكن إبراز خطاب الحقوق على حساب خطاب الدولة.





* الانقسام


لن يتحقق إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة بشكل حقيقي إلا بالاتفاق على شراكة سياسية يشارك فيها الجميع كل حسب وزنه، من دون إقصاء ولا تكفير ولا تخوين، وهذا لم يتحقق، ولن يتحقق إلا بنشوء تيار ثالث وطني ديمقراطي قوي قادر على فرض إرادة الشعب الفلسطيني على السلطة وعلى الطرفين المنقسمين المتنازعين. في ظل الوضع الراهن، فإن أقصى ما يمكن الحصول عليه هو التعايش مع الانقسام بحكومة وفاق وطني أو من دونها، وباجتماعات وحوار واتفاقيات أحيانًا أو من دونها في أحيان أخرى.
ما يمكن أن يحصل إذا استمر الحال على ما هو عليه هو ما مررنا به، أي الوحدة على أساس الهيمنة لفصيل، أو لفصيلين، أو حتى لكل الفصائل على حساب الشعب. وهي وحدة ستكون هشة لا تسمن ولا تغني من جوع، وستكون معرضة للانهيار أمام أي خلاف أو تطور دراماتيكي كبير. والحل يكون بإنجاز وحدة على أساس رؤية شاملة وخارطة طريق كاملة وشراكة حقيقية وتوافق وطني على شكل الحل وطبيعته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اللحم ام العظم
ابراهيم احمد ( 2015 / 12 / 6 - 09:31 )
سيد هاني وانت من المحللين الموضوعيين على الساحة الفلسطينية
ما هي الوحدة الوطنية بالمفهوم المطروح؟ ومتى كانت وحدة بين اصحاب متجهات مختلفة في الاتجاه او في طابقية الحركة فوق او تحت
نتحدث عن ازمة، ومتى كانت هناك انفراجة ومصالحة وانسجام مع مشروع اجتزاء فلسطين
اقول اجتزاء لان القوى الفاعلة العالمية لا تتعامل مع حالة احتلال حتى القوى السياسية الفلسطينية نفسها بحجة االواقعية، فالمحتل نفسه لفلسطين الغربية وتبعتها الشرقية، فهو يضحك بملء الفيه ونحن ندعي الزهد برضانا بالعظم وترك اللحم له، فهل هذا كلام عقلاني وواقعي ان كلمت المفترس وقلت له كل لحمي وابقي لي عظمي، ويضحك اكثر ان انت هددته بغضبة لم يغضبها احد ان لمس العظم.... ونفسه يقولك صح النوم
الخلاصة لم تكن يوما وحدة وطنية منذ بدء الصراع منذ استفراد الاوصياء على الامة بفرمان من مكماهون واسم ثورة عربية كذابة شعارها وحدة العرب وفحواها الشرذمة والواقع الحالي يخرجنا من حالة التوقع الى الواقع لنعرف ان ما يحصل هو تفصيل وليس صدفة او غفلة شعبية تحتاج جلد الذات، ولم ينسى الغاصب من البداية ان يتعاقد مع ادارات لادارة شؤون الاحتلال للتمرير والتبرير والتنويم

اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع