الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صحوة الصين بين الماركسية وعالم الرأسمال

عبد المجيد السخيري

2015 / 12 / 6
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


صدرت مؤخرا الطبعة الأولى من كتاب "صحوة الصين بين الماركسية وعالم الرأسمال" عن منشورات "نوافذ" للباحث المغربي أحمد الحارثي، وترجمة وتعليق وتقديم عبد المجيد السخيري. الكتاب صدر بالفرنسية سنة 2012، بعنوان "الصين عالم والانسان الجديد"، وقد سبق لنا أن قدمنا عرضا تفصيليا لأطروحته قبل الانتهاء من ترجمته وأثنائها في مقالين نشرا على التوالي بكل من مجلة: "المستقبل العربي" التي يصدرها مركز دراسات الواحدة العربية ( عدد421، مارس 2014)، ومجلة "سياسات عربية" الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسة ( عدد 10 شتنبر 2014).
ويسعدنا هنا أن نقدم ملخصا لأهم محاور الكتاب لقراء "الحوار المتمدن" من أجل تقريب القارئ من الاشكالية التي يتعرض لها المؤلف، ونترك له حرية تقييم الكتاب حين الاطلاع عليه ولعله سيتولى هذه المهمة على أحسن وجه مما يمكننا فعله لأسباب خاصة.

أطروحة الكتاب

تتركز الأطروحة الأساسية للكتاب في اعتبار المؤلف أن العالم القديم الذي يمثله الغرب الأوروبي يشعر بالخوف والقلق وهو يرى نفسه متجاوزا من طرف عالم جديد للحداثة في طور الولادة، الذي ترمز له الصين الصاعدة، وهو الخوف الذي يجد له ترجمات كثيرة؛ منها مقاومة نزعة التمركز الأوروبي لأجل طرد هذا الخوف من خلال التغاضي عن العالم الجديد الذي تمثله القوة الصاعدة، وهي النزعة التي تتغذى من الهواجس الهوياتية داخل أكثر الفضاءات هشاشة على مستوى إدماج واستيعاب الآخر بأوروبا، وتنزع أكثر نحو الشوفينية والتقوقع في الإيديولوجيا اليمينية المتطرفة التي وجدت أخيرا في الصين مشجبا مثاليا تعلق عليه أسباب الأزمة المتفاقمة للنموذج الرأسمالي السائد في الغرب. غير أن المؤلف بالمقابل يرى ضرورة إدانة الانحراف السلطوي للنظام الصيني على غرار ما حصل مع "الاشتراكيات القائمة أو الفعلية" المنهارة بذريعة رفض الديمقراطية الشكلية، مع الحذر من الارتداد عن المكاسب المتحققة بتدخل وضغط قوى رجعية وامبريالية لا تتردد في معاقبة أي نموذج مغاير للتنمية والتقدم.
ومن ثم يرى المؤلف أن الأمل يبقى قائما في أن ينجح هذا الفضاء المركب الذي تمثله الصين-عالم في إطلاق مسلسل بناء عالم أفضل ارتكازا على قيم وانتظارات جديدة تضع في الاعتبار ضرورة تجاوز كل عيوب ونواقص ومساوئ النظام الحالي. وهو يعتقد أن العرب والأفارقة هم أكثر من سيستفيد من الإسهام بشكل أفضل في سيرورة هذا البناء وصيرورته، واستعادة دورهم الحضاري واستثمار أحسن لمؤهلات ومقدرات شعوب المنطقة، وما تزخر به بلدانها من موارد طبيعية وحيوية وطاقات بشرية.

فصول الكتاب

تتوزع الفصول الستة للكتاب على قسمين أساسيين، إضافة إلى مقدمة قصيرة وخاتمة في شكل فصل أخير، وببلوغرافيا مختارة.
في القسم الأول يقف المؤلف عند العوامل التاريخية والحضارية والسياسية التي كانت وراء الصعود القوي للصين على المسرح الدولي. ومن جملتها على الخصوص، تحسن أداء الصين الاقتصادي والاستراتيجي الذي جاء ثمرة انعطافة تاريخية كبرى شهدتها البلد ابتداء من الربع الأخير من القرن العشرين.، حيث أثمرت عملية التحديث المضطرد للبنيات الاقتصادية والثقافية والعلمية عن ارتفاع الروح المعنوية للشعب العامل. كما أن التحول المذهل في الأداء الاقتصادي ليس ببعيد عن بلد وريث لحضارة عريقة كانت لقرون من الزمن أقوى وأمكن من الحضارة الغربية فيما يرجع لاستخدام العلوم، وخاصة التطبيقية والتقنية منها، قبل أن تتخلف عنها بسبب العجز عن مواكبة نتائج الثورات العلمية الحديثة، تحت ضغط المناخ السياسي الداخلي الذي عطل حريات البحث العلمي والفكري وكرس الجمود العقلي والتقوقع في الماضي. وقد كان للصدمة الناتجة عن الغزو الغربي للصين بداية من القرن 18 وقع كبير في نفوس وعقول قيادات الأمة الصينية المنقسمة والمتناحرة داخليا، ما جعلها تدرك أن تخلف البلد وتعطَُل مسيرته الحضارية هو نتيجة مركبة لتخلف البنى الاجتماعية والتنظيمية وتصلب الثقافة التقليدية وتحجرها. وبداية من ثورة 1911 ومرورا بحركة 4 مايو 1919، وثورة 1949، ثم إصلاحات 1978، ستبدأ عملية تقليم أظافر التقليد وفسح المجال أمام القوى التحررية للشروع في تنفيذ برنامج تحديث واسع للمجتمع الصيني.
والواقع أن الخوض في المسألة الصينية اليوم ليس بالأمر الهين ولم يكن يوما كذلك، يقول المؤلف، بل هو يتطلب جهدا علميا كبيرا ومغامرة فكرية قد تكون متعبة، فيما أضحت ضرورية لولوج مناطق بحث كانت حتى وقت قريب من احتكار الغربيين، واستثمار مزايا هذا النوع من البحث العلمي للتمكن من مسالك الذكاء الاستراتيجي والخروج بالعقل العربي والإفريقي من المحلية ونزعة الانغلاق على الذات، والانفتاح على دروب الوعي العالمي، وإعادة التفكير في العالم خارج الأطر السائدة في الغرب المهيمن. فالتفكير في الصين، يؤكد الدكتور أحمد الحارثي، هو اليوم بمثابة تفكير للعالم، إذ ما عاد ممكنا تجاهل ما يجري بهذا البلد وما تفكر فيه الأمة الصينية وما تخطط له وتفعله، باعتبار ما تمثله التجربة الصينية من آفاق واعدة على صعيد بناء حضارة كوكبية جديدة، وما تقدمه من دروس ما أحوجنا لتمثلها بحكم القرب من الدينامية العالمية التي تتجه نحو الشرق كبؤرة كون جديد.
ففي هذا القسم يغوص المؤلف عبر ثلاثة فصول في المحطات الفاصلة من تاريخ العالم الأصلي للحداثة كما أطلق عليه، معرجا على أحداث مفصلية طبعت تحولات هذا العالم وشيخوخته. فقد توقف، ومن خلال عرض مكثف، عند الوقائع الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تسلط الضوء على صيرورة العالم الغربي، مع ما اُستخلص منها من دروس ودلالات بشأن استنفاذ الحداثة الأورو-أمريكية لمخزونها التقليدي وأشكال ممارستها، والأزمات التي لاحقتها في القرن الماضي على الخصوص. وانصب اهتمام المؤلف في هذا القسم على استرجاع وتحليل التحولات الثقافية للنموذج الغربي للتقدم، المتشابكة مع التغيرات السياسية والاجتماعية التي عصفت به في أكثر من محطة، دون أن يغفل عن تشخيص واسترجاع أحوال الحضارات المجاورة والمنافسة للحضارة الغربية، مثل الحضارة الإسلامية والصينية، ليتبين من خلال ذلك أفق ميلاد العالم الجديد، ويترصد سيروراته ومصادره اليوتوبية وومآلاته الواقعية.
أما القسم الثاني فقد كرَس المؤلف فصلين منه لاستعراض فصول من تاريخ الصين القديم، مقتفيا أثر نشوء الحضارة الصينية، دون أن يكون هاجسه في ذلك دراسة تاريخ الحضارة والثقافة الصينيين، بقدر التوقف عند مصادر وجذور الخصوصية الصينية، وما انطوى عليه تاريخ البلاد من منعرجات كانت ترشحها لتبوء مكانتها المستحقة بين الأمم المتقدمة. ففي مطلع القرن الخامس عشر كانت الصين تمتلك أكبر أسطول بحري في التاريخ، ما كان يسمح لها بالتربع على عرش العالم، بل إن حملاتها البحرية كانت ترشحها لاكتشاف العالم الجديد قبل أن يفعل ذلك الغرب، الذي كان لا يزال يتلمس طريقه إلى عصر الحداثة، غير أنها فوتت على نفسها هذا الخيار، مع أنها امتلكت في العهد الامبراطوري لسلالة "مينغ" أكبر سلاح بحري في الكون من حيث الحجم والهالة. غير أن الحملات والكشوفات البحرية للصين لم تكن بغرض البحث عن الخيرات المادية والهمينة الجيو-سياسية، بقدر استعراض عظمة البلد وهيبته وانتزاع الاعتراف بذلك. وبسبب ابتعادها عن مشاغل الهيمنة السياسية والاستراتيجية وتقوية نفوذها الاقتصادي، لم تتردد الصين في اتخاذ قرار غريب بتوقيف حملاتها البحرية، ما وضع حدا لسياسة الانفتاح الخارجي للبلد وانغماسه من جديد في انعزاليته التقليدية، بل وتدمير أسطولها البحري والتخلي عن صناعة السفن. وكان على الصينيين أن ينتظروا قرونا ليستعيدوا الشعور بعظمة أمتهم وكبرياءها، خاصة لما بلغت الإهانة حدا لا يطاق في العصر الحديث إثر الاحتلال الياباني، وبعد سلسلة من الحروب والثورات الداخلية التي أعقبت أفول عهد آخر سلاسة حاكمة. وكانت ثورة 1911 بقيادة سان ييت- سين قد مثلت طفرة نوعية في التاريخ الحديث للصين، بنجاحها في إرساء نظام جمهوري وتدشينها لأحداث ثورية جديدة، خاصة بعد الحرب العالمية الأولى التي وضعت البلاد في موقف كارثي استشعرته نخب المثقفين والبرجوازية الحضرية في وقت مبكر، ليكون بذلك بداية مسلسل طويل من الصراعات السياسية والإيديولوجية والعسكرية الدامية بين أجنحة الحركة التحررية. وبعد قيام الجمهورية الجديدة برزت الصين كقوة دولية صاعدة لتستعيد ماضيها المجيد كوريثة واحدة من أعرق الحضارات الإنسانية؛ إنما هذه المرة أيضا كأمة موحدة مرشحة لأداء دور تركيبي بين مكاسب الحضارة الغربية، وبين ما تزخر به حضارات الشرق من مؤهلات وطاقات. واعتبر المؤلف أن مكانة الصين اليوم في العالم، وما يبشر به صعودها المتواصل من آمال في إعادة بناء صرح حضارة كوكبية جديدة وبديلة للعولمة الطاغية، هو نتاج مميزات تنفرد بها على أكثر من صعيد، فضلا عن ذكاء قيادتها السياسية وتمتعها بحس استراتيجي رفيع، وقوة ارتباط جالياتها في العالم بالوطن الأم. وقد أفرد المؤلف الفصل الأول من القسم الثاني لإبراز أهم عوامل القوة المفسرة لمسيرة الصين الطويلة نحو التقدم والتألق الحضاريين، خصوصا ما يتصل بالبنية الديمغرافية التي تنفرد بعدد من المزايا، وجودة مورادها البشرية وفاعليتها؛ كما أن الموارد الطبيعية الضخمة والمتنوعة لعبت دورا لا يستهان به، والتطور المذهل الذي تحقق على مستوى البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية والشبكة الاتصالاتية متنوعة الخدمات، وتطوير أنظمة التعليم والتربية والتكوين العصريين. كما توقف عند المؤسسات السياسية، مسجلا أن نظام الدولة الحالي بالصين يعتبر ثمرة الاصطدام مع الغرب الغازي ابتداء من القرن 19، وانتشار الأفكار الثورية التي هزت أركان العهد القديم، وحملت الصين إلى عهد جديد، مع نجاح ثورة 1949 وقيام جمهورية الصين الشعبية، والذي سيتطور بداية من سنة 1976 في إطار نهج"اشتراكية ذات خصائص صينية" اعتمد نجاحها على الدراسة الدقيقة والتخطيط الاستراتيجي القائم على الواقعية والحذر والفعالية والتدرج في التطبيق، وكانت ثمرة الإصلاحات الكبرى مبهرة بجميع المعاني.
وينتهي المؤلف في الفصل السادس الذي جاء في شكل خاتمة مطولة، إلى التأكيد على حقيقة أن العالم القديم الذي يمثله الغرب الأوروبي يشعر بالخوف والقلق وهو يرى نفسه متجاوزا من طرف عالم جديد للحداثة في طور الولادة ترمز إليه الصين الصاعدة. وهنا يؤكد الكاتب أن نزعة التمركز الأوروبي عمدت إلى طرد هذا الخوف بالنهل من الهواجس الهوياتية داخل أكثر الفضاءات هشاشة على مستوى إدماج واستيعاب الآخر بأوروبا، والنزوع نحو الشوفينية والتقوقع في الإيديولوجيا اليمينية المتطرفة التي وجدت في الصين العدو المثالي لتعليق أزمات واختلالات النظام الاقتصادي والاجتماعي للغرب. فالمحافظون الجدد ركزوا على إدانة النموذج الصيني من خلال استثمار ذكي لانتهاكات حقوق الانسان.على أنه لا يبدو من المنطقي، بنظر المؤلف، أن تطرح المسألة الديمقراطية في الصين دون مراعاة كثافة سكان بلد شاسع المساحة، وأهمية الثورة الاجتماعية التي أنجزها ببعدها المزدوج: التحرر الوطني والقطيعة من الرأسمالية، ما سمح للصين بإرساء نظام جديد يقوم على نوع من الديمقراطية الشعبية وانتهاج سبيل مختلف نحو الحداثة. وفي المقابل لا ينكر المؤلف أن النزعة التسلطية غالبا ما تركب مزاعم التميز التاريخي لشرعنة نفسها والحفاظ على نظام الاستبداد الفردي وتأبيد نظام مركزي لا يزال بعيدا عن الدمقرطة، رغم التقدم النسبي الذي تحقق على مستوى الديمقراطية المحلية بفضل اعتماد جهوية متقدمة، كما لا يتردد في كشف خواء الحجة التاريخية التي تلجأ إليها الأنظمة الاستبدادية للالتفاف على المطلب الديمقراطي في بعده الشامل بدعوى التميز وسلوك سبيل مختلف للتقدم، من ثم ضرورة إدانة الانحراف السلطوي للنظام الصيني .
أما بخصوص العلاقات الأفروعربية-الصينية، فقد أكد المؤلف أنها لا تزال دون المستوى المأمول، حيث أن العرب والإفارقة لا يزالوا بعيدين عن التأثير في مجري الزمن العالمي، في حين أن الصين لم تبد استعدادا كافيا وفعليا لبناء علاقة شراكة استراتيجية معهما، واكتفت حتى الآن بالتركيز على مصالحها الاقتصادية مع البلدان الغنية بالمواد الأولية ومصادرالطاقة. غير المؤلف يأمل مع ذلك في أن ينجح هذا الفضاء المركب الذي تمثله الصين-عالم في إطلاق مسلسل بناء عالم أفضل ارتكازا على قيم وانتظارات جديدة تضع في الاعتبار ضرورة تجاوز كل عيوب ونواقص ومساوئ النظام الحالي.

قراءة ممكنة/ ممتعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هكذا علقت قناة الجزيرة على قرار إغلاق مكتبها في إسرائيل


.. الجيش الإسرائيلي يسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح




.. -صيادو الرمال-.. مهنة محفوفة بالمخاطر في جمهورية أفريقيا الو


.. ما هي مراحل الاتفاق الذي وافقت عليه حماس؟ • فرانس 24




.. إطلاق صواريخ من جنوب لبنان على «موقع الرادار» الإسرائيلي| #ا