الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الدائرة الجهنمية و المائية عالميا و عربيا

هيثم بن محمد شطورو

2015 / 12 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


عصر التنوير الاوربي. الثورة الفرنسية. الثورة البلشفية الروسية. ثلاث عناوين مؤسسة للعصر الحديث قيميا و روحيا في انتاج واقع جديد. حرية المرأة. حرية الانسان. العدالة الاجتماعية. الانـتـقال من مقولة الداصة و الخاصة و مرادفها الغوغاء و النبلاء أوربيا الى المواطنين السواسية الأحرار و البروليتاريا الثورية ذات الحقوق في الكرامة الانسانية في صراعها ضد اقانيم الملكية اي البورجوازية. حرية الاعتقاد و الثورة على الدين او بالأحرى سلطة المؤسسات الدينية التي تم كـشف بشريتها و اطماعها و اندماجها في الآلة الاستغلالية للمستضعفين في تـناقض تام مع المرحلة التأسيسية لتلك الاديان او النزوع الانساني الرباني عند الانبياء الباعثين لكلمات الرب الى الوجود.
مع الابداع و الصناعة و التكنولوجية تبدو هذه هي عناوين الحداثة و العصر الحديث و التـفاعل بين هذه العناوين سواء داخل اطر الصراع او التمازج. لكن كانت فـقـاقيع صنعها الاستعمار البريطاني اساسا و تسلمت ملفاتها الدوائر السرية الامريكية. الفـقاقيع كبرت حتى غدت تهدد الحداثة بما هي اساسا مقولة الانسان الحر. انها الانظمة الدينوية لآل سعود اساسا و اسرائيل ثم النظام الخامنئي في ايران.
ان هذه الكيانيات الاصطناعية البريطانية تأسست لتؤمن النظام الرأسمالي الامبريالي في العالم. و طبعا فبريطانيا ليست كفرنسا فهي ضمت الدين تحت عباءة الرأسمالية و الحداثة الصناعية الاستعمارية. الملكية الدستورية البريطانية التي لا زالت تـقـدس البروتوكولات الملكية و التي لم تجرأ الى اليوم على انشاء دستور مكتوب، تخفي مختلف الألاعيب الممكنة من الخداع و التلون، حتى انك تـندهـش من الذكورية الفاعلة في المعيش الثـقافي الانكليزي و الامريكي اليومي.
هذه الكيانات التي تعتبر اصابع الاخطبوط الانكليزي فالأمريكي تضرب احيانا الراس و لكن هذا لا يعني انفصالا عنه لان في الانفصال موت الاصابع و الراس. من هنا لا نستغرب احتضان بريطانيا للتيارات الاسلاموية. انها ازمة صعود هذه الانظمة الرجعية في الاطراف بالنسبة للمركزية الاوربية الحضارية و التي تهدد الوجود الحضاري الاوربي و الوجود الانطولوجي للحداثة عالميا بما هي في عناوينها التي ذكرناها. من جهة اخرى نتبين الازمة المالية الرأسمالية و موازاة مساراتها مع تـنامي بروز القوى الرجعية في الفعل الدولي و التي أوجدت لنـفـسها بؤرة حرارية صورت على انها الاكثر توحشا و بربرية لتغطي على توحشها الآني و التوحش الاستعماري الامبريالي و آخرها الهمجية و التوحش الامريكي في غزوه للعراق و الذي يفوق بآلاف المرات صور التوحش التي تم عنونتها بالداعشية فالاسلاموية فالإسلام فالعرب، اذن العرب ليسوا ضحايا و لا يستحـقون الشفـقة بما انهم متوحشون و لهم تاريخ متوحش.
فالقـتل على الهوية للعراقي السني على ايدي الميليشيات العرايرانية هي على نفس خط النار لتصريحات وزيرة العدل الاسرائيلية التي اعتبرت كل طفل فلسطيني هو ثعبان يهدد اسرائيل النقية الخيرة. اسرائيل التي وصلت الى اعلان هويتها الحقيقية بعدما ظهرت داعش و الصراع الطائفي في المنطقة و تـقدم آل سعود نحو المواجهة العسكرية المباشرة في اليمن، و بعد صعود الاخوان و افولهم في مصر و تونس و استمرارية بقاء مشروعهم عبر الحاضنة الاردوغانية و القطرية، و امام التهديد العالمي للغازات الملوثة للأرض نتاج الطاقة البترولية التي دمرت الانسان و تهدد بتدميرها للأرض. هنا كأن الاصابع قد طالت حتى تخيلت نفـسها رؤؤسا و هو ايذان باندثار الاخطبوط الامبريالي الانكليزي الامريكي برمته.
فرئيس الوزراء الاسرائيلي "نتانياهو" يخاطب وزير الخارجية الامريكي "جون كيري" قائلا ان اسرائيل لا تحتمل وجود قوميتين. و في هذا السياق يطالب الفلسطينيـين بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. و طبعا هذه الهوية اشتغلت عليها سابقا بتأسيس التيار الاخواني الاسلاموي حماس الفلسطينية لتؤسس شرعية الهوية اليهودية مقابل الهوية الإسلامية قافزة على الوجود المسيحي الفلسطيني من جهة و مستبعدة منظمة فتح و الجبهة الشعبية و الجبهة الديمقراطية و هي الفصائل الفلسطينية الوطنية التي تعتبر امتدادا للسياق الحداثي، و متجاوزة حتى للعنصر اليهودي الرافض للكيان الصهيوني و الذي يعتبره خروجا و كفرا بالديانة اليهودية.
انك هنا امام عنوان رئيسي عام، هو الذي يحدد عمق الصراع و هو صراع حضاري بامتياز و ما الشكل الرأسمالي الامبريالي إلا مظهره الاقـتصادي و السياسي و الاجتماعي. انه فعلا العنوان الهنتـنغـتوني و لكن على مسار آخر، أراد هو نفسه تغطيته ربما من حيث ألحق اوربا بأمريكا خالطا بذلك السياسة الاوربية مع روحها و حركة مجتمعاتها الثـقافية و الاجتماعية و التاريخية، و المتناقضة مع الكيانية الامريكية، ففي نهاية الامر الولايات المتحدة ما هي إلا نفايات اوربا من البشر المجرمين.
هذا الصراع بين المستـقبل الانساني كوجود حر عدالتي اشتراكي يحارب الزيف و الاغتراب الانساني و هو ربما في اتجاه التوجه الحر نحو الله المجرد الصافي من كل التـشويهات الدينوية السلطوية الاستغلالية التي اريد من خلالها حجب وجه الله عن الارض باسم الرب، و بين الكيانات الرجعية الحاقدة على المساواة بين البشر و قيم التكافل الانساني و التوزيع العادل لنعم الله على خلقه و الرافعة لشعارات التميز الوهمي على بقية البشر و الخالقة لشرعية استغلالها و قـتلها للإنسان من اجل انانيتها الحقيرة.
انها ليست لحظة مفصلية على المستوى الفلسطيني و العربي و انما العالمي برمتها. انها لحظة اعادة تأسيس للإنسان التـنويري عالميا و هو الذي لا يمكن ان يكون إلا في الحسم مع الامبريالية الاستعمارية المتأسسة بدورها على وهم او مرض الاحساس بالتـفوق الأوربي، لان الداعـشية و الخمينية و الصهيونية تؤكد ان العالم اصبح فعلا متقاربا الى بعضه كثيرا و ان الانسان في كل مكان مصيره مرتبط بأخيه الانسان. انك هنا امام هجمات باريس لا يمكن لك الا ان ترحب بالتدخل الروسي كعامل مناقض و كقوى تخلق التوازن العالمي، و كانـفـتاح لعالم انساني متوازن القوى على جميع الاصعدة يمكنه ان يتـفق على التـنويرية الحداثية العقلانية الانسانية كأساس للاختلاف، و ليس بتهديد وجودها.
و هذا الانفتاح على الوعي بالأزمة العالمية انطلاقا من هذه الزاوية بدأ فعلا في فرنسا و أوربا و لعل التعبير السياسي الابرز له تمثل في تصريح وزيرة الخارجية السويدية التي اعتبرت ان ما يغذي الارهاب و من اوجده هو الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية و مشاهد الارهاب الاسرائيلي ضد الفلسطينيـين. هذا التصريح لا يختلف كثيرا عن انـتـقادات وزيرة خارجية سويسرا لملف حقوق الانسان في السعودية. انه لا يختلف كثيرا عن اعطاء جائزة نوبل للسلام للمناضلة الحقوقية الايرانية "شيرين عبادي". انه عالم جديد بصدد الولادة من رحم الثورات العربية و الخلطات التدميرية الدموية. عالم يكون فيه للعرب وجود فعلي ان تمكنوا من ايجاد وجود جديد لانفسهم. وجود يقوم على الوعي الشامل بالعالم اليوم، و وعي فلسفي عام يتجه ناحية الانفـتاح على المستـقبل الجديد اساسا كتـناقض ضروري مع اي رجعية في الرؤيا الى الماضي الموهوم المتاسس كحفرة جهنمية تبتلع وجودهم وسط القداسة الزائفة الواهمة المنتـشرة حاليا....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق


.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م




.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا


.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان




.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر