الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذاكرة و استشراف الحياة قراءة في عصافير النيل لإبراهيم أصلان

محمد سمير عبد السلام

2005 / 11 / 3
الادب والفن


تستدعى رواية " عصافير النيل " للأديب الأستاذ/ إبراهيم أصلان – عن اليونسكو بالتعاون مع الأهرام 2002- ارتباطاً وجودياً بين منطق التداعي الإبداعى والتكوين الحيوي للشخوص فى الواقع ، فهم سلالة عائلية متخيلة ، يجمعها شارع فضل الله عثمان بنواحيه المستعصية على الكشف ، والتى تشكل أفقاً للوجود وللرؤية في عقل الراوي ، يحرف تكوينات الشخوص الواقعية ، فمنهم من يتولد من ثرثرة أو تاريخ زائف أو من صورة فوتوغرافية ناقصة المدلول ، أو يلتحم بوعي الآخر كأنه يحيا ويموت في هذا الوعي ، دون نقاط واضحة للبداية والنهاية . إن انتشار هذه الشخصيات في فضل الله عثمان يوحي بمعرفة الراوي الملتبسة بها . أي أنها تولد من ذاكرته ، من لحظة الماضى التي يختلط فيها العدم بإمكانات الحضور في وقت واحد ، فتاريخ كل من " الجدة هانم " و"البهي عثمان " و " نرجس " و "عبد الرحيم" و" عبد الله" ، يحمل معني (الغياب) – بذكر الراوي لموت بعضهم في بداية النص – وكذلك الوجود فى مستقبل الكتابة النابعة من ذاكرة الراوي لحظة التدوين ، وكأن هذه الذاكرة تكتسب حياتها البيولوجية من تفرد هؤلاء في مواقع فضل الله عثمان التعبيرية – رغم هامشيتهم الظاهرة ، وبهذا الصدد يري (ايمانيول ليفيناز) أن المستقبل هو مالم ولن نقبض عليه أبداً ، حيث يكون الموت هو عدم إمكانية امتلاك مشروع علي الإطلاق ونظل – مع ذلك – في علاقة معقدة به (راجع – سان هاند وآخرين / مستقبل الفلسفة / ت/ مصطفي محمود محمد – عالم المعرفة 2004 فهل تهرب الذاكرة إلي المستقبل خوفاً من العدم ؟ أم أنها تحيا من خلال العبور إلى وعى الآخر رغم اتخاذها منظور العاكس ؟ ذلك الأقل علماً من الشخصية في الأغلب ، إذا اعتبرنا تاريخ الشخوص جزءاً من تداعيات النص السردي غير المعروفة سلفاً. هكذا يصير السرد نقطة توليدية لحياة الراوي وأبطاله ، خارج نطاق سيطرتهم
تبدأ الرواية برحلة غامضة للجدة " هانم " نحو ابنتها " نرجس " عقب وفاة الأخيرة ، فتختفى عن الأحفاد. إن إصرار الجدة على حياة " نرجس " يحول الموت إلى مسافة فارغة تحمل معني الحياة إذ يمكن العبور من خلالها إلى الآخرين من خلال حضور فائق للذاكرة يلتحم به الراوي ليقص بالتداعي الإبداعي تاريخاً تحريفياً لنرجس وعبد الرحيم ، نستطيع أن نعثر من خلاله علي معني تأكيد الحياة والرغبة في أداء تفاصيلها عقب الموت عند كل من " نرجس " و" عبد الرحيم " فيتعلق وعي الأولى بالنور كتيمة للوجود ، وتتمني أن يصاحبها في قبرها ضوء كهربائي . أما الآخر فيحرص على ملابسه الداخلية وأشيائه الخاصة أثناء مرضه بالمستشفى ، فهما يستشرفان حضوراً بديلاً للصورة يرتبط بقبول الموت ومقاومته في آن ، فالضوء والملابس الداخلية امتدادات غير مرئية لخصوصية الذات وحياتها في ذاكرة الراوي والجدة. وتظل رحلة الجدة إلى بيت نرجس بلا مضمون سوي التجول فى الفراغ ، إذ تنفصل – في وحدتها العبئية – عن الآخر والأرض ومنزل نرجس وشبح عبد الرحيم ، بينما تعاين صور الحياة في أشجار الكافور والفاترينات ، والوجوه والبيوت المفتوحة حيث تكمن الصور الأخرى لنرجس وعبد الرحيم في احتمالات غياب هذه الوجوه والأشياء عن مدلولها الأصلى ، والتباسها بصورتيهما ويقاوم (البهي عثمان) – زوج نرجس – سلطة الأب الممثلة في سلطة الإجراءات الروتينية المرتبطة بتجديد سن معاشه ، وذلك من خلال الأداء المسرحي لعرض الشكوي أمام نرجس ، وتعلو نزعة الفرح بالحياة في هذا الأداء حتي يتغير في كل مرة كأنه يسخر من سلطة المجتمع علي طاقاته الغريزية . هل هي ذكريات العنف في وعي الجماعات البدائية ؟ أم الانتصار التمثيلي علي الأب من داخل قداسته كما هو عند (فرويد) ؟ ويستمر البهي في ملامسة هذه الصور وتجلياتها الأخرى في الواقع ، حيث تتولد فيه كراهية لمحمد الرشيدي الذى أذاع سر الشكوي حتي يصطدم بقوة الأب / الاجراءات فينفصل عن العالم ، ويعايش صخب الصراع وآثاره في الوعي دون موت واضح للأب أو تحقيق لحياة الشكوي الأخرى ، ثم تحيا صورته عقب الموت متخذة موقع الأب من محمد الرشيدي ، إذ يسأل نرجس " أين كبروا صورة أبى عبد الله " لحقق فعلا خيالياً يحاكي الانتصار.
وتسيطر (علي عبد الرحيم) صورة الاتساع الخيالي للأشياء الحاملة لمدلول الجسد وجمالياته التكوينية وآثاره وطاقته ، فيرفض التنازل عن فضاء (الجلبية البلدي) أمام أفكار زوجته ، كما يهتم بمراقبة الأولاد أثناء صيدهم للسمك، أو دورة حياة الدودة في يده ، وتعلو حركة الاتساع بداخله عندما يختار عود غاب كبير للصيد ، اذ يقترن في أحلامه بلا نهائية البحر ، ثم يلفت نظره لون العصفور الأزرق بعدما صاده ، لأنه يلائم رغبته في امتداد الجسد في صور الماء أو الهواء أو صور النساء اللاتي تزوجهن , ويمثل (الموضوع الخارجي) إذا كان جماداً – طاقة جسدية كامنة فى عقله فيربط إحدي أسنانه في مسمار وينتزعها ليراقب حركة الموضوع وطيرانه المتحرر وصورته الممتدة في لا وعيه. وتظل آثار الاتساع كامنة في جسده أثناء غسله ثم دفنه ، من خلال وعي الآخر ، الراوي و(عبد الله) ابن أخته نرجس ، حيث يتذكر الأخير حياة خاله حاملة لأصوات عصافير النيل ، وهي تهلل خلف جسد (عبد الرحيم) من زاوية المتلقي ويقترن حضور " نرجس " عند
" الجدة " بأضواء الحياة في فضل الله عثمان ، كما تحرص علي تحويل صورتها إلى الامتزاج بالأشياء المنزلية مثل طبق الأرز الكبير أو السرير القديم وعقب احتجاب هذه الأشياء أو استبدالها بأخري تختفي نرجس في غيبوبة المرض والموت ، لتحتل موقع أشيائها في حركة عكسية لعبد الرحيم ويواصل عبد الله – في الكتابة اللاواعية – رحلة الجدة غير المبررة ، خلف عصافير النيل ، حيث تحمل مدلول الجدة ونرجس وعبد الرحيم وتختفي في الهواء دون جدوي للامتلاك . أما (فضاء فضل الله عثمان) قله حياة تعبيرية وذاكرة فوتوغرافية في وعي الراوي وشخصياته علي حد سواء ، فهو مصدر لتوتر المعرفة ونسبيتها الوجودية فلا تميز فيه سوي كلمة تقولها امرأة ، أو شباك أو جزء من جدار ، كأنه خارج للتو من ذاكرة تصويرية مبدعة ، تحتل الراوي ، فيقف مندهشاً أمام احتجاب شخصياته المفاجئ ، أو ينتقل توتره المعرفي إليهم ، فعقب وفاة (نرجس) جاءت امرأة تسأل إحسان عن شال أحمر كانت ترتديه الأولي ، هكذا تخيلتها في فضل الله عثمان ، بينما لا يوجد شال أحمر بالأساس هكذا تلتصق الصورة بالوحي فتخرج الإدراك عن حدوده الواقعية إلى متاهة سحرية ، يصنعها المكان ، وحياته الخاصة وحجبه وطرائقه الفوتوغرافية الحداثية ومابعد الحداثية في الكشف . هكذا تعاطف الشارع - في وعي الراوي والمتلقي – مع نرجس في مرضها بتعاقب حالة الصمت مع غيبوبتها – علي مستوي الكتابة – ونفاذ الرؤية فيه إلى (أعمدة خشبية وأقمشة للسرادق وأقفاص للجريد) تذكرك بطاقة الجسد الكامنة في الغياب وتحث علي استحضار تاريخ آخر للشخوص تمتد به الكتابة دائماً في المستقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا