الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبو مازن والبط الأعرج

أوري أفنيري

2005 / 11 / 3
القضية الفلسطينية


عشرون دقيقة فقط تفصل بين مكتب رئيس الحكومة في القدس ومكتب الرئيس الفلسطيني في رام الله. ولكن هذه المسافة أطول من السفر إلى القمر.

صرّح أريئيل شارون أمس الأول، للمرة المليون، أنه سيلغي اللقاء الذي تم تحديده بينه وبين أبي مازن. السبب: أبو مازن "لا يعمل ضد الإرهاب". هذه ذريعة معتادة، ولكن العمل ذاته يبدو غير معتاد.

الحملة المتواصلة للقضاء على أبي مازن قد دخلت الآن إلى مراحلها النهائية.



لأسف شارون وشركاه، لا يمكن "تصفية" أبي مازن حسب الأسلوب المعتاد، كما تمت "تصفية" الشيخ أحمد ياسين وعشرات آخرين من الزعماء الفلسطينيين. بالنسبة لأبي مازن يُمنع حتى استخدام كلمة "تصفية"، وهو مصطلح رسمي في الجيش الإسرائيلي مستقى من قاموس "المافيا".

ارتفاع شأن أبي مازن بعد تصفية عرفات – تصفية ما زالت ظروفها غامضة – أضاء الأضواء الحمراء فورا في مكتب شارون، الذي ترتكز كل برامجه على الشعار "لا يوجد مع من نتحدث". غير أن أبا مازن يبدو بأعين العالم، وبأعين جزء لا بأس به من الجمهور الإسرائيلي، زعيما يمكن التحدث معه. الأنكى من ذلك أنه يبدو كذلك بعيني الرئيس بوش.

هذا يلزم بتوجّه حذر. شارون يصافح أبا مازن، في العقبة وأسنانه تصطك، بحضور بوش. إنه يرى، لمزيد أسفه، كيف يُستقبل الزعيم الفلسطيني في البيت الأبيض ويستمع إلى بوش وهو يكيل المديح للانتخابات الديمقراطية التي يجريها الفلسطينيون. من يوم إلى آخر تتزايد خطورة تحقيق الأمريكيين لكابوس إسرائيلي قديم: "سلام مفروض"، يُجبر إسرائيل على العودة إلى الخط الأخضر، أو ما شابه ذلك.

لهذا السبب، ينتهج شارون تكتيكا ذكيا: كسب الوقت، انتظار تغيّر الظروف، وفي هذه الأثناء يكتفي بغرس الأشواك في صورة أبي مازن. لم يكن بالإمكان خوض حملة من الأبلسة المنتهجة، كما فعل مع عرفات، من خلال تجنيد كافة وسائل الإعلام في إسرائيل وبين أوساط اليهود في العالم. ولكن هناك رسالة يومية تبثها وسائل الإعلام: أبو مازن خرقة، أبو مازن لا يساوي شيئا، أبو مازن غير قادر على القضاء على "بنية الإرهاب التحتية". لا مكان للتحدث معه.

في هذا الأسبوع، زادت حدة هذا الأسلوب. لا رحمة على أبي مازن المسكين، الذي يحاول دون جدوى، بل هجوم مباشر عليه. وقد قيل أن أبا مازن لا يرغب في القضاء على الإرهاب أبدا. الصفحات الإخبارية في كافة الصحف، ابتداء من "معاريف" وانتهاء بـ "هآرتس"، تم تجنيدها لهذه الحملة. محطات الراديو والتلفاز انضمت هي أيضا إلى هذه الحملة بشغف.



إلى جانب الهجوم السياسي، تجددت المواجهة المسلحة بكل قوّتها.

من الذي بدأ؟ هذا متعلق لمن نوجّه السؤال. وكما جرت العادة، كل طرف يدعي بأن هذه الجولة الجديدة قد بدأت بعمل بشع من قبل الطرف الآخر. إذا أردتم، يمكننا أن نعود بهذه الطريقة 120 سنة إلى الوراء، إلى الحجر الأول الذي ألقاه راعي فلسطيني باتجاه المستوطن اليهودي الأول، أو الضربة الأولى التي وجهها المستوطن اليهودي الأول إلى رأس الراعي الفلسطيني الذي ساق ماعزه إلى أرضه.

من الناحية العملية لم يتوقف النزاع للحظة واحدة. صحيح أن الفلسطينيين قد أعلنوا عن "تهدئة"، ولكن هذه الاتفاقية كانت بينهم وبين أنفسهم. لم يكن الجيش الإسرائيلي شريكا، وقد واصل اجتياحه للمدن والقرى الفلسطينية، اعتقال "المطلوبين" وقتلهم هنا وهناك.

بدأت الجولة الجديدة بـ "تصفية" لؤي سعدي، من أفراد الجهاد الإسلامي في منطقة طول كرم، الذي قضى خمس سنوات من سنوات حياته الخمس والعشرين في السجون الإسرائيلية. ادعى الجيش الإسرائيلي بأنه قائد كبير جدا، "قنبلة موقوتة" هائلة. استقبلت حركة الجهاد الإسلامي هذا الادعاء على الرحب والسعة، وذلك لتبرير انتقامها الكبير. لكن الفلسطينيين على أرض الواقع يدعون بأن هذا الرجل لم يكن سوى ناشط محلي.

على أية حال: حين صادق أريئيل شارون على الاغتيال، بين وجبة الفطور ووجبة الغداء، كان يعلم أنه يصدر حكما بالإعدام على عدد من الإسرائيليين أيضا – فكان من الواضح أن الجهاد الإسلامي سيرد بعملية انتقامية. لا مفر من الاستنتاج بأن هذا هو القصد الذي كان من وراء العملية.

تحقق ذلك بسرعة البرق. قام فرد من الجهاد الإسلامي من قرية مجاورة بعملية انتحارية في سوق الخضيرة، حيث قتل فيها خمسة إسرائيليين. (حسب المصطلح المعمول به في كافة وسائل الإعلام الإسرائيلية، وفق توجيه أعلى، الإسرائيليون بطبيعة الحال "يُقتلون" دائما، أما العرب "فيلاقون حتفهم"). صحيح أن الجدار العنصري يفصل بين قرية المنتحر وبين الخضيرة، إلا أنه يبدو أن هذا الجدار لم يعيقه. تم تصوير المنتحر قبل موته في فيلم فيديو، وقد أعلن أنه خارج ليثأر موت لؤي سعدي. لقد دحض بذلك ادعاء الجيش الإسرائيلي بأن عملية الخضيرة غير متعلقة "بتصفية" سعدي، بل تم التحضير لها مسبقا قبل وقت طويل.

وكأنه ينتظر هذه البشاعة فقط، خرج الجيش الإسرائيلي فورا في حملة مخططة بشكل جيد. تم فرض طوق عام على شمال الضفة الغربية. تم عزل المدن والقرى في مختلف أنحاء الضفة مجددا، وفي بعض الأحيان لساعات قصيرة فقط بعد أن أزيلت الحواجز من حولها بطلب من كوندوليسا رايس. تمت محاصرة نشطاء الجهاد، لتتضمن تلميح إلى أن دور نشطاء حماس وفتح قادم لا محالة.

بدأت جولة متزامنة في قطاع غزة، وللتضامن مع أخوتهم في الضفة الغربية، أطلقت هناك بضع صواريخ قسام باتجاه البلدات الإسرائيلية، التي لم تُصب أي شخص. كان الرد جاهزا مسبقا: عزل الجيش الإسرائيلي القطاع عن أي تواصل مع العالم، تم إغلاق كل المعابر. تم قصف القطاع من البر والجو والبحر. تمت "تصفية" ناشط آخر من الجهاد الإسلامي في القطاع. صواريخ الطائرات قتلت شادي مهنا مع مساعده وأربعة من المارة، ومن بينهم ولد – هذا عمل يزيد من اقتراب دان حلوتس من المحكمة الدولية في لاهاي. الانتقام مؤكد مسبقا، وكذلك الانتقام على الانتقام.



في الوقت الذي يكيلون في العالم المديح فيه "للانفصال" وكذلك لشارون "رجل السلام"، خرج هو في هجوم عام لضم معظم الضفة الغربية. تفاقمت ظروف الحياة، في كافة المناطق الفلسطينية، هذا الأسبوع. كان يبدو ذلك كعقاب جماعي يتعارض بطبيعة الحال مع معاهدة جينيف. لقد كان ذلك من الناحية العملية أسوأ بكثير: كان الهدف منه دب اليأس في قلوب الفلسطينيين وكسرهم، إركاعهم، إجبارهم على قبول ما يمليه شارون – الاكتفاء بـ 42% من الضفة (وهي 11% من فلسطين ما قبل عام 1948) في بعض قطاعات معزولة، وعمليا – "إقناعهم" بالهجرة.

يتصرف شارون وكأنه مصارع ثيران يطعن أضلاع الثور بأسهمه لكي يثيره ويحثه على المهاجمة. في ظل العمليات العسكرية واسعة النطاق، يتم توسيع المستوطنات بوتيرة سريعة، وتقام إلى جانبها مستوطنات جديدة. يتواصل بناء الجدار دون توقف، رغم أن عملية الخضيرة تثبت مرة أخرى بأن قيمته الأمنية مشكوك بأمرها. لا مكان للحديث عن تفكيك مائة "نقطة استيطانية" أقيمت منذ عام 2001، كما تلزم "خارطة الطريق". لقد أزال الجيش خمس نقاط استيطانية جديدة أقيمت هذا الأسبوع، من خلال المدافعات والضربات المتبادلة دون استخدام الغاز المسيل للدموع، العيارات المطاطية والقنابل المدوية، المحفوظة "لليساريين".

رفض شارون، باستهزاء واضح، مطالبة مبعوث "المجموعة الرباعية"، جيمس وولفنزون، فتح المعبر الحيوي بين الضفة والقطاع. ولكون وولفنزون هو تابع من أتباع بوش وكوندوليسا رايس، فإن لذلك معنى خاص.

يتابع رجالات شارون بتيقظ ما يحدث في واشنطن. إنهم يعرفون أن الرئيس بوش غارق في بحر من المشاكل، وهو يتحوّل إلى "بط أعرج" والبطة كوندوليسا رايس تعرج من خلفه أيضا.



بالنسبة لشارون هذا ارتياح كبير. أخيرا يمكن دفن أبي مازن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال