الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار .. وذلك الدرس المؤلم

رياض حسن محرم

2015 / 12 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


لاشك أن الإنتخابات البرلمانية الأخيرة لم تضبط متلبسة بالفعل السياسى، أى أن تلك الإنتخابات جاءت خالية من السياسة تقريبا برامجا ودعاية ومهرجانات، كما أن ما هو ثابت بالفعل هو عدم التدخل الإدارى المباشر فى عملية الإقتراع والتصويت وجاء دور الحكومة محايدا بشهادة الجميع داخليا وخارجيا ولعل أهم أسباب ذلك الحياد هو عدم وجود حزب حاكم يسعى لتزوير الإنتخابات إجرائيا، كما أنه من الصدف السعيدة أيضا خلوها من تيار الإسلام السياسى إلاّ من حزب وحيد فقد مصداقيته فى الشارع ولدى بقية هذا التيار، كل ذلك كان يوحى بإمكانية تحقيق قوى اليسار أكبر فوز ممكن فى تاريخه ولكن النتائج جاءت صادمة بل وكارثية.
لقد لعب اليسار المصرى "منذ نشأته قبل قرن تقريبا" دور الطليعة الثورية على مدار الموجات النضالية المتتالية ولعل أهمها إنتفاضة الخبز 1977 ولكنه لم يشكل يوما تيارا مجتمعيا عريضا لأسباب كثيرة من بينها إلتصاقه تاريخيا بالطرح الليبرالى والقومى والحركات الوطنية والدينية السائدة بالإضافة لعدم تحديث أفكاره ورؤاه والإكتفاء بالدورالتابع للحركة الشيوعية العالمية ناهيك عن الإنقسام والتشرذم التنظيمى حيث بلغ عدد تنظيماته 35 تنظيما بعد عقدين فقط من نشأته التاريخية يضاف الى ذلك إعتماد ذلك اليسار بشكل أساسى على تنظيرات ضخمة لرواده الأوائل لا تجيب على أسئلة الواقع الحالى مما أدى الى ذلك النوع من التضخم الذاتى وإعتبار أى مجموعة من عدة أفراد نفسها حزب الطبقة العاملة الطليعى.
جاء تحول حزب التجمع من منبر الى حزب عام 1976 علامة فارقة بالإعتراف به كحزب يسارى شرعى لأول مرة وضم بين صفوفه "فى بداياته" أعدادا ضخمة من كافة أطياف اليسار من شيوعيين وناصريين وتيار إسلامى مستنير وديموقراطيين مستقلين ..الخ، وقد ضم الجناح الناصرى قيادات هامة على رأسها كمال رفعت ومحمد صبرى مبدى وفريد عبد الكريم ومحمد خليل وعبد العظيم المغربى ولطفى الخولى وغيرهم، بينما ضم الجناح الدينى قامات سامقة ممثلة بالشيوخ محمد سعاد جلال ومصطفى عاصى وزين السماك ومحمد عراقى ومفكرين وباحثين دينيين كخليل عبد الكريم والدكتور محمد رضا محرم ومحمد أحمد خلف الله، وضم التيار الماركسى مجموعة من قيادات الحلقة الثانية كالدكتور فؤاد مرسى وإسماعيل صبرى عبد الله ومحمد سيد أحمد وأبو سيف يوسف وإنجى أفلاطون وعشرات غيرهم، وإستطاع هذا الحزب الوليد بعد سنة واحدة أن يكون طرفا رئيسيا فى إنتفاضة يناير 77 لتضم المعتقلات المئات من كوادره ويتهمهم السادات على شاشة التليفزيون ويهددهم بالويل والثبورويقمع بشدة نائب التجمع "قبارى عبد الله" لمجرد أنه وصف ما حدث بالإنتفاضة الشعبية، ولكن التجمع (ولأسباب لا مجال لذكرها) تخلى عن دوره التحريضى والثورى ورضى من خلال مناورات سياسية ضيقة بأن يتذيل الحزب الوطنى ويقنع بالفتات الذى يسمح له به من مقاعد فى البرلمان أو تعيين فى مجلس الشورى، وإستمرت مسيرة الحزب فى الإنحدار والبقرطة حتى وصل الأمر الى خروج قيادات رئيسية وفاعلة مثل عبد الغفار شكر وأبو العز الحريرى وآخرين لينسقوا مع تيار صغير منشق عن التروتسكيين هو "التجديد الإشتراكى" وبقايا حزب العمال الشيوعى لتشكيل "حزب التحالف الشعبى الإشتراكى" الذى بدأ واعدا ثم سرعان ما إنطفأ وهجه بخروج الكثيرين وعلى رأسهم تيار التجديد الإشتراكى مكونا تنظيما آخرا صغيرا هو حزب " العيش والحرية" ليتسع جرح اليسار.
مع بداية الألفية الجديدة بدأت بعض قوى اليسار فى لملمة صفوفها والعودة الى الحركة ضمن بعض الحركات الإحتجاجية التى تكونت كرد فعل للحروب الإمبريالية فى أفغانستان والعراق والعدوان الإسرائيلى المتكرر على لبنان وغزة وتأييدا للإنتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية من خلال "الجبهة الشعبية لمناصرة القضية الفلسطينية" و "حركة كفاية" و "الجمعية الوطنية للتغيير" وغيرها وإن بقيت أشكالاممثلة للنخبة السياسية ولم تستطع الإلتحام بالجماهير التى تتوق للإنعتاق من الإستبداد وسيطرة رأس المال ورجال الأعمال على السلطة والتى تجلت فى تزوير إرادة الشعب وخاصة انتخابات برلمان أحمد عز، وتكررت محاولاتها الخجولة للإرتباط بالحركة العمالية المتصاعدة وتصاعد الدعوات لتشكيل نقابات عمالية مستقلة، وبزغت حركات يسارية حاولت التأثير فى الجماهير كحركة التغيير الديموقراطى و 6 إبريل وشباب من أجل الحرية والعدالة وكلنا خالد سعيد وغيرها تلك التى تبلورت على صفحات التواصل الإجتماعى وإستطاعت ضم المئات من الشباب المتمرد الممتلك للجسارة النضالية وحضور الحس الإجتماعى مع تدنى الخبرة العملية فى التنظيم والوعى الثورى والتى دعت وإلتحمت بالجماهير الغاضبة فى ميدان التحرير وأيام الثورة المجيدة، وأثناء تلك الأيام وفى أعقابها عاد الشباب الى التشرذم فى عشرات الإئتلافات التى سرعان ما تناقضت وتصارعت متبادلة الإتهامات بالتخوين والعمالة، بينما سعت بعض الحلقات الشيوعية التى ظهرت بعد الثورة ومعها من كان له تواجد قبلها مثل"الحزب الشيوعى المصرى" وحزب التجمع الى تكوين بعض التحالفات اليسارية ك"جبهة القوى الإشتراكية" و"التحالف الديموقراطى الثورى" ولكنها لم تنجح حتى الآن فى إعادة توحيد قوى اليسار ويرجع السبب فى ذلك الى عوامل شخصية فى المقام الأول.
بعد فشل اليسار بصورة فاجعة فى تحقيق نتيجة تذكر بالإنتخابات البرلمانية الأخيرة مقارنة بذلك العدد من المقاعد التى حصلت عليها أحزاب يمينية حديثة النشأة فلابد من التساؤل حول أسباب وصول اليسار الى تلك الحالة؟، لقد إنتهى التعلل بالقمع والمطاردة والحصار التى لم يعد لها وجود، وحتى التحجج بدور المال السياسى "رغم أنه حقيقة" فإنه كان موجودا فى السابق بشكل أكثر فجاجة ولم يمنع بعض كوادر اليسار من الوصول الى البرلمان، حتى الحديث عن عزوف الجماهير فهو غير مبرر أيضا مقارنة بالحضور الجماهيرى الضئيل قبل الثورة، وربما أيضا فإن قضية وحدة اليسار قد تصبح بلا معنى إذا لم يمتلك اليسار برنامجا ثوريا يستطيع تحويل الرفض الجماهيرى الواسع والمتنامى الى قوة ثورية ضخمة تستطيع إدراك حلمها فى العدالة الإجتماعية، وبالرغم من إعلان أربعة تنظيمات يسارية هى التجمع والحزب الشيوعى والتحالف الشعبى والحزب الإشتراكى عن خوض الإنتخابات مجتمعة تحت راية "التحالف الإشتراكى" وقررت الدفع ب 40 مرشحا فقط والإعلان عن عقد مؤتمر صحفى للإعلان عن التحالف وتوزيع البرنامج المشترك للإنتخابات وللأسف لم يعقد المؤتمر ولم يتم طباعة البرنامج.
ختاما فإن إدعاء البعض عن التمثيل التعويضى لبعض اليساريين المستقلين أو الموجودين فى أحزاب صديقة كالمصرى الإجتماعى أو الناصريين فإن ذلك محاولة لتخفيف الصدمة، ونعلم أن هؤلاء لا يتعدون بضعة أفراد ليسوا يساريين بشكل جذرى، وحتى من يضعونه فى مستوى عال كهيثم الحريرى فإننا نعلم أنه إنشق عن والده المناضل الصلب أبو العز الحريرى منذ نعومة أظافره وإنضم الى أحزاب أخرى أقل ما توصف به التذبذب والميوعة ...علينا أن ندرك حجم الكارثة وأن الخروج منها يتكلف جهدا ضخما وعملا حقيقيا بين صفوف الجماهير..فقد إستبانوا الأمر قبل ضحى الغد ...ولا يوجد حل آخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اليساريون
فؤاد النمري ( 2015 / 12 / 8 - 20:59 )
لماذا أحدهم بساري ؟ لأنه يعارض الشيوعية وخاصة مبدأ دكتاتورية البروليتاريا ولما ليس هناك اشتراكية بغير دكتاتورية البروليتاريا فإن اليساري هو عدو الاشتراكية وعدو الشيوعية
هذا ما على الشيوعيين واليساريين أن يعوه

أحد شروط عضوية الكومنتيرن يشترط على الحزب الشيوعي في المستعمرة أن يقف خلف البورجوازية الوطنية
هكذا وقف الشيوعيون في مصر خلف حزب الوفد ثم خلف الناصرية برغم سوء تصرف عسكر الثورة

في العام 1953 بدأ الحزب الشيوعي السوفياتي بالرجوع عن الاشتراكية وتأكد ذلك بإلغاء الخطة الخمسية في سبتمبر 53 متجاوزاً القانون والنظام
كل حديث عن تراجع اليسار بعد تراجع الاشتراكية السوفياتية هو من باب لزوم ما لا يلزم

تحياتي

اخر الافلام

.. حلقة نار من تحدي الثقة مع مريانا غريب ????


.. الجيش الروسي يستهدف تجمعات للقوات الأوكرانية داخل خنادقها #س




.. الطفل هيثم من غزة يتمنى رجوع ذراعه التي بترها الاحتلال


.. بالخريطة التفاعلية.. القسام تقصف مقر قيادة للجيش الإسرائيلي




.. القصف الإسرائيلي المتواصل يدمر ملامح حي الزيتون