الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثنائية العبقرية ، الجنون في الأبداعية الأدبية

سعاد جبر

2005 / 11 / 4
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


دراسة سيكولوجية في أدب عبد الحميد الديب
تعد الإبداعية الأدبية بلورة انعكاسية لأبعاد متنوعة في حياة الأديب ، وفي الوقت ذاته ما زالت هناك تساؤلات ملحة تطرح على مائدة الإبداعية الأدبية ؛ ومنها هل الموهبة هي التي تخلق الأديب أم أن الظروف العصبية الصعبة هي التي تكشف النقاب عن الموهبة الأدبية وتبعثها من رحمها ، وهل عبقرية الأديب هي التي تدفع به إلى الانحراف النفسي والأخلاقي أم أن تلك الانحرافات النفسية عامل مولد تظهر العبقرية في إطاره ؟ وهل تلك التساؤلات تبث على إطلاقها أم أن لكل حالة من الإبداعية نسقها النفسي وأجواءها المزاجية الخاصة ؟ وهل الإبداعية الأدبية تتشكل في طيف قزحي من أطياف الجنون ؟ أم أن حالة التمرد العقلي بعنفوانها تشكل بلورة العبقرية ، فتتشكل في نسيج يراود أعين الناظرين في خيط رقيق بين ظلمة الليل وإسفار الفجر ! في نمط غرائبي بين العبقرية والجنون في أن واحد . وفي مخاض تلك التساؤلات تبرز أهمية التناول النقدي الواعي لأبعاد سيكولوجيا الأديب في كافة أبعادها ، لغاية تسليط الأضواء على النص المتشكل في دائرة المنجز الإبداعي ، لإيجاد الوشائج بين المنجز الأدبي وسيكولوجية المبدع التي تنعكس أثارها على النص ، وتتناول هذه الدراسة النقدية الرؤية السيكولوجية لأبعاد شخصية الأديب عبد الحميد الديب في تناول انعكاساتها على ذاتيته الأديبة ومعطياتها الشعرية واثر المجتمع في تقويض تلك الذاتية، بحيث تتبدى صورتها للمتأمل في سمت صورة أدبية غرائبية طريفة تنهج في مسارات عشوائية ، رافضة ، مخالفة للواقع الاعتيادي بالقوة والإمكان ، في ظروف عصابية غير سوية ، لاعتبارات تشكل تلك الذاتية في ظروف قاهرة من الفقر والحرمان في محضن الأسرة ؛ اثر انتكاسة مالية اصابت تجارة والده ، ، فانعكست أثار الضائقة المالية الموحشة على مسارات حياته في إثناء تحصيله العلمي ، الذي ترسب في ذاتيته ، فأحدث فيه انكسارات مبكرة ، فما أن انهي الثانوية حتى ترنحت تلك الذاتية في آتون تعاطي المخدارات مما انعكس على عقله وجهازه العصبي بالاضطراب والفساد معا ، واحدث كللا بارزا في عزيمته ، وكسلا ومللا اعمل أثره الصعب في عمره كله ، فخضع للعلاج في الخانكة ـ مستشفى الأمراض العقلية ـ وخرج منها هائما على وجهه ، وانعكس تعاطيه للمخدرات على مروره بتجربة السجن ، لاعتبارات تعاطية المخدارات ، فارتسمت أثار سلبية قاتلة في مخزون ذلك الأديب من الهواجس والكواليس الذهنية والأفكار المجنونة العاقلة في الآن ذاته وفي ذلك الصدد يقول
إخوان سجن قبحت وجوههم …هموم توالي دائما خطوب
فمنظرهم أضحوكة كلباسهم … ومخبرهم في الحادثات رهيب
لقد كنت فيهم يوسف السجن صالحا ..أفسر أحلاما لهم وأصيب
وقد عاش الديب في مجتمعة مذموما مرفوضا وقد أوصدت أبواب الرزق أمامه وفي ذلك الصدد يقول:
بين النجوم أناس قد رفعتهمو …..إلى السماء فسدوا باب أر زاقي
يا أمة جهلتني وهي عالمة…. ..إن الكواكب من نوري واشراقي
والمتتبع لحياة " الديب " يبرز له حالة التنقل الدائمة له مع موكب أسفاره الشعري على قوارع الطرق ولمقاهي واندية الصحف بين ساخر ومعجب وقادم ومرتحل ..بين كلمات اطراء او سيجارة تسد رمقه اوحالة ظفر بكأس او كوب شاي ، او حالة افتراس من علية القوم في تماوجات السخرية والتندر بسمتة الرث واستغلال فقرة المدقع ، فتتدافع ذهنيته الحائرة التائهة في التعاطي معهم بحسب ما يقدم له من مال زهيد بين المدح والهجاء ، في حالة عصابية متضادة ، يشكلها اللاشعور المنهك حتى الموت . الذي لم تحظى بتناثرته هذيه الشعري أي صحيفة انذاك في نشره او تسجيلها ضمن منجزات نخبة الشعراء ، ويشير النقاد إلى اثر عليه القوم انذاك في تبذل ذات ذلك الأديب وازدياد سعار سيكولوجيته في أتون الجنون والعقلانية معا في منظرهم الهائم في الأرض ومنظره الرث المغبر ، إذ كان بالإمكان إنقاذه من نيران الفقر وقوارع الطرق ، وتخليصه من الأثنية المتضادة اللاشعورية التي أنهكته تحت نير ظروفه الصعبة ، واستثمار طاقته الأدبية في مسارات إيجابية تتسم بالتكيف الاجتماعي الجاد ، ولكن في المقابل يشير عدد من النقاد إلى تلذذ "الديب" في انكسارات سيكولوجيته الهائمة ، ورفضه حالة الاستقرار السلوكي في عمل ما لاقتيات الرزق منها ، إذ قد حصل على فرصة من هذا النوع فما كان منه بعد ساعة من العمل إلا وقد تناثرت الدماء في مكتب العمل اثر مشاجرة بينه وبين موظفين في المكتب ، لاستهزائهم بمنظره الرث وحالته الغرائبية كموظف في مكتب عمل ، وقيل انه حصل عملا حكوميا ، وتم التداول بشأن توليته ذلك العمل واستمراره به ولكن بعد أن يقدم مؤهلاته العلمية ، وإلا فصل من العمل وفي ذلك الصدد يقول
لقد هددوني بالمسوغ وانبرى ....يناوئني منهم وضئ واربد
ويعبر الديب عن تذمره من حاله المعدم ماليا في الوظيفة الحكومية وحالة السعار الرافض في شخصيته واستواء الأمور والألوان عنده في الأن ذاته في ذاكرته العاقلة المجنونة معا
بالأمس كنت مشردا أهليا …واليوم صرت مشردا رسميا
وفي نهاية المطاف لاخلاف في موهبة " الديب " الغرائبية في قرض الشعر؛ في اتون تقلقات وتبعثرات ذاته في اتون الجنون وحالة التضاد في اللاشعور والذهنية الحائرة ، والأنا المتنقلة في اللاستقرار في الشعور وانعكاسات الزمان والمكان عليها ، ويشكل ذلك الشاهد مثالا تجسيدياُ لحالة الإبداعية الأدبية في خفايا جوهر مادتها اللامعة في المنجز وبين جنون الجسد في حراكه المسعور ، وتعاكسات المجتمع في تضاداته في ازدياد التأزم في الأنا وكسرها في كافة منعطفاتها اللاشعورية والزمانية والمكانية معا ، وهنا تتشكل بين مخيلتنا التساؤلات في مسارات اكثر :
هل الموهبة تخلق الأديب ؟
أم أن الظرف العصابية الصعبة هي التي تولد ابداعية الأدب ؟
هل الإبداعية طيف من أطياف الجنون ؟
أم أن التمرد العقلي الصارخ مادة ولادة العبقرية في جسد الأديب ؟
وتبقى تلك التساؤلات تسلط اشكالياتها في موائد البحث العلمي بين التداول وتنوع الآراء وتباينها ، ويبقى المسار مفتوحا بيننا للتلاقح الفكري في ذلك الصدد ، وتبقى تلك الثلة من التساؤلات هي السؤال والجواب معا .
أودعكم على الحب والقاكم عليه في رحلة إمتاع أدبية قادمة في موكب أسفار الأدب وتناثرات عوالم السيكولوجيا في اثيره .

..........
· عبد الحميد الكاتب : من مواليد عام 1898 ومن أهالي مديرية المنوفية ، يقال إن والده كان تاجرقطن فقد ثروته في كوارث التجارة ، عاش فقيرا مذموما في المجتمع ومات على نفس الشاكلة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة