الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استحقاقات راهنة

طيب تيزيني

2015 / 12 / 9
مواضيع وابحاث سياسية



حاولت في المقالة الأخيرة (الأسبوع الماضي) إلقاء الضوء على مشكلات نظرية علمية ومنهجية تتصل بواقع الحال العربي الراهن، وكان ذلك قد وضعنا أمام ما اعتبرته مدخلاً بحثياً علمياً إلى ذلك، وأشرت إلى جانب من العالم العربي رأينا فيه نموذجاً لما نحن الآن بصدده، من سوريا إلى اليمن إلى أقطار عربية أخرى مثل العراق والسودان. أما ما تبقى من الأقطار المذكورة فرأينا أنها ربما تتطلب بحثاً آخر مختلفاً عن بحث البلدان التي أتينا على ذكرها. وأما ما أتينا عليه فقد أدخلناه في حقل عالم يمر بتحولات متعددة من التقدم والتراجع، ومن الانقلابات والصراعات العسكرية، والنزاعات السياسية وكثير من المناوشات والسجالات الثقافية، ناهيك عن الصدامات الحضارية المتصلة بالهوية والتراث والحداثة والإصلاح والثورة على امتداد القرنين التاسع عشر العشرين. وقد حدث ذلك لأسباب داخلية وأخرى تتصل بالغرب كقوة استعمارية غازية، وأسباب غير ذلك تدخل في خانة الاحتكاك الحضاري العام والثقافي الخاص.

وبالطبع فإن ذلك يدخل أيضاً في خصوصيات البنية الداخلية الاقتصادية والمجتمعية والسياسية والحضارية والثقافية، ومدى ارتباطها بـ«الآخر» الآتي من الغرب بحمولاته المتعددة في مرحلة الإمبراطورية العثمانية وبعد تفككها أخيراً. وإذا كانت الأمور تتضح في سياق التطور التاريخي، فإن ضبطها يستدعي وضعها في حالة متحركة والنظر إليها بهذه الكيفية. فإذا خصصنا الحديث أكثر، وجدنا أنفسنا في بيئة اجتماعية عربية في القرن الثامن عشر، وهنا يتعين على الباحث أن يذكر ذلك متموضعاً في شبه الجزيرة العربية، حيث كانت «نجد» مركز السلطة العربية المستقلة عن الخلافة أو المنادية باستقلالها فعلياً، وهناك أسس الشيخ محمد بن عبدالوهاب تياراً دينياً مرتكزاً بالأساس على التراث الديني الذي خلّفه الشيخان أحمد بن تيمية وابن القيم الجوزية.

كان بن عبدالوهاب قد عاش ما بين 1703 و1791، وهنا تتعين الإشارة إلى أن الحركة الدينية الإسلامية والاجتماعية، التي أسسها كانت في أحد مقاصدها المضمرة، نمطاً من الدعوة إلى الاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية الغازية، وكان ذلك قد أتى بصيغة دينية «إصلاحية» داعية إلى ذلك الاستقلال، والذي ربما رأى فيه بن عبدالوهاب مخرجاً من العبء الذي فرضه دعاة العثمانية. والظاهر أن هذا الموقف جاء في مرحلة تاريخية كانت تشهد بواكير أولية لدعوة الإصلاح الديني في مصر. لكن الملاحظ أن دعوة بن عبدالوهاب لـ«إصلاح ديني» ارتبطت بهاجس الاستقلال عن الأجنبي العثماني، بدرجة يتعين الكشف عنها عبر المنهج التفكيكي في قراءة الأحداث. ولعل الأمر هنا يختزن «خطاباً» رمزياً غير معلن يقوم على عدم الاعتراف بما كان قائماً في شبه الجزيرة العربية.

وحيث إن شبه الجزيرة العربية تواجه الآن خصوماً وأعداء من الغرب والشرق، فإن ثمة حاجة للتمييز التاريخي بين الثروات والطاقات الكبرى التي تمتلكها هذه المنطقة، وبين الأبعاد الرمزية والدينية، بحيث نضع أصبعنا على موقع الانطلاق: متابعة للإرهاصات الإصلاحية الدينية بالتشابك مع تعميق اتجاهات التحديث والتطوير الحضاري عبر أجيال جديدة من الشباب. أما المسوغات الكامنة وراء ذلك فأهمها الاستمرار في التطوير والتحديث، ذلك لأن المطلب الحالي لـ«الآخرين»، في المحيطين الإقليمي والدولي، إنما هو استنزاف العالم العربي بأجمعه، وهذا ما يتحتم أن تبدأ مواجهته الآن وليس غداً، وهو ما قد بدأ فعلا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة


.. أثار مخاوف داخل حكومة نتنياهو.. إدارة بايدن توقف شحنة ذخيرة




.. وصول ثالث دفعة من المعدات العسكرية الروسية للنيجر


.. قمة منظمة التعاون الإسلامي تدين في ختام أعمالها الحرب على غز




.. القوات الإسرائيلية تقتحم مدينة طولكرم وتتجه لمخيم نور شمس