الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقوب سوداء تقوِّض وظائف الدولة العربية

عبدالله تركماني

2015 / 12 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


ثقوب سوداء تقوِّض وظائف الدولة العربية
المجتمعات العربية تواجه مشكلات عميقة تهدد حاضر العرب ومستقبل أجيالهم القادمة، فمعدلات الأمية والفقر وتدنّي مستويات التعليم في تزايد مقلق جداً. يضاف إلى ذلك أنّ قضايا الحريات الشخصية والعامة، والخدمات الاجتماعية، وتوزيع الثروة، والعدالة في توزيع الضرائب وحسن جبايتها، والإنماء المتوازن، والمشاركة الديموقراطية، والتخفيف من حدة الانقسامات العرقية والقبلية والطائفية والجهوية وغيرها، تثير قلقاً شديداً في العالم العربي.
اليوم يوجد، في أغلب الدول العربية، ثقوب سوداء تبتلع جهود الشعوب وعافيتها، وتقوّض وظائف الدولة، إذ أنّ ظاهرة البطالة تعتبر من التحديات الكبرى التي ستواجه العالم العربي في السنوات القليلة القادمة، وقد بلغت 18 % من قوى العمل في سنة 2010 مقارنة بـ 6,3 % على الصعيد العالمي، وأنّ اتجاهات البطالة ومعدلات نمو السكان تشير إلى أنّ الدول العربية ستحتاج بحلول العام 2020 إلى 51 مليون فرصة عمل جديدة. والبطالة تنتشر أكثر بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 عاماً إذ تفوق 25 %.
والنتائج واضحة، فمزيد من البطالة هو باختصار مزيد من الإرهاب والعنف والجريمة. شباب هم ضحايا لخطط تنموية متعثرة، هذا الجيل هو الذي يدفع ثمن الأخطاء التي ارتُكبت في حقه، وارتُكبت جريمة التهميش والاستغلال والتسطيح التعليمي، حتى أصبحت طموحات الشاب العربي الحصول على تأشيرة دخول لدولة أوروبية، أو حتى الانتحار في قوارب الموت، بحثاً عن أمل يعيش من أجله، وحياة كريمة تستوعب إنسانيته.
ومن المفارقات أنّ هناك 65 مليون عربي يعيشون في حالة فقر، في حين تصل أعداد من يعيشون في فقر مدقع إلى نحو 34.6 مليون عربي. وعلى رغم أنّ الدول العربية تتمتع بقدر أوفر - نسبياً - على خط الغذاء الدولي مقارنة بخط الفقر، فإنّ هناك من السكان من هم مصنفون تحت بند " الجياع "، وهناك تباين ملموس بين البلدان العربية في مدى التقدم في مكافحة الجوع. ويظل المستوى المتدني للاكتقاء الذاتي من الأغذية الأساسية واحداً من أخطر الفجوات التنموية في المنطقة العربية.
وبالرغم من أنّ البلدان العربية حققت، على مدى العقود الأربعة الماضية، تقدماً مشهوداً في مجال ارتفاع متوسط الأعمار المتوقعة، وانخفاض معدل وفيات المواليد الجدد، فقد غدا متعذراً ضمان الصحة لكل المواطنين، وتفشَّت الأمراض والأوبئة القاتلة في بعض البلدان العربية، ناهيك عن المخاطر الصحية المستجدة.
ورغم الحديث عن ديمقراطية التعليم وإلزاميته فإنّ الأعداد المطلقة للأميين تتكاثر في العالم العربي، فقد ارتفع عدد الأميين العرب من 58 مليونا عام 1982 إلى 61 مليونا عام 1990، وإلى حوالي 70 مليون حالياً بما يشمل 40.4 % من جملة الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 64 سنة. فإذا علمنا أنّ هذه الفئة العمرية هي نفسها من ضمن العناصر البشرية التي تخدم التنمية العربية، لاتضحت الحالة الحرجة لنوعية القوى العاملة التي تمارس النشاط الاقتصادي في العالم العربي. إذ تتسم العمالة العربية - عموماً - بانخفاض مستوى المهارة، نتيجة اتسام سياسات التعليم والتدريب في الدول العربية بأنها غير فعالة وغير قادرة على خلق العمالة الماهرة، القادرة على التجديد والارتفاع بمستوى الإنتاجية والجودة، والمستجيبة لسوق العمل.
ومما يضاعف المشكلات العربية أنّ عدد السكان سيتضاعف خلال الثلاثين سنة المقبلة، وسيصبح سنة 2050 حوالي 645 مليوناً، ما يعني أنّ معدل النمو السكاني في المنطقة العربية سيكون أعلى من معدل النمو الاقتصادي. والسكان في سن العمل (15 - 59) سيصل عددهم سنة 2025 إلى حوالي 285 مليوناً.
ويضاف إلى كل ذلك أنّ عدد المهاجرين، من أصحاب الكفاءات والاختصاصات المهمة، إلى الخارج يقدر بملايين عدة من الفنيين وحملة الشهادات العليا، وهم القوى الأساسية الضرورية لأية نهضة حقيقية (قدرت خسارة العرب بسبب هجرة العقول العربية بـ 1.570 مليار دولار سنوياً).
الأمر يتطلب إعادة ترتيب أوضاع النظام العربي بإجراء إصلاحات حقيقية على المستوى الداخلي لكل قطر عربي وعلى مستوى العلاقات العربية، بما يحقق التنمية الشاملة والإصلاحات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية، في إطار نظام عربي متكامل يقوم على الديمقراطية واحترام الشعوب العربية بالدرجة الأولى.
وانطلاقاً من أنّ الناس لا ينظرون إلى المستقبل على أنه ذلك المجهول الذي لا يمكن معرفة مكنوناته والتحكم في مجرياته، بل باتوا يخططون له ويعملون على التأثير في اتجاهاته الرئيسية. فإننا نرى أهمية صياغة تصورات أولية للتنمية العربية في المستقبل، منطلقين من أنه لم يعد ممكناً الكفاح ضد " النظام العالمي " من خارجه، فالعالم أضحى اليوم " قرية صغيرة " أطرافه مترابطة ومتبادلة المنافع. مما يجعلنا ندرك أنّ قوة العالم العربي وقدرته على التعامل المتكافئ مع العالم الخارجي إنما هما مرهونتان - أساساً - بقدرة أقطاره على التنسيق والتكامل فيما بينها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المواقع
رائد الحواري ( 2015 / 12 / 9 - 22:17 )
لا شك أن الكاتب يعتمد على بيانات احصائية، وهذا يحسب له، لكن أعتقد بأن اكبر مشكلة يعاني من المجتمع العربي هي قضية الفساد، فهو تفوق بخطورتها الأمية، يحيث من يقوم بالفساد هي الفئة المتعلمة، وليس الجاهلة، من هنا لا أقلل من شأن رؤية الكاتب، لكن ليتنا نستطيع أ، نضع حلول لما نحن فيه، شكرا على المقال الذي يقرع الخزان، لعل وعسى نجد من يستمع له

اخر الافلام

.. رفع حالة التأهب في إسرائيل ومنع التجمعات في الشمال


.. ما حدث في الضاحية يهدف لتحييد حزب الله والمقاومة عما يجري ف




.. أهم المحطات في مسيرة حزب الله اللبناني • فرانس 24 / FRANCE 2


.. حالة من الذهول والصدمة في بيروت • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بين نعيم قاسم وهاشم صفي الدين.. إليكم من قد يخلف حسن نصرالله