الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أقاصيص إنسانية!

عادل عطية
كاتب صحفي، وقاص، وشاعر مصري

(Adel Attia)

2015 / 12 / 10
الادب والفن



(1) مثل القمر:
قضيت سبع سنوات طبيباً نسائياً في نيجيريا، قبل أن أقوم بزيارتي الأولى إلى أهلي، وعشيرتي!
حاصرتني والدتي، بحلمها العنيد، الذي ظل ينتظرني بصبر عجيب: أن أتزوج، وأن يتاح لها، في ما تبقى من عمرها، أن تفرح بأولادي، وربما بأولاد أولادي!
لم أكن أعرف فتاة بعينها؛ ففي الغربة، ورغم الوحدة، استطاع انغماسي الكلي في العمل، أن يأخذني بعيداً عن التفكير في سنة من سنن الحياة!
أدرك احبائي، مدفوعين من أمي، أنه لا وقت لي للبحث عن فتاة، فالوقت ذاته، يلح على عودتي إلى نيجيريا؛ فاختاروا هم بدلاً عني، وباجماع الآراء، قالوا عنها انها: "زي القمر"!
عندما رأيتها، كانت نظرتي اليها، كنظرة الناس إلى القمر على أنه جرم سحري، يستحق أن ينال شعوراً عاطفياً نحوه!
هل تعلم يا صديقي.. انهم لم يكذبوا عليً، عندما قالوا انها: "زي القمر"!
فهي مظلمة النفس في ذاتها، ولكنها تستمد رواؤها من اشراقة وجهها، تماماً كالقمر الذي يستمد نوره من اشعة الشمس!
وهي باردة في مشاعرها، مثله!
وفيها فراغ لا متناهي كالقمر، ولكنه فراغ من المعرفة، والثقافة!

وتمتلك ـ وهذا هو الاخطر ـ ضربة، تشبه بشكل أو بآخر، ما يُعرف بضربة القمر!
فبينما كنا، هي وأنا، جالسين منسجمين في الشرفة، قامت وتسللت إلى المطبخ، ثم عادت في صمت؛ لأجد السكين على وشك أن تجز رقبتي!
وعندما قاومتها، وصرخت فيها، أخذت تبكي بكاء الخاطيء، عندما يثوب، ويتوب، ويرجع!
وعرفت، بعد هذه الحادثة، التي لم تتم، انها مريضة بالانفصام، وان شفاؤها، بعيداً عن المعجزات، لا يزال مخفيّاً، في طب المستقبل!
من سخرية الحياة، ان الناس ينظرون الى زوجتي نظرتهم إلى القمر من على وجه الأرض، بينما أنا أعرف حقيقة القمر؛ لأنني وصلت إليه!...

(2) سارق:

عندما تنظر إليه، تعتقد أنه واحد من خريجي أشهر جامعات الاحتياج المضني، وأنه حاصل على دكتوراة في مادة الفقر المدقع، وأنه أستاذ ورئيس قسم في ذرف الدموع!
ينظر إلى يدي بشغف، فتجاوبه نظرة بنظرة..
هل هو الخجل من نظرات الناس؟..
أم هو نوع من التعاطف؟..
أم هو الاعجاب الشديد بفلسفته الرائعة، عندما يقول: "لله يا محسنين"؟!..
ذات يوم رأيت جيوبه منتفخة، تكاد تتمزّق من فرط العطايا؛ فعرفت أنه يسرق الله!...

(3) شمعة واحدة تكفي:
في عيد مولده الستين..
جاء ذلك الذي لم يكن له مكاناً على لائحة أمنيّاته.. جاء بلا عاطفة، وبلا مشاعر، يتخطى في يوم احتفاله اصول التهنئة.. ينتزعه في صرامة من كرسي العطاء، ومن مركز حبه.. جاء كتقويم تشاؤمي لقدراته الكامنة.. جاء يوم تقاعده!
في هذا اليوم، شق عليه أن يقول وداعاً للمجلة، التي حمل باقتدار أمانة رئاسة تحريرها، وجعل صفحاتها تشعر دائماً بأنها أهم الصفحات بين المجلات الأخرى!
انتبه إلى نقرات رقيقة على باب حجرة المكتب، ترافق صوت ابنته وهي تستأذنه الدخول.
جاوبها، بصوت جرحته الدموع:
ـ تفضلي.
فما ان دخلت؛ حتى قالت له:
ـ لقد اعددت لك التورتة، احتفالاً بعيد مولدك، وأحضرت بهذه المناسبة السعيدة: ستون شمعة!
نظر والدها إلى الاطار الذهبي المعلق على الحائط امامه، والذي يضم بين جنباته: صورته وهو ممسكاً بقلمه، وإلى يمينه جاره الأب عبد المسيح بزيّه الديني، وإلى يساره صديقه الفنان محمود، ممسكاً بفرشاته التي يبدع بها لوحاته الفنية!
ثم توجه إلى ابنته، وقال لها، بابتسامة ذات مغزى:
ـ شمعة واحدة تكفي!...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا