الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الإستعمار والإقطاع الديني والسياسي عماد الثورة المضادة - على جدار الثورة السورية - 115
جريس الهامس
2015 / 12 / 10الثورات والانتفاضات الجماهيرية
الإستعمار والإقطاع الديني والسياسي عماد الثورة المضادة – على جدار الثورة رقم -110
رأينا في العدد الماضي فشل الإستعمار الفرنسي في إبقاء الأمير بشير الشهابي في قصره في الشوف و أمام إنتفاضة الفلاحين الفقراء ضد الإقطاع في جميع أنحاء لبنان حتى اللاذقية وحوران , ومغادرته بمساعدتهم إلى مالطة , كما رفض الفلاحون حكم بشير الثالث – تيمناً بنابليون الثالث .. ولم يعترف السلطان العثماني " محمود الثاني" به ولحق بوالده في مالطة وعاد لبنان والمشرق العربي كله بإستثناء مصر لحكم السلطنة العثمانية.. ولم ينفع الأمير بشير الشهابي ممثل الإقطاع في لبنان التابع للمحتل العثماني ( والي عكا ) الذي تحول إلى تابع للمحتل المصري إبراهيم باشا أيضاً ... لم ينفعه تحوله الديني من المذهب الدرزي إلى المذهب الماروني إرضاءً لقاعدة الفلاحين المسلحين الثائرين ضد الإقطاع والإحتلال الأجنبي التي كانت أكثريتها العظمى من المسيحيين وفي مقدمتهم الموارنة .. ولم تستطع " بكركي وبطريركها -- حمايته كما لم تستطع فرانسا ونفوذها ذلك ولم يبق أمامه سوى الرحيل إلى مالطة ..كما لحقه إبنه الذي سمى نفسه : ( بشير الثالث) الذي رفضه الفلاحون الموارنة والدروز أيضاَ
وبعد تعيين السلطان عمر باشا حاكماً لجبل لبنان , إقترح ممثلو الدول الأوروبية عليه تقسيم لبنان إلى مقاطعتين : للدروز والمسيحيين بتاريخ 7 كانون الأول 1842 .. لكن التقسيم ُرفضَ من أكثرية الشعب , وعلى المكشوف أعلن الإنكليز دعمهم للدروز... والفرنسيون دعمهم للموارنة ..لتسعير الفتن الطائفية وتنفيذ الأهداف الإستعمارية ..
وفي نفس الوقت أراد المحتلون العثمانيون تحسين صورتهم أمام العالم و شعوب البلدان المحتلة فأصدر السلطان محمود عام 1840 حزمة من القوانين الجديدة أطلقوا عليها " التنظيمات " حاولوا بواسطتها المساواة بين مواطني المملكة في حق المواطنة وسمح لغير المسلمين الدخول إلى المدارس وتعلم اللغة العربية التي كانت حكراً للمسلمين فقط . والعمل في التجارة . كانت محاولة قصيرة الأمد مع الأسف لتلميع صورة الإحتلال التركي إنتهت بمذابح 1860 الطائفية القذرة . التي كان وراءها الإحتلال التركي والإستعمار البريطاني بالدرجة الأولى .
أعطت القوانين الجديدة إمتيازات للتجارة الأوروبية لذلك غزت البضائع الأوروبية المستوردة الأسواق المحلية على حساب التجار المحليين والصناعات الوطنية وأبرزها : النسيج وصناعة الحرير , والزجاج المحلية في لبنان وسورية التي كانت دون حماية جمركية .. لذلك إنخفض الإنتاج المحلي منها إلى الربع وأغلق العديد من الورشات كما ورد في مصدر مكتبة الكونغرس التالي ( library of congress country studies: Lebanon”4 )
وفوق ذلك حلت أزمة الرأسمالية الأوروبية الناشئة خلال عامي 1857 – 1858 لتزيد الطين بلّة كما يقول المثل ..وفوقها غياب الأمن تحت الإحتلال العثماني ولجأ الكثير من التجار المسلمين للإقتراض من جيرانهم المسيحيين ألذي أصبحوا دانين للدولة العثمانية المحتلة نفسها كما ورد في ( الموسوعة الحرة – ويكيبيديا -- commins 2004 pp”32” 7 ) .
ثم لجأت السلطنة العثمانية عام 1858 قانوناً يسمح للأوروبيين وأعوانهم في سورية ولبنان بشراء الأراضي من نبلاء دمشق المسلمين , بغية تخفيف عبء الديون المتراكمة على المحتلين الأتراك . لكن هذه القوانين وسعت الفوارق الطبقية في المجتمع السوري اللبناني – فزادت الأغنياء غنى وجشعاً , والفقراء فقراً وإستغلالاً وتهميشاً و جاء في المصدر السابق نفسه مايلي : ( وكان اللوم كله ينصب على الأوروبيين وحلفائهم في المدينة من الاقليات الدينية ) .
أمام هذا الإنهيار العام والأزمة الإقتصادية الخانقة وفشل الدولة المستسلمة للدول الإستعمارية الأوروبية المتصارعة على الأسواق ونهب الشعوب وإستعمارها في بلدان العالم الثالث .. كان لابد للطبقات المسحوقة من الفلاحين الفقراء والعمال الزراعيين وصغار الكسبة الذين أثقلتهم الإضطهادات الإقطاعية التي كانت سائدة مع الضرائب المتزايدة والبطالة وأعمال السخرة والمجاعات.. كان لابد من التمرد والإنتفاض على النظام كله .
وكان فلاحو كسروان الموارنة الأكثر بؤساً أثقلت كاهلهم إضطهادات الإقطاعيين من جهة وعجز رجال الدين عن مساعدتهم لأن رئاستهم مع الإقطاع ...
لذلك بدأت ثورة كسروان من القاعدة من صفوف الفلاحين الفقراء ( المرابعين )بقيادة فلاح من صفوف الفلاحين كان يعمل حدّاداً وبيطاراً ( أعاد لذاكرتي أسطورة كاوا الحداد عند إخواننا الأكراد )
الثورة الطبقية المنظمة بقيادة لجان الشبان الثوريين الفقراء المنتخبين من الفلاحين في قرى كسروان وكانت الكنيسة المارونية تبغي تقليص نفوذ إقطاع آل " الخازن – واّل حبيش " لحساب الكنيسة التي باتت تشكل ثقلاً سياسيا وإقتصاديا كبيراً مدعوماً برعاية أجنبية " حسب تعبيرأنطوان سلامة في كتابه ( طانيوس شاهين من منازلة الإقطاع إلى عجز الثورة ) .
ويصف " سلامة " موقف العثمانيين المحتلين : بأنه قفز على أكثرمن حبل : زرعوا الأمل في قلوب الإقطاعيين وكانوا عاجزين عن حمايتهم , ومجابهة الثورة فتظاهروا بالتعاطف معها .. لكنهم في اللحظة المناسبة غدروا بها بالإتفاق مع الزعامة الدينية المارونية التي كان يرأسها البطريرك الماروني ( بولس مسعد ) وضربوا وحدتها بتشجيع الزوقيين ( سكان زوق مكايل )على الإنشقاق عن الثورة والإنفصال لزعزعة وحدتها الوطنية والطبقية .خدمة للثورة المضادة .في لبنان كله ..
ومن الطبيعي في كل الثورات أن يسقط الكثير من قصيري النَفَس والمترددين والإنتهازيين والتجار .. كما تراجع قادة الثورة الأوائل السادة ( الوكيل العام صالح جرجس صفير , ومحرك الجرد هايل الخوري العقيقي , والداعية الياس المنيّر . ليتقدم الصفوف طانيوس شاهين الذي إستقبله الفلاحون بحفاوة ليقود ثورتهم حتى النصر على الإقطاع والإحتلال المتعدد الجنسيات – المصدر السابق ) ومن الطبيعي أن تتغنى هذه الثورة الطبقية ضد الإستغلال والإحتلال بأفكار جديدة كانت سائدة . كالحرية والمساواة , التي رفعتها الثورات الأوروبية المتعددة بعد الثورة الفرنسية الكبرى عام 1789 ونقل مبادئها الرهبان والتجار والمستشرقون .
بدأ الفلاحون الثائرون بتنظيم أنفسهم في قرى كسروان منذ شباط واّذار1858 فإستولوا على إراضي الإقطاعيين بعد رفضهم المفاوضات مع الفلاحين الثائرين بوساطة دينية ورفض ( الخازنيون ) جميع التسويات , طردهم الفلاحون وصادروا ممتلكاتهم وجعلوها متاحة للعموم . وتفرق شيوخ الإقطاع يبحثون عن ملجأ لهم في جبَيْل والمتن وبيروت - كماوردفي كتاب ( السياسة والدين وبناء الدولة – القرن 11—16 / 19 ) وقام الثوار بتنظيم أنفسهم بعد توزيع الإقطاعيات على من يعمل بها ( وهو لايختلف عن شعار ثورات الفلاحين الفقراء المتعددة في مصر ( الأرض لمن يفلحها ) وجمهورياتهم التي أعلنوها في الريف مثل ( جمهورية زِفتة ) .. ولأول مرة في تاريخ المشرق على ما أعتقد تجري إنتخابات شبه ديمقراطية , حيث إنتخبت كل قرية شيخ شباب يمثلها , وفي ليلة عيد الميلاد سنة 1858إنتخب " طانيوس شاهين " شيخ شباب بلدة " ريفون في كسروان " مفوضاً عاماًعلى جميع كسروان , وشكل طانيوس مجلساً من وكلاء القرى ( يشبه السلطة التشريعية ) وأعضاؤها المنتخبين لإقامة العدل وضمان الأمن , وتوزيع ممتلكات الإقطاع من قبل سلطة الشعب الشرعية , من قبل حكومة شعبية بروح الجمهورية الـتي دامت ثلاث سنوات... أقضت مضاجع السلطتين التركية ومعها الإستعمار البريطاني وصراعه مع الفرنسي .والسلطة الدينية ورأسها بطريرك بكركي " بولس مسعد " كما ورد في مقال للأديب اللبناني الكبير " هنري زغيب " حول ثورة طانيوس شاهين – المنشور في موقع " جماليا " بتاريخ 13 ك2 __ 2013 ( ما لبثت الثورة أن تشعبت وإزداد أنصارها ومناهضوها فعرفت خضّات كثيرة بدءاً من فساد الجمهورية الشعبية وإضطرابها حتى سقوطها بسقوط قائدها, ضحية الصراع الفرنسي -- التركي – الإنكليزي وإنتصار ( يوسف بك كرم )على – طانيوس شاهين بمباركة مباشرة من البطريرك الماروني ( بولس مسعد ) لكن يوسف كرم الذي ألغى – طانيوس شاهين – (خدمة للأجانب ولكبار رجال الدين ) جاء نظام ( المتصرفية ) بعد مذابح 1960 - فألغى وجوده ونفاه إلى مصر ليلقى.مصيره)
.................
من كل ماتقدم نستنتج الدرس التاريخي التالي :
إن تكالب جميع القوى الإستعمارية إلى جانب الإستبداد المحلي القائم ومع هذه القوى ينضم كبار رجال الدين معهم ليشكلوا جميعاً الثورة المضادة وفق مصالحهم وامتيازاتهم الطبقية .. كما شكّل كبار رجال الدين لجميع الطوائف السورية – مع استثناءات بسيطة – دعامة النظام القاتل والقمع الأسدي اليوم -
إن الثورة المضادة للحرية والديمقراطية والخبز والعدل وأبسط حقوق الإنسان وكرامته تجمع إلى جانب أعداء الثورة سواء كانوا مستعمرين أجانب أوطغاة محليين وتجار الدين وخصوصاً الطبقة العليا منهم لذلك أجهضت ثورة طانيوس شاهين الجمهورية في لبنان – كما يجري التاّمر اليوم أمامكم ضد ثورتنا السورية ثورة الحرية والجمهورية البرلمانية الديمقراطية لا أكثر - فدور البطريرك الماروني – بولس مسعد – وشيخ الفتوة بدمشق ( عبد الله الحلبي ) الذي أصدر فتوى طائفية عنصرية يقول فيها :
( لايحق للمسيحيين في لبنان وسورية أن تكون لهم نفس حقوق المسلمين ولا يجوز مساواتهم بهم .) لايختلف هذا التمييز العنصري الطائفي والطبقي الإقطاعي عن دور الشيخ حسونة أو العرعور اليوم وكفتارو وقبلهم في دعم الإستبداد الأسدي والتمييز العنصري و في الوقوف مع الإحتلال الأجنبي ومع الإقطاع المحلي الديني والسياسي , وعلينا دوما التمييز الطبقي في قلب مجموعات رجال الدين بين الموظفين الصغار من المشايخ والكهنة الذين يعيشون مع الشعب وقد إشترك منهم عدد لابأس به مع الثورة مثل بعض الكهنة – العازاريين – الذين أطلقوا على الثائر طانيوس شاهين لقب ( الماريشال البطل ) كما أيده ثوار من جميع الطوائف واستشهد عدد منهم في مجابهة الثورة المضادة التي قادها الإقطاعيون اّل الخازن وحبيش في كسروان مدعومين من البطريركية والسلطنة العثمانية.ومشايخ الطوائف الأخرى الذي يشكلون جميعاً الثورة المضادة ..
وهذا مشابه تماما لوضع ثورتنا السورية اليوم في القرن الحادي والعشرون قبل دخول الغرباء المأجورين لتشويه الدين و الثورة وأسلمتها ....
إن أسباب فشل العاميات والثورات الشعبية المتعددة في منتصف القرن التاسع عشر ليس في بلادنا وحسب بل في أوربا أيضاً حيث فشلت ثورات الفلاحين في ألمانيا وفرانسا عام 1848 وثورة الديسمبريين -- وثورة 1905 في روسيا لعدم وجود الطبقة العاملة المتطورة والثورية المرتبطة بوسائل الإنتاج الأكثر تطوراً في قيادتها المتحالفة مع الفلاحين الفقراء والمثقفين الثوريين لقيادة الثورة بنجاح , ولتشكل الضمانة الأساسية لصمودها وإنتصارها ...
أما أن تقود طفيليات من البورجوازية الإنتهازية الوصولية وتجار الشنطة اليوم المنتقاة من الدوائر الإستعمارية مصير ثورة سورية البطلة الرائدة , التي أذهلت العالم المتاّمر عليها طيلة خمس سنوات – وتتاجرهذه الطفيليات بدماء شهدائها ومصير ملايين السوريين والسوريات في سجون ومعتقلات النظام النازي الأسدي المعرضين للموت يومياً . أو البؤساء والمشردين في كل أصقاع العالم وتنطق بإسمها في الأبراج الدولية لدول البترودولار وسوق النخاسة الدولي و نضال الفنادق ... فتلك والله قمة الإنحطاط البشري الخاضع لإبتزاز أعداء البشرية والتحرر والسلام .. 10 / 12 – لاهاي
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - الرفيق العزيز جريس الهامس
فؤاد النمري
(
2015 / 12 / 11 - 22:02
)
سعدت جداً بقراءة استعراضكم التاريخي الذي كنت أجهله
تحياتي لشخصكم الكريم
2 - الرفيق الغالي فؤاد النمري
جريس الهامس الكاتب
(
2015 / 12 / 12 - 11:07
)
كل منا يا أخي العزيز .. يبحث ويضئ على صفحات ثورية وطبقية منسية أ و مطوية في تاريخنا وتاريخ البشرية وهذا واجبنا ..
سعد ت بمروركم الكريم مع التحية والود ..
.. رولكس من الذهب.. ساعة جمال عبد الناصر في مزاد
.. Socialism 2024 rally
.. الشرطة الألمانية تعتدي على متظاهرين مناصرين لغزة
.. مواطنون غاضبون يرشقون بالطين والحجارة ملك إسبانيا فيليب السا
.. زيادة ضريبية غير مسبوقة في موازنة حزب العمال تثير قلق البريط