الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشروع العرقي في المغرب .. من الرهان الكولونيالي إلى الرهان النيوكولونيالي

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2015 / 12 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


يعيش المشروع العرقي الأمازيغي، في المغرب، مرحلة جديدة على إيقاع التوصيات الأخيرة التي أصدرتها لجنة الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية في الأمم المتحدة، و تعتبر هذه التوصيات تتويجا لسنوات من صٍراع هذا المشروع العرقي ضد المشترك الثقافي و الاجتماعي المغربي، تحت غطاء سياسي خارجي يوجه البوصلة في اتجاه مصالح القوى العظمى في العالم.
و قد حذرنا، طوال مسار انشغالنا بالمسألة الثقافية في المغرب، من هذا التطور الخطير الذي يعتر نتيجة طبيعية لمقدمات سابقة، لعل من أهمها الشراكة العرقية-الفرنكفونية القديمة، و بعدها الشراكة العرقية-الصهيونية الطارئة، و انتهاء بالشراكة العرقية-الصفوية التي هي الآن في طريق التشكل. كل هذه المقدمات كانت تؤشر على تحول محتمل في طبيعة الخطاب و الممارسة العرقيين، في اتجاه التدويل و ذلك في أفق نقل القضية من لجنة الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية في الأمم المتحدة، إلى لجنة تصفية الاستعمار، للمطالبة بحق تقرير المصير.
إن من بين أهم الملفات التي تعتبر استثمارا رابحا من طرف القوى النيو-كولونيالية، ملف التعدد العرقي و الطائفي، في دول العالم الثالث، و لذلك فإن أقرب السبل للتحكم في القرار الوطني، سياسيا و اقتصاديا، من طرف القوى الخارجية هو إثارة الخلاف بين المكونات العرقية و الطائفية، في البداية، ثم نقل الخلاف من طابعه الوطني الداخلي إلى طابع خارجي، و هكذا يتم من خلال توظيف القانون الدولي من منظور يتلاءم مع مصالح القوى المهيمنة، مع محاولة شرعنة هذا التدخل عبر أذرع الأمم المتحدة التي تعتبر امتدادا مباشرا لوزارات الخارجية في أوربا و أمريكا.
هذا السيناريو، بالضبط، هو الذي تجري أحداثه، اليوم، في دول المشرق العربي، حيث تم وضع خرائط جديدة مسبقا انطلاقا من نظرية ( حدود الدم)Blood Borders التي قدمها الجنرال الأمريكي المتقاعد رولف بيترز Ralf Petrs و طورها بعده ثعلب وزارة الخارجية الأمريكية السابق هنري كسنجر henry kissinger و الآن يجري فرض هذه الخرائط من خلال توظيف الصراع الطائفي، و ذلك لأن هذا النوع من الصراع، المتحكم فيه خارجيا، هو وحده القادر على تحقيق التصور الخرائطي الجديد للمنطقة العربية. و هكذا أصبح ممكنا، من منظور أورو-أمريكي، الحديث عن تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات (الأكراد-السنة-الشيعة) و نفس الشيء في سوريا (السنة- العلويون –الأكراد) و اليمن ( الشيعة – السنة) و مستقبلا في مصر (المسلمون- الأقباط )، و كل هذا يفضي، في الأخير، إلى فرض خرائط جديدة تضمن المشروعية للتواجد النيو-كولونالي الغربي مجسدا في الكيان الصهيوني الذي سيتم تقديمه ككيان سياسي و اجتماعي أصيل، في مقابل كيانات مصطنعة هجينة قابلة للتفجير و إعادة الصياغة في أي حين.
هذا السيناريو، نفسه، هو الذي يجري تهييئه، على نار هادئة، في دول المغرب العربي عبر توظيف المشروع العرقي الأمازيغي، من منظور أممي يستجيب لمصالح القوى المتحكمة في القرار السياسي الدولي. هذا التوجه واضح في الجزائر و ليبيا، و الآن يتم توظيفه في المغرب، و الأمر ليس مصادفة حينما يتزامن حدثان بنفس الصيغة. ففي الوقت الذي خرجت فيه لجنة الشؤون الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية في الأمم المتحدة بتوصيات حول حقوق الأمازيغ في المغرب، في هذا الوقت بالذات، يعلن قبايليو الجزائر عن توجههم إلى نفس المؤسسة الدولية للمطالبة باستقلال منطقة القبائل بدواعي عرقية، و في ليبيا يتم توظيف الورقة العرقية، منذ سقوط نظام القذافي، من أجل فرض مشروع تقسيم البلاد بشكل يستجيب لمصالح القوى العظمى.
إن المشروع النيوكولونيالي، حينما يوظف الورقة العرقية في دول المغرب العربي، بهدف إعادة صياغة خرائطها، لا ينطلق من فراغ بل إنه يمتلك رصيدا كولونياليا في شكل خطط سياسية و عسكرية، و كذلك في شكل تنظيرات سوسيولوجية. و لعل هذا الرصيد هو الذي يوجه معركة إعادة التقسيم، من منظور جيو-بوليتيكي يخدم المصالح الاقتصادية للاستعمار الجديد، الذي انتقل من الاستراتيجية العسكرية التقليدية إلى تصور استراتيجي جديد يقوم على أساس الاستثمار في التعدد العرقي و المذهبي كوسيلة فعالة من أجل ابتزاز الدول العالم-ثالثية اقتصاديا و سياسيا.
قد يستهين البعض بما يجري من تحولات بخصوص الورقة العرقية في المغرب، لكن نذكرهم بأن الورقة الانفصالية في الصحراء لم تكن، في البداية، تثير أي ريبة لأن الصراع كان ضد الاستعمار الإسباني، و الصحراويون كانوا جزءا من التيار الوطني المقاوم للمشروع الاستعماري، لكن دخول قوى دولية و إقليمية على خط توظيف الملف لصالحها، هذا الدخول المفاجئ حول الملف من قضية تصفية الاستعمار، إلى أطروحة انفصالية مدعومة خارجيا تحت مسمى تقرير المصير.
إن دخول الأمم المتحدة على الخط، فيما يخص الورقة العرقية في المغرب، يوحي بوجود طبخة سياسية يتم تهيئها على نار هادئة، و ذلك لأن المؤسسات الأممية ليست محايدة و موضوعية، في مقاربتها للعديد من القضايا، بل تمثل مشاريع و رؤى الدول الأعضاء، و لذلك فإن ما يصدر عنها من قرارات هو، في الأخير، تجسيد لموازين القوى الدولية.
و من هذا المنظور فإن إصدار توصيات أممية بخصوص الورقة العرقية في المغرب، هو تعبير عن تدخل دولي مرتقب في القضية استجابة لمصالح تربط بعض القوى الدولية بالمغرب، و هي كثيرة و مختلفة، منها تذكير المغرب –عبر سياسة الابتزاز- بدوره كشرطي حدود في منطقة البحر لابيض المتوسط، و كذلك تذكير المغرب بدوره الاستخباراتي الدولي في محاربة الإرهاب، و كذلك الورقة الاقتصادية عبر فتح الأسواق و تسهيل مساطر الاستثمار ...
و في علاقة بالموضوع، فإن هناك تجارب دولية سابقة، يجب استحضارها و الاستفادة منها، و خصوصا التجربة الجزائرية بخصوص نفس الورقة العرقية الأمازيغية، فقد تم الترويج للأطروحة الانفصالية العرقية داخل فرنسا كرد على المطالب الجزائرية لفرنسا بالاعتذار الرسمي عن المرحلة الاستعمارية، و لذلك فقد تم استدعاء بعض النشطاء العرقيين، و عملت مصالح وزارة الخارجية الفرنسية، في تنسيق مع المخابرات، على تأطيرهم و توجيههم، و بشكل مفاجئ و دون سابق إنذار تم الإعلان عن حكومة مؤقتة تمثل منطقة القائل. و بعض أن توالت الزيارات الرسمية المتبادلة بين الجزائريين و الفرنسيين، تراجعت الورقة العرقية إلى الخلف، و تراجعت معها المطالب الانفصالية، و عاد النشطاء إلى معاقلهم ينتظرون الضوء الأخطر لمعاودة الظهور و رفع الشعارات الانفصالية، و تنظيم المؤتمرات الصحفية للإعلان عن التشكيلة الحكومية المرتقبة. داخل الأمم المتحدة !!!
لابد، إذن، أن نستوعب اللعبة الدولية فيما يخص الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية التي تقودها لجنة كاملة من داخل الأمم المتحدة. إن الأمر لا يتعلق بمطالب حقوقية تستنفر الأمم المتحدة أجهزتها للدفاع عنها، و لكن الأمر يتجاوز ذلك، بكثير، لأن هذه الحقوق تتحول إلى أوراق ابتزاز جاهزة و قابلة للتوظيف في أي حين، و بعد أن تقوم بوظيفتها الخارجية، عادة، تتوارى إلى الخلف في انتظار دورها القادم.
لكن أخطر ما في الأمر، يتعلق ببعض النشطاء الذين يستثمرون في هذه الملفات الملغومة للحصول على مكاسب مادية و رمزية، حتى و لو كان ذلك على حساب المصالح العليا لأوطانهم ! و لعل دور هؤلاء، في علاقة بالورقة العرقية، ليشبه الدور الذي قام به (المحميون) في تاريخ المغرب الحديث، حينما طلبوا الحماية في أوطانهم من قوى خارجية، فكان ذلك مدخلا رئيسيا لدخول كل البلاد، بعد ذلك، تحت الحماية الاستعمارية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد زيارة بوتين للصين.. هل سيتحقق حلم عالم متعدد الأقطاب؟


.. كيربي: لن نؤيد عملية عسكرية إسرائيلية في رفح وما يحدث عمليات




.. طلاب جامعة كامبريدج يرفضون التحدث إلى وزيرة الداخلية البريطا


.. وزيرة بريطانية سابقة تحاول استفزاز الطلبة المتضامنين مع غزة




.. استمرار المظاهرات في جورجيا رفضا لقانون العملاء الأجانب