الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صدام والأسد .. هل كان أحدهما طائفيا (1)

جعفر المظفر

2015 / 12 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


صدام والأسد .. هل كان أحدهما طائفيا (1)
جعفر المظفر
يتصور البعض ان التأكيد على لاطائفية أي من النظامين يأتي من باب الدفاع عن أحدهما أو الإنحياز له. الواقع أن ذلك خطأ كبير, إذ أن بالإمكان وضع اليد على الكثير من إنحرافات وجرائم هذين النظامين دون الإضطرار إلى إلصاق تهم ليست ذات علاقة بهما. إن الأمر شبيه هنا بمحاولة حرق أوراق النظامين السياسية عن طريق إتهامهما بالولاء للصهيونية أو العمالة لأمريكا أو حتى للماسونية وكأن هذين النظامين لم يكونا يحملان من الطبائع الإستبدادية ما يجعلهما مرفوضين بحكم غياب المواصفات الإنسانية المطلوبة.
إن أفضل دليل على طائفية البعض إدانته لطائفية أحدهما وإبعاد التهمة عن الآخر تماما, وخاصة حينما ينهج إلى ذلك من خلال إستناده على جداول رقمية تتحدث عن عدد الموظفين الكبار من كلا الطائفتين في الحكومة بينما يغض النظر عن الجداول المشابهة في حالة الآخر, في حين أن الأمر في الحالتين قد يصل إلى حدود التطابق بحيث يمكن القول في حالتنا هذه ودون تردد أن بشار هو طائفي إذا كان صدام كذلك.

حينما تتشابه السياقات الموضوعية في ساحة سوف تتماثل إلى حد بعيد النتائج. إنها جدلية السبب والنتيجة. المضمون والتعبير عنه. لكننا إزاء الساحتين السورية والعراقية نشهد أن الإختلاف هو في الإتجاه وليس في الكم والكيف, أو في المضمون والمعنى, أو في السبب والنتيجة: في سوريا هناك على المستوى العام الأغلبية السنية في مواجهة الأقلية العلوية, أما في العراق فلدينا الأغلبية الشيعية في مواجهة الأقلية السنية. هكذا يضع الجوار الجيوبوليتيكي حفرة مأزقية أمام كثير من الذين يتصدون للبحث في مشاكل الساحتين. ولأن هذه الحفرة كبيرة جدا وعميقة جدا ويسهل على السائر رؤيتها بوضوح فإن الذين يقعون فيها لا بد وإنهم مصابون بالعمى الطائفي. وهذا من جانب آخر يكشف عن مدى التخريب الذي تحدثه الطائفية في العقل البشري.

لقد حاول أنصار كلا التجربتين , العراقية بقيادة صدام حسين والسورية بقيادة بشار الأسد التأكيد على لاطائفية الجهة التي ينتصرون لها من خلال الإتيان بجداول تحتوي على عدد الموظفين الكبار من السياسيين والقادة العسكريين والأمنيين من غير طائفة الرئيس. وإن القارئ لتلك الجداول سوف يضع اليد فورا على وجود عدد ملحوظ من الرجال المختلفي الهوية الطائفية عن هوية رئيس النظام ذاته. في القائمة السورية سوف يعثر على اسماء سنية تتقلد بالفعل مناصب هامة مثل منصب نائب الرئيس, وسيعثر بسهولة على عدد ملحوظ من أسماء الأعضاء في القيادتين القطرية والقومية للحزب وعلى اسماء لقيادين كبار في الجيش والمؤسسات الأمنية وبداية من رئاسة الأركان ومرورا بمدراء الأمن وجهاز المخابرات, أما في القائمة العراقية فهناك أيضا قيادين عساكر وسياسيين من الشيعة يتقلدون المناصب الوظيفية والسياسية الرفيعة على مستوى الحزب والدولة.

لو أن الأمر موكول بالنسب الرقمية لما صعب علينا وضع اليد على الهوية لطائفية لأي من النظامين إعتمادا على عدد القيادين الكبار في كليهما, فحتى في حالة إستخدام النسب الرقمية سيخرج أصحاب هذه الجداول خاسرين بالنتيجة. لكن الإحاطة بالمشهد الشامل لأي من النظامين تتطلب الإحاطة بمجمل الظروف الموضوعية الخاصة التي احاطت باي منهما على حدة, فرغم تشابه عناصر المشهدين الرئيسيين إلا ان المحطات الأساسية التي مرا بها لا شك كانت مختلفة إلى حد واضح.
نلاحظ أولا وعلى صعيد عراقي أن القيادة البعثية التي تمكنت من الهيمنة على النظام في السابع عشر من تموز عام 1968 والتي هيأت بعدها لصعود الهيمنة الصدامية الحاسمة كانت اتت في اعقاب إنهيار تجربة النظام البعثي السريعة على يد عبدالسلام عارف. في فترة ما قبل ذلك الإنهيار كانت القيادة البعثية التي قامت بالإنقلاب على عبدالكريم قاسم قد ضمت خمسة قيادين شيعة من بين الثمانية الاساسيين. هؤلاء القيادين كانوا إنتخبوا من قبل أغلبية سنية شكلت قاعدة البعث حينها, لكن هذه التشكيلة سرعان ما تغيرت بشكل حاسم لصالح السنة, ولا يوجد هناك ما يدل على أن التغيير قد حدث لسبب طائفي, إذ لم تكن البيئة العراقية السياسية قد تغيرت بعد لتوضع تحت تأثير عامل من هذا النوع, كما يلاحظ أيضا ان نسبة القيادين الشيعة المتغلبة سابقا لم تأتي كإنعكاس لأكثرية قاعدية بعثية, بل لعل العكس كان هو الصحيح مما يؤكد على غياب مؤثر لعامل الإصطفاف الطائفي داخل الحزب, حتى أن القيادة البعثية التي اتت قبل وبعد إستلام السلطة في السابع عشر من تموز عام 1968 قد شهدت حينها غياب شبه كامل لأي عنصر شيعي, أما العناصر الشيعية التي جرى إنتخابها بعد ذلك للقيادة فقد جاءت تالية على التغيير والمثال على ذلك سعدون حمادي, مزبان خضر هادي, عبدالحسن راهي فرعون, وربما آخرون لا يتسنى لي إسترجاع أسماءهم, غير أنهم ظلوا يشكلون أقلية بقياس الإنتماء الطائفي وليس بقياس الهوية البعثية.

لم يكن صدام ساذجا لدرجة عدم تقدير حساسية الموقف الطائفي فالرجل كان يهمه بالدرجة الأولى بقاء السلطة بأعنف الأساليب, ويمكن الآن إستعادة واحد من المشاهد الأساسية التي تعبر تماما عن إستيعابه لتك الحساسية, ففي عام 1982 والحرب مع إيران كانت على أشدها أقدم صدام على إقالة خمسة من أعضاء القيادة القطرية وكان جميعهم من السنة لمجرد قيامهم بالتردد على الجوامع والصلاة فيها, بينما لم ينل ذلك الإبعاد عضوا قياديا شيعيا واحدا.
كذلك فإن عمليات الإعدام عام 1979 شملت خمسة وكان سادسهم عبدالخالق السامرائي, اي النصف تقريبا من أعضاء القيادة البعثية وكان أغلبهم من السنة في حين ضمت قائمة الكوادر المسجونين والمعدومين أغلبية سنية كبيرة تجاوز عددها الستين. ويلاجظ أن التهمة التي أدت إلى إعدامهم هي التعاون مع نظام حافظ الأسد من أجل الإطاحة بصدام حسين وفريقه, وهذا بحد ذاته تأكيد كبير على إن الإصفافات لم تكن تجري بشروط طائفية وإلا لما والى القياديون العراقيون من السنة القيادة السورية برئيسها العلوي ضد الرئيس العراقي السني !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الانظمه الاستبداديه فوق الطائفيه
محمد سعيد العضب ( 2015 / 12 / 11 - 19:11 )
تلجأ الانظمه الاستبداديه ومنها -نظام صدام والاسد الاب والابن -, دائما الي كافه الوسائل لتقويم ودعم استمرارها في الحكم وكثير من الاحيان تغير مواقفها الفكريه والادلويلوجيه . لقد تغير موقف حزب البعث في سوريا والعراق اتجاه الشيوعيه والدين اواتجاه الراسماليه والقطاع العام والخصصه من ناحيه والولايات المتحده والغرب او بلدان المعسكر الاشتراكي السابق اوبلدان العالم الثالث من ناحيه اخري و فكافه هذه الانحرافات العديده صبت دائما في تعزيز هيمنه الفرد الحاكم المستبد . التاريخ الحديث شاهد علي هذه التغيرات . فالطائفه والعشيره والمناطقيه ,بل حتي الارتباط العائلي كلها وسائل يراد منها ويتم استغلالها بدرايه لاجل تلبيه اهداف الحاكم الفرد المستبد .
من هنا قد يكون من غير المجدي بمتابعه مثل هذه الظاهره ومحاوله الاجابه ...هل صدام او بشار الاسد طائفي او غيره؟ .

اخر الافلام

.. مصدر عسكري: إسرائيل تستعد لتوسيع العملية البرية جنوب لبنان


.. لماذا يحتكر حزبان فقط السلطة في أمريكا؟




.. غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت والجيش الإسرائيلي يطلب إخلا


.. معلومات جديدة عن استهداف إسرائيل لهاشم صفي الدين




.. الحرب على لبنان | لقاء مع محمد على الحسيني