الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتهاك الجسد السوري بين التطرف والإرهاب

هيثم خوري

2015 / 12 / 12
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


دفعني غباء بعض الغربيين إلى الضيق، وبالتحديد غباء هؤلاء الذين يسألونك عن “غزوة باريس” على اعتبارك سورياً ومتهماً بها حتى تعلن علناً إدانتك لها. طبعاً، إنني أرفض هذا الغباء، لأنني مقتنع أن كل “عنزة معلقة من عرقوبها”، وكل فرد مسؤول عن تصرفاته، وكل تنظيم مسؤول عن أفعاله، ولا يقع عليّ أو على أي سوري ليس له علاقة بداعش تحمل مسؤولية أفعال هذا التنظيم. هذا عدا أنه ثبت بالدليل القاطع أن المسؤولين عن "غزوة باريس" جميعاً ابتداءً من العقل المدبر وحتى آخر بيدق منفذ هم مواطنون فرنسيون ولدوا في فرنسا وترعرعوا فيها.
في لحظات الضيق هذه قلت في داخلي “لماذا الذين أرادوا مساعدتنا فاقموا بلوانا، عن قصد أو غير قصد، بهذا المرض الخبيث الذي اسمه داعش؟”، وسأوضح ما أعني بذلك، ولكن قبل ذلك دعوني أقوم ببعض التعريفات.
أ‌. تعريفات:

1. الإرهاب: هو كل عنف أو تخريب أو قتل بغية ترويع الناس لإرضاخهم. هكذا أُستخدم بشكل خاص في الستينات لوصف المنظمات الشيوعية التي تبغي تحقيق الشيوعية في بلادها عن طريق العنف التخريبي، كما أُعتبرت منظمة ال “ETA” الاسبانية التي تطالب باستقلال إقليم الباسك وتقوم بأعمال تفجير في اسبانيا كحركة ارهابية، ونُظر إلى “الجيش الجمهوري الإيرلندي” (البروتستانتي) كمنظمة ارهابية حتى تم حله عام 1998، ومازال الشق العسكري لحزب الله اللبناني يُعتبر ارهابياً.

طبعاً الإرهاب ليس مقتصراً على المنظمات، بل ينطبق على الأنظمة الحاكمة والدول، ولكن إرهاب الأنظمة عادة ما يُصنف تحت خانة جرائم الحرب أو جرائم الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية.

لهذا فإنني اعتبرت “داعش” تنظيماً ارهابياً، لأن قتل الناس بقذائف ال RBG أو دعسهم أحياء بالدبابات، أو حرقهم أحياء هو الارهاب بعينه.

2. التطرف: التطرف هو اتباع عقيدة فكرية أو دينية أو سياسية، تبتعد عن التيار العام، يتعصب أتباعها لها ويعتبرون كل من ليس معهم هم على خطأ، وسأشرح لاحقاً لماذا اعتبرت “النصرة” متطرفة سياسياً.

ب‌. المساهمة التركية في نمو “داعش”:

أظن ليس خافياً على أحد أن أردوغان وبشار الأسد كانا على علاقة طيبة قبل بدء الثورة السورية. في الأشهر الأولى من الثورة حاولت تركيا إيجاد حلول تضمن بقاء نظام الأسد وتحقق جزء من المطالب الشعبية، خصوصاً أنها كانت على علاقة جيدة مع بعض فصائل المعارضة، وضمن هذه المحاولات تم إطلاق سراح معتقلين في سجون الأسد وتسليم حسين الهرموش للمخابرات السورية في صيف 2011. ولكن أحست أنقرة بالصدمة عندما سمح النظام لصالح مسلم وحزبه العمل بحرية في الشمال السوري، ثم توصلت المخابرات التركية لاحقاً إلى نتيجة مفادها أن هناك تنسيقاً أو ربما تعاوناً بينهما، عندها انقلبت تركيا على الأسد وعادته، لأنها اعتبرت ذلك نقضاً لاتفاق أضنة الموقع بين سوريا وتركيا عام 1998.

طلبت أنقرة من الولايات المتحدة في الأشهر الأولى من عام 2012 السماح لها بالدخول 35 كم في عمق الأراضي السورية، كما يقر اتفاق أضنة المذكور أعلاه، ولكن الولايات المتحدة لم توافق، فردت أنقرة بالحد من عمل قاعدة “أنجرليك” الأمريكية الموجودة على الأراضي التركية، وبالتغاضي عن مرور الجهاديين عبر أراضيها الذين كانوا يأتون من روسيا والاتحاد الأوروبي ليقاتلوا في سوريا. نبهنا الحكومة التركية لخطورة هذه السياسة الأخيرة عدة مرات، وأشرنا إليها ببعض النقاط التي يتم فيها تجميع الجهاديين قبل دخولهم إلى سوريا فلم تحرك ساكناً، بل كانت تُميّع الأمور في كل مرة، ثم ظهرت لنا دلائل أن هناك قنوات اتصال خلفية بين تركيا و”داعش”. إنني أستطيع تفهم أن لتركيا مصالح وعليها مراعاتها، ولكن لنا نحن أيضاً مصالح بعدم تمزق الجسد السوري أكثر مما هو ممزق وعلينا العمل لتحقيقها.

ت‌. المساهمة القطرية في نمو داعش:

عندما بدأت الثورة السورية، كان واضحاً أن لدى قطر (وخصوصاً وزير خارجيتها حمد بن جاسم) طموح بتولي مسؤولية القضية السورية، وكان ذلك ممكناً لأن قطر كانت تشغل منصب الرئاسة في الجامعة العربية في ذلك الوقت، وأيضاً بسبب ضعف واتكالية المعارضة السورية الممثلة بالمجلس الوطني. في البداية رعت قطر هذا الملف سياسياً، ولكن مع تعنت النظام وازدياد عنفه، أصبحت الرعاية عسكرية أيضاً.

قليلاً بعد رعاية قطر للمعارضة المسلحة، بدا واضحاً أن قطر تدعم وتسلح فصائل معينة على حساب فصائل أخرى. إلى أن انتهى الأمر بأن تقدم قطر بحسب بعض التقديرات 80% من التمويل والتسليح “للنصرة” و”أحرار الشام” (وخصوصاً “النصرة”) مع أن أعداد هؤلاء لم يكن يتجاوز 20% من مقاتلي المعارضة. لم تمانع الولايات المتحدة هذا برغم الخلاف العقائدي مع “النصرة”، لأن الولايات المتحدة كانت تتعامل مع القضية السورية على مبدأ "فخار يكسر بعضه"، ولكن هذا أثار حفيظة المملكة العربية السعودية بسبب وجود خلاف عقائدي بينها وبين “النصرة” سأتطرق له لاحقاً.

أما على الصعيد المحلي فإن هذا أدى إلى إضعاف فصائل “الجيش الحر”. فقامت “النصرة” بأخذ أمكنة “الجيش الحر” في الشرق السوري وإدلب، وقام عناصر من “الجيش الحر” بالانضمام إلى “النصرة”، ثم عندما أتت “داعش” وأخذت مكان “النصرة”، بدأت المشاكل بين “النصرة” و”داعش”، ترك كثيرون “النصرة” والتحقوا ب”داعش” (كما سنرى لاحقاً)، هكذا ساهمت قطر من حيث لا تدري في تمدد “داعش”، مما أغضب الولايات المتحدة، ليس لأنها تقلق على سوريا بل على العراق، مما نتج عن ذلك نزع الملف السياسي السوري من يدي قطر، وإعطائه للسعودية، وتحجيم نفوذ قطر العسكري في المعارضة السورية.
ث‌. العلاقة الملتبسة بين “داعش” و”النصرة”:

بعد أن خرج “الجولاني” من سجون الأسد في صيف 2011، ذهب إلى العراق لينضم ثانية إلى “دولة العراق الإسلامية”، وهو كان قد قاتل الاحتلال الأمريكي في صفوفها من عام 2003 حتى عام 2009. أقنع “الجولاني” البغدادي بتأسيس “جبهة النصرة” كفرع ل”دولة العراق الإسلامية” في سورية تحت اسم "جبهة النصرة لأهلنا في بلاد الشام"، دخل “الجولاني” مع "المجاهدين" الذين بعثهم معه “البغدادي” إلى سوريا في شهر كانون أول عام 2011، أوكد أن “جبهة النصرة” دخلت سوريا كفرع ل”دولة العراق الإسلامية”.

عندما دخلت جبهة النصرة في البداية حاربت الجيش الحر، فأخذت الرقة من “الجيش الحر” مثلاً، بعد أن تمددت “النصرة” في المشرق السوري طالب “البغدادي” من “الجولاني” الإعلان أن “جبهة النصرة” هي فرع ل”دولة العراق الإسلامية”، ولكن “الجولاني” رفض، فظهر تسجيل صوتي منسوب لـ "أبي بكر البغدادي"، يعلن فيه صراحة أن "جبهة النصرة" هي امتداد لـ "دولة العراق الاسلامية" بتاريخ 9 نيسان/ابريل 2013، وفي نفس التسجيل أعلن فيه إلغاء اسميّ "جبهة النصرة" و"دولة العراق الاسلامية" ليعلن ضمّهما تحت مسمى واحد وهو "الدولة الإسلامية في العراق والشام". بعد ذلك بفترة قصيرة، ظهر تسجيل صوتي لـ "أبي محمد الجولاني" يعلن فيه عن علاقته بـ"دولة العراق الإسلامية"، لكنه رفض فكرة الاندماج وأعلن بدلاً عن ذلك المبايعة المباشرة لأيمن الظواهري رئيس تنظيم "القاعدة" في افغانستان. نتيجة لذلك دخل “البغدادي” إلى سوريا ملاحقاً “الجولاني”، فطرد النصرة من الرقة وأعلن الرقة عاصمة له. أوكد لولا الجولاني لم يكن عند البغدادي أي فكرة للامتداد إلى سوريا.

أدى هذا الخلاف بين "البغدادي" و"الجولاني" إلى انشقاق ضمن "جبهة النصرة"، حيث التحق عدد كبير من أعضائها بـ"داعش"، كما انضمت إلى "داعش" فصائل كاملة منها "مجلس شورى المجاهدين" بقيادة "أبي الأسير"، و"جيش المهاجرين والأنصار" الذي يقوده" أبو عمر الشيشاني" الذي بايعها في معركة مطار “منغ”. كما انضم إلى “الدولة" مقاتلون سابقون في فصائل "الجيش السوري الحر"، ومن هؤلاء عناصر من "أحرار الشام" و"لواء التوحيد" وغيرهم. فيما يتعلق بعلاقة "داعش" بـ "القاعدة"، فقد قطعت “داعش” علاقتها مع القاعدة، على خلفية تأييد الظواهري لـ "الجولاني"، وطالبت تنظيم القاعدة وأميرها “الظواهري” ببيعتها كإمارة ودولة في 12 مايو 2014. هكذا ورط “الجولاني” سوريا بسرطان اسمه “داعش”.

في النهاية يجب أن أقول إنني أقدر التضحيات المخلصة التي قدمها سوريون منضوون تحت لواء جبهة النصرة، ولكن يجب أن يعلموا أن هذا التنظيم أمام خيار مهم في الأشهر القادمة، سأشرحه في فقرات لاحقة.
ج‌. النصرة أمام خيارات مصيرية:

تختلف النصرة عن بقية الفصائل المسلحة المعارضة للنظام في نقطتين هامتين:
1. الانتماء للقاعدة (بسبب البيعة التي قدمها الجولاني للظواهري).
2. وجود مقاتلين أجانب في صفوفها.

وبسبب هاتين النقطتين وصفتها بأنها متطرفة، إذ كما عرّفت التطرف سابقاً هو الانزياح عن الخط العام. كان من المفروض أن يعلن “الجولاني” فك ارتباطه بالقاعدة وطرد الأجانب من صفوف النصرة قبل لقائه مع أحمد منصور على الجزيرة الذي جرى بتاريخ 27 أيار 2015، ولكنه لم يفعل مع أنه وعد، وكانت حجته أنه لا يريد للأجانب الذين لديه أن يذهبوا إلى “داعش” إذا طردهم وفك ارتباطه بالقاعدة.

ولكن الآن هذه الحجة أصبحت واهية لأن الخناق بدأ يتضيق على “داعش”، والأهم من هذا هناك استحقاقات للمعارضة السورية لا تحتمل الانتظار. الشهر المقبل هناك مؤتمر للمعارضة في الرياض لتوحيد صفوفها، وبالتحديد ضم المعارضة المسلحة في مظلة واحدة هي الجيش الحر، وبحسب علمي أن “جيش الإسلام” تعهد بالحضور، و”أحرار الشام” أعطت اشارت إيجابية نحو الحضور، و"لم يبقى في الميدان إلا حديدان"، أي “النصرة”. وحقيقة فالنصرة لن تدعى إليه ما لم تفك ارتباطها بالقاعدة وتطرد الأجانب الذين لديها، فالمملكة العربية السعودية على خلاف عقائدي مع القاعدة، وهي تخاف من عودة الجهاديين السعوديين الذين لدى “النصرة” إليها بعد انتهاء الحرب. لقد تم ارسال رسالة من السعودية إلى “الجولاني” بهذا الخصوص، والسعودية تنتظر الجواب، وللعلم إن أي فصيل لن يحضر مؤتمر الرياض سيعتبر إرهابياً في التقرير الذي سيصدر عن الأمم المتحدة في نهاية شهر كانون ثاني.

ح‌. النتيجة:

آن للجميع تحمل مسؤولياتهم والتوقف عن انتهاك الجسد السوري.

ملاحظة: كُتب هذا المقال بتاريخ 20/11/2015، أي قبل اجتماع المعارضة السورية الذي عقد منذ أيام في مدينة الرياض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام


.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي




.. وقفة احتجاجية لأنصار الحزب الاشتراكي الإسباني تضامنا مع رئيس


.. مشاهد لمتظاهرين يحتجون بالأعلام والكوفية الفلسطينية في شوارع




.. الشرطة تعتقل متظاهرين في جامعة -أورايا كامبس- بولاية كولوراد