الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من رعود -شكري بالعيد- الى سيدني

هيثم بن محمد شطورو

2015 / 12 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


كان من الأجدى لجميع الفاعلين السياسيـين في تونس ان يقـفوا وقـفة اجلال كبرى امام قبر قربان الحرية في تونس "شكري بالعيد" الذي أوقـد سماءات تونس بقـذائـفه الكلامية الحاملة لمعرفة سياسية لم يتعود عليها المواطن التونسي العادي، و لم يتعود عليها جهاز الاستماع العربي من جلجلة حارقة صاروخية ضد الحكم و السلطة اولا، و محموله الاتعـس من حكم الترويكا النهضوية الاسلامية. فالمواطن العادي تعود عدم قـذف السلطة او انـتـقـادها اضافة الى الذهول من الحقائق التي كان يدلي بها الشهيد حول الاسلاميـين و حركة النهضة.
هذا المواطن الذي ورث مقولة "عاش الملك مات الملك"، وجد نـفـسه امام صوت معارض للسلطة كالرعد أيـقضه هو نفسه من نفسه الجبانة. جعل "شكري" المستمع امام جبنه مباشرة و ليس السلطة فـقط. لذلك كان المواطن العادي يحاول رفض "شكري" في حياته ليرفض رؤية جبنه الشخصي امام نفسه. لكن حين استـشهد "شكري" انـقـلب الرفض الى شبه عبادة لشخصه. كان شهيد الشجاعة ضد السلطة،شهيد حريتهم جميعا و شهيد الحق. اصبحت كلمات شكري حقيقية حين توجتها دماؤه الزكية. تحول رفض ان تكون جبانا الى احساس بالذنب تجاه الحق الذي حجبت نفسك عنه لجبنك.
فأنت في حضرة الصوت القوي الناعم لأمل المثلوثي اليسارية التي غنت اغنية " نريد الحرية" و التي ألقـتها قبل الاحتـفال في "سيدني" في شوارع تونس العاصمة ايام الثورة، تـقع فريسة سهلة لحنين الرفاق الشجعان "شكري بالعيد" و "محمد البراهمي" اللذين أحدثا وقع الزلزال من تحت أقـدام الذئاب المتربصة بالثورة و التي اعتـقدت انها في طريق الاجهاز عليها باعتماد اسلوب الاغتيال السياسي. انه خط يشرعه لنفـسه الماخوذة بالسلطة و لكنه جريمة لا يمكن ان تمر في ارض الاحرار. هؤلاء نسوا او تـناسوا او اعتـقدو ان اجيال اليوم لا تملك شجاعة اجيال الامس. نسوا ان لحظة اغتيال المناضل الزعيم فرحات حشاد هي لحظة اعلان المقاومة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي في جميع ارجاء المغرب العربي. يتـناسون ان اليسار النـقابي المغربي الشقيق لازال الى اليوم يحيي ذكرى استـشهاد الزعيم فرحات حشاد مثله مثل اتحاد الشغل التونسي..
و هي كلمات شكري بالعيد التي حللت الظاهرة الإسلاموية كامتداد لعقم تاريخي في التـفكير الفـقهوي ابتدأ مع ابن حنبل ثم تطور الى غاية الوهابية، و دعوته ان تكون تونس حدائق ورد يتعايش فيها الجميع بمحبة تـتجاوز الاختلافات و لا تحرمها او تمنعها بل تحولها الى اثراء و اغناء لروح الوطن، و روح الوطن الحية المنتعـشة هي وطن حي منـتعـش يزهو بالفرح و السعادة و الارادة على صناعة نفسه واقعيا و ماديا و روحيا انطولوجيا.
كما انه لا يسعنا، امام مشهد تسلم الرباعي الفاعل للحوار الوطني و الموجه له بحيث قاد الى ايجاد حل سياسي لمعضلة حكم الاسلاميـين في تونس المنـفـتحة كزهرة على الوجود المشرق التحرري التونسي العربي و العالمي، إلا ان نستـذكر قولة الشهيد "محمد البراهمي" في مدينة صفاقس قبل يومين من عملية اغتياله المجرمة:" هؤلاء ليسوا بإخوان و لا مسلمون". و القول في سياق استـنكار قيم الاخوة في الايديولوجية الاسلاموية و استـنكار صفة الاسلام عنهم لان الاسلام موضوع تجارة سياسية و من تاجر بالشيء فانه لا يملكه مثلما قال الفيلسوف العربي "الكندي" منذ القرن الثالث الهجري..
في مدينة سيدني تمت اقامة احتـفال تسليم جائزة نوبل للسلام الى جميع الشهداء من اجل الحرية و السلام. ما يزيد الفخر فخرا، و ما يمثل ايغالا في العملية الانـقلابية العربية هي ان الجائزة الدولية بكل مرموزاتها التي تبعث على الفخر و الاعتراف، قدمت للمعارضة و ليس للسلطة. الاتحاد العام التونسي للشغل و جميع نضالاته ضد المستعمر الفرنسي و ضد الاستبداد البورقيبي و النوفمبري ثم ضد الظلام الاخواني. الرابطة التونسية لحقوق الانسان بجميع نضالاتها ضد الدكتاتورية و منظمة المحامين بنضالاتها كذلك ضد الدكتاتورية. اما منظمة الاعراف فإنها اوجدت لنـفـسها مكانا ضد حركة النهضة الاسلامية.
فالفارق شاسع بين تسليم الجائـزة الى الرئيس السابق "انور السادات" لإبرامه اتـفاقية سلام مذلة مع الكيان الصهيوني و فتحه المنطقة العربية امام الوهابية و الاخوانية و الاهانة و القهر، و بين جائزة نوبل التونسية التي تـفـتح ابواب التحرر و الاشتراكية العربية و العالمية.
فالحوار الوطني قام على جنازتي "شكري بالعيد" و "محمد البراهمي". كلاهما اشتراكي احدهما موغل في الماركسية و الاخر موغل في القومية العربية، إلا انهما في اطار الجبهة الشعبية فانهما اما مشروع منـفـتح لبناء رؤية اشتراكية عروبية جديدة قائمة على الحرية الفردية و الديمقراطية الشعبية.
و هكذا سلمت جائزة نوبل الى تونس الثورة، تونس الحرية، تونس العدالة الاجتماعية. سلمت الى المسار الذي ابتدأ و الذي امامه طرق صعبة و وعرة. لكنها سلمت كذلك للأشقاء العرب كي يخرجوا من عقلية القبيلة الى رحاب الوطن، الى رحاب الأخوة، الى رحاب دفن الاحقاد من اجل المرور الى الامام. فكفاكم يا عرب سفكا لدماء بعضكم بعضا. بالحوار المتجاوز من اجل السلم يمكن لهذا الوطن العربي ان يكون حدائق مزهرة بملايـين الورود. اقـتلوا الساحر الذي حولكم الى تماثيل حجرية لتستعـيدوا الحياة، لتستعيدوا انسانيتكم...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق


.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م




.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا


.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان




.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر