الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة المهمشة (الثائر زيد بن علي بن الحسين )شروط الثورة الناجحة عند السيد محمد باقر الحكيم (الحلقة السابعة)

احمد عبدول

2015 / 12 / 13
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


يلخص السيد الحكيم شروط العمل الثوري الناجح في أحد فصول كتابه الموسوم (ثورة الحسين )بثلاثة أبعاد مهمة ورئيسية وهي كالأتي :
1ـ الشروط الأساسية العامة التي يجب أن تتوفر في الثورة الناجحة.
2ـ الفحص عن وجود هذه الشروط الأساسية .
3ـ إذا ما تحققت هذه الشروط يجب الأنتقال الى مرحلة ثانية وهي الحديث عن الأمة وظروفها ودورها في الثورة .
ثم ان الحكيم يقوم بتصنيف البعد الأول الى خمسة شروط مهمة وأساسية :
1ـ الشرط الالهي للثورة :أي ان تكون الثورة مرتبطة بالله .
2ـ الشرط الانساني للثورة :ويقصد بذلك البعد ان تكون الثورة مهتمة بتلك المعاني التي فطر الله عليها الانسان كمقارعة الظلم والدعوة إلى الحق وتحقيق الطمأنينة .
3ـ الشرط العلمي للثورة :ويعني ان كل ثورة إذا أريد لها أن تصل إلى أهدافها وان تحقق غاياتها النبيلة لا بد يكون وراءها عقل مدبر يخطط لها تخطيطا عمليا ينسجم مع سنن التاريخ ويسير بهذه الثورة الى تلك الأهداف المراد تحقيقها .
4ـ الشرط العاطفي للثورة :أي البعد الوجداني الذي يمثل الثورة ،فهو الذي يمنح الطاقة والقدرة على التحرك والاندفاع (أي جانب الحب في الله ).
5ـ الشرط الجماهيري للثورة :ويقصد به الوجود الجماهيري والقاعدة الواسعة في الأمة .
والأن نأتي على تلك الشروط المراد تحققها في العمل الثوري الناجح لنرى هل تجسدت في نهضة الإمام زيد بن علي ام ان الإمام كان قد أخفق في تحققها .
1ـ الشرط الالهي للثورة :لقد كان مثل هذا الشرط واضح الدلالة في ثورة زيد من حيث الارتباط الجذري لنهضته بمفاهيم السماء وتوخي بناء المجتمع الالهي القويم والسليم .
ولقد عبر الإمام عن هذا البعد خير تعبير في إعلانه عن شروط بيعته المباركة حينما قال (انا ندعوكم الى كتاب الله وسنة نبيه وجهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين وإعطاء المحرومين واقتسام هذا الفيء بين أهله بالسواء ورد المظالم واقفال المجمر ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا وجهل حقنا )(الطبري 8/267 )مثل هذا الإعلان يجسد الشرط الأول من شروط الثورة الناجحة كما أنه يضم الشرط الآخر (الشرط الثاني )أي الشرط الانساني للثورة فهذا الشرط واضح من كلام الإمام أيضا .
2ـ الشرط العلمي للثورة :
وهذا الشرط من الوجود والتشخيص مما لا يدع مجالا للشك في ملازمته لثورة زيد فلقد كانت للإمام قدرة فائقة على استشفاف المواقف العامة والنفاذ الى بواطن الامور وتقليب الآراء على مختلف الوجوه ، كما يجب أن لاننسى ان دعوة الإمام كانت أول دعوة اعتمدت أسلوبا جديدا في بث الدعوة وذلك عن طريق انتشار الدعاة في الافاق حيث كان الامام يزودهم بجملة من الوصايا والتوجيهات ، ومما كان يؤكد عليه قوله (لا تقولوا خرجنا غضبا لكم ولكن قولوا خرجنا غضبا لله ودينه ) لقد عول الإمام على أكثر من تنظيم حزبي كما عقد عدة ارتباطات وأحلاف متينة مع قبائل متفرقة داخل الكوفة ، وكان يشرف بنفسه على تلك الأحلاف مع شيعته وأنصاره في الكوفة والبصرة وواسط .
3ـ الشرط العاطفي للثورة :
يذكر ان الإمام زيدا لما هم بالخروج كانت قد صادفته امرأة عجوز قد اخذ الكبر منها كل مأخذ وكانت تستعطي المارة من الناس عندها توقف الإمام زيد وهو يشير بيده الشريفة إليها وهو يقول (إن مثل هذه المرأة سوف تكون سببا في خروجي على هشام) أي إن الحقوق المسلوبة من أبناء الأمة هي التي كانت وراء تحرك زيد كما ويذكر ان أحد جنود بني أمية - وقد اصطف الفريقان للقتال - كان يبالغ في شتم فاطمة (عليها السلام )فما إن سمعه زيد حتى بكى بكاءا شديدا ثم قال : اما أحد يغضب لرسول الله ؟ فقام إليه شاب واستأذنه في الخروج فأذن له فتبارزا فلما انجلت الغبرة وإذا بذلك الشاب وقد آتى على الأموي ثم عاد ادراجه وقد استقبله الإمام بقوله (أدركت والله ثأرنا .أدركت والله شرف الدنيا والآخرة ).
4ـ الشرط الجماهيري للثورة :
ذكرنا في فصل سابق ان الإمام زيدا لما خرج من محبسه أخذ أهل الكوفة يلحون عليه في أن يقبل منهم بيعتهم بقولهم (أين تذهب عنا يا ابن رسول الله ومعك مائة إلف يقاتلون دونك )(الطبري :8/261 )وتشير مصادر آخرى ان ديوانه أحصى أكثر من خمسة عشر ألف رجل من الكوفة سوى أهل المدائن والبصرة والموصل وخراسان والري وجرجان (انساب الإشراف :3/202 )
بعد إن عرفنا الشروط الواجب توافرها في العمل الثوري الناجح وبعد ان وجدنا تلك الشروط وقد تحققت في ثورة الإمام زيد بن علي يبقى لنا أن نتحدث عن دور الأمة وطبيعة تلك الأجواء التي كانت تعيشها آنذاك وهل كانت الظروف مؤاتية للقيام بعمل ثوري تغييري بحجم ذلك العمل الذي قاده زيد بن علي .
يحدثنا المؤرخون عن الحقبة الزمنية التي أعلن فيها الإمام عن ثورته بأنها حقبة زمنية حرجة للغاية اجتماعيا وسياسيا وأمنيا فقد كان المجتمع الإسلامي آنذاك يعاني من انقسامات حادة وتناحرات بالغة أضرت به حتى جعلته يضطرب اضطرابا شديدا وذلك لأسباب نذكر منها 1ـ ضعف وتفكك دولة بني أمية من حيث بعدهم عن الدين الإسلامي الحنيف وتعاليم الشريعة السمحاء حتى غدت دار الخلافة مسرحا لأصحاب اللهو والطرب والغناء لا سيما في عهد الخليفة (يزيد بن عبدالملك )وهو الخليفة الذي جاء هشام من بعده ،وقد كان هشام بن عبدالملك على شاكلته فهو صاحب لهو وشراب وكان قد خصص له يوما خاصا لشرابه من أيام الأسبوع .
2ـ ظهور الصراع القبلي على المسرح الاجتماعي ،حيث بلغ أوجه في ذلك العهد مما أدى إلى توتر العلاقات بين بعض القبائل ذات الثقل الاجتماعي وبين مركز الخلافة الأموية .
3ـ شخصية الخليفة (هشام بن عبد الملك )والتي كانت شخصية ممجوجة من قبل كافة مكونات المجتمع المسلم بالإضافة إلى سياسته القائمة على تكريس التوترات والعصبيات بين شرائح المجتمع وقطاعاته .
4ـ الفوضى العارمة في الجهاز الإداري والعسكري .فقد كان عهد هشام بن عبد الملك عهد انتكاس لقوة الدولة العسكرية عندما منيت بالفشل والاندحار في القسم الشرقي (خراسان ،تركستان ) بالإضافة إلى الانكسارات العسكرية في بلاد ما وراء النهر هذه الأسباب وغيرها كانت قد أعدت المجتمع آنذاك لعمل ثوري هام أي ان الأرضية الاجتماعية والسياسية كانت معدة مسبقا لهكذا خطوة فما كان من الإمام والحال هذه إلا ان عزم على النهوض وخوض غمار معركة فاصلة تكون فيها العزة لله ورسوله والمؤمنين ، من كل هذا يتبين لنا إن الظروف كانت مهيأة لتوجهات الإمام الثورية وان دور أبناء الأمة بات متوقعا في ظل حكومة أقل ما توصف بأنها غير شرعية ولا أخلاقية .
قد يعترض معترض فيقول ان في تطبيق هذه البنود على ثورة الإمام زيد تجن واضح على الحقيقة التاريخية حيث ان تحرك الإمام لم يكن مباركا من قبل إمام زمانه وهو المعصوم أي إن أصل الموضوع فيه إشكال ونحن من هذا الباب لا نعتد بثورته ولا نبالي بنهضته .
والجواب على هكذا اعتراض يكون على ثلاثة مستويات .
المستوى الأول :
إن تحرك الإمام إنما تم بمباركة الرسول الأعظم من خلال أحاديثه ورواياته عن الإمام زيد وعظيم بلاءه وصلبه في ذات الله .واما أهل البيت عموما فانهم كانوا متفقين على شرعية ثورته واستيفائها لشروط العمل الجهادي الهادف .
المستوى الثاني :
ان الثابت لدى الشيعة ان الإمام زيدا لم يطرح الإمامة كشرط من شروط بيعته إنما اشترط (الرضا من آل محمد )الى آخر شروط بيعته المباركة .
المستوى الثالث :
ان الإمام زيدا كان عالما بما ستؤول إليه الأمور فكان عالما عارفا بأمر إستشهاده، إذ لا يمكن بحال من الأحوال أن نتصور الإمام زيدا وقد تخطته تلك الأحاديث المستفيضة بخصوص نتائج نهضته المباركة وإذا كان الإمام زيد عالما عارفا بمصيره فكيف يكون في مقام التعارض والتقاطع مع إمام عصره .
لربما يسأل سائل فيقول إذا كانت ثورة زيد بن علي بذلك المقدار والحجم الذي يقترب من مقدار وحجم ثورة جده الإمام الحسين فلماذا أذن لم تأخذ ما أخذته ثورة الحسين من صيت وذيوع وإنتشار .والجواب على هكذا تساؤل يكون على النحو الأتي :
لا شك إن منزلة الإمام الحسين بن علي لا تدانيها منزلة ولا تقاربها مرتبة بعد منزلة جده وأبيه وأخيه .هذا بالإضافة الى إن الكادر الذي صحب الحسين كان كادرا رساليا متقدما فقد كان يضم الكثير من أهل بيت النبوة بمعية صفوة رجالات المجتمع الإسلامي من أصحاب الحسين وأنصاره مع وجود عدد غير قليل كان قد عاصر الحسين وأدرك ثورته من الصحابة الأوائل والتابعين ممن أدرك الإمام الحسين كزيد بن الأرقم وجابر بن عبدالله الأنصاري وسهل بن سعيد الساعدي وأبو سعيد الخدري وآخرين وقد عرف هؤلاء جميعا بالفضل والأحسان والتأثير المباشر داخل الساحة الإسلامية سياسيا واجتماعيا ودينيا .لذلك فأن من بقي من أهل بيت الحسين وعيالاته إضافة الى اخته العقيلة زينب وأبنه السجاد بشكل خاص كل هؤلاء كانوا قد لعبوا دورا محوريا هاما في كشف الحقائق وتبيان الوجوه المختلفة لشرعية وقانونية تحرك الحسين ميدانيا .ومثل هذا الأمر لم يتحقق في ثورة زيد بسبب إختلاف ملابسات وظروف كلا الثورتين من حيث التحرك وتوزيع الأدوار هذا من جانب ومن جانب آخر .فأن قطاعات جماهيرية واسعة من الشيعة لن تأخذ على عاتقها مسؤولية تبيان وتوضيح ما أبهم على أبناء الأمة من شبهات كما كان حال هذه القطاعات مع ثورة الحسين والسبب في ذلك هو إتهام البعض للإمام بخروجه على مبدأ الإمامة .ولا شك إن مثل ذلك الأمر غير ثابت عند أئمة أهل البيت أنفسهم .كما إن هناك مسؤولية آخرى تقع على عاتق الأقلام التي تضطلع بمهمة تبيان الحقائق على ما هي عليه ونفض غبار التقولات عن جبهتها الناصعة ،فقد كانت مواقف هذه الأقلام مواقفا تتسم بالسلبية في أغلب الأحيان ،يمكن القول إن كل ثورة يراد لها الخلود في ذاكرة الأجيال لا بد أن يتوفر فيها شرطان أساسيان وهما :
1ـ العامل الداخلي :ونعني به ما تمثله الثورة من فكر ومنهاج واسلوب وهذا الجانب يمثل القائد ومن يقف إلى جواره من أعوان يمكن تسميتهم بالخط الأول من الفاعلين والمؤثرين في صنع القرار وتوجيه بوصلة الأحداث .
2ـ العامل الخارجي : ونقصد به تلك القاعدة الجماهيرية الواعية والمضحية التي تأخذ على عاتقها تبني فكر واطروحات الثورة ومتبنياتها ومن ثم تسويقها محليا وأقليميا .
نعم يتوقف نجاح كل ثورة على توفر هاذين العاملين .أما إذا إنتفى أحدهما فأن الثورة لا شك سوف تتعرض مع مرور الأيام وتعاقب الأعوام إلى مقدار كبير من الضعف والضمور . ولا يخفى على أحد إن العامل الثاني(العامل الخارجي ) لم يكن متوفرا بالشكل الكافي في ثورة زيد بن علي لأسباب كنا قد بيناها خلال ثنايا البحث مما أدى الى تراجع الثورة على ما هي عليه من منزلة ومكانة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza


.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع




.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب


.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال




.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل