الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الى المتماوت رعد عبد القادر ـ مات طائر بغداد المغرد

حمزة الحسن

2003 / 1 / 18
الادب والفن



                 خاص: الحوار المتمدن


    ( فكرت بحياتي: لم تستطيعي ان تكوني خادمة
                   ولم تستطيعي ان تكوني ملكة
                    كلي ترابا اسود ايتها الكادحة بأظفاري )

                  رعد عبد القادر ـ من ديوان: دع البلبل يتعجب.

  وانا اطالع اوراقك واقرأ نبأ موتك فكرت بأنها واحدة من لعبك الصغيرة التي عودتني عليها، فأنا أعرف كما لا يعرف غيري انك تختفي حلف حاجب أو ستار ما يوما لتخرج لنا فجأة.اما اذا كان موتك حقيقيا، يارعد، وفي هذه الايام، فستكون تلك خيانة، خيانتك الاخيرة، خيانتك الحقيقية.  قبل ايام من هروبك الطفولي الى الموت، كتبت لك احتفالية خاصة في هذا المكان بالذات الذي احببته كما أحببتك، وقلت لك في 30/12/02 ، هل تذكر، بأنني ساشعل لك شمعة من شرفتي التي تطل على خليج بلون الرماد.

لكنك بعد ثلاثة عشر يوما هربت وحملت تابوتك وحدك وتركت صاحبك وشمعته على حافة هذا الليل القطبي محاصرا بالثلج والنوارس  والعزلة.هل كنت مضطرا لهذا الهروب؟وماذا كان سيحدث لو انك انتظرت  لحظة اخرى؟  يوم كتبتك عنك قبل سنوات وصلتني رسالة منك مهربة عبر البريد مع دوايينك
هي اليوم مطروحة أمامي كنعش نظيف ومعطر وحار.أخشى اليوم البحث في أوراقك.
كنت أخشى أن أكتب عنك كما أريد، وانا أعرف، كما لا يعرف غيري، ان قصائد ديوانك( دع البلبل يتعجب) هي قصائد مقاومة، وهي هجاء شرس للدكتاتور، لكني كنت انصح القراء ـ كما حصل آخر مرة ـ ان لا يحملوا هذه القصائد فوق ما تحتمل من معنى.كنت أخاف عليك من الموت.لكنك اليوم حررتني.

قلت حرفيا ( ان هذه النصوص مفرغة من المعنى، ومشحونة بالاسئلة) وكنت اراوغ كما كنت انت تراوغ.وماذا نملك غير سلاح المراوغة في هذا الزمن الوحشي؟ ولم تكن نصوصك مفرغة من المعنى، بل كانت مشحونة بالمعنى وبالاسئلة. هي الخشية عليك من موت عاجل.

لكن هل هناك مجال للسر الان وانت الان حر أكثر من اي واحد منا؟ سأخونك الليلة كما خنتني ومت موتا عاجلا. ساقول ان رعد عبد القادر كان شاعر مقاومة كبير، وعلى من لا يصدق ان يقرأ دوايينه الشعرية:

 دع البلبل يتعجب/ جوائز السنة الكبيسة/ صقر في الشمس.

أن يقرأ قصيدة( احلام محمد علي باشا الصغير) وهي سخرية علنية من الطاغية كما لم يحدث في تاريخ الادب العراقي في الداخل في هذه الحقبة البغيضة.

   ( تجرد من القابك التي ورطك فيها محمد علي باشا الكبير واي محمد     علي باشا في الارض.  

  لا أحلام لك بفتح الصين..

    دعك من التاريخ، ليس ثمة احسن من البهجة...
     كن واقعيا في المحنة
      تخل عن عباراتك الجوفاء
      لا تخلع مدينتك كخاتم
      اطرد محمد علي باشا الكبير من احلامك )


الذين نسوك كل هذه السنوات هم اليوم أول من يرثيك.
هؤلاء لا يعيشون إلا من المراثي.
  لا حرفة لهم، ولا موهبة، ولا صنعة، غير النواح في مأتم الشعراء الكبار،
لا حبا بهم، بل ليظهروا في المأتم العام ويعلنوا عن انفسهم، وهم موتى، وانت الحي الوحيد في هذه الجنازة.أين كان هؤلاء وانت حي؟!هؤلاء الذين يمشون في حفل تأبينك المزور، هم من سيذهب الى المقبرة، وانت من سيعود من حفلة الدفن.

أنت أكبر منهم.
أنت من يحمل تابوتا كبيرا.
أنت المشيع وهم الموتى.

كنت تكتب وانت على مسافة أمتار من الوحش دونما خوف.
وأنت من قلب المعادلة الكريهة التي أسسها صناع الوهم والفشل والسراب التي تقول بأن لا أدب حقيقيا في العراق غير ادب المنفى.

  حتى دفعت الثمن الرهيب: هذا الموت العاجل.

لم يتحمل القلب كل هذه المراوغة فقرر أن يسكت وانت في ذورة الغبطة والسرور والمرح الشعري.

خانك قلبك.
كما ساخونك انا اليوم وأعلن للعالم ان رعد عبد القادر كان شاعر مقاومة كبير في حقبة صعبة.

لم تكن خادما.
لم تكن ملكا.

كنت تأكل خبزك من أظافرك.

واليوم سيأكلون خبزا من مراثيك.

  وماذا عن الشمعة التي لا تزال بقاياها على طاولة في الشرفة؟.

قبل ايام، ومن هذا المكان بالذات، قررت الاحتفال بعيد ميلادك.

  واليوم أجلس في الشرفة ذاتها وامام نفس الشمعة وأمام الخليج الرمادي نفسه لأكتب عن موتك.

  ياخليج،
ياشرفة،
ياشمعة،
يافقراء،
مات رعد عبد القادر،
مات طائر بغداد المغرد.

 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد


.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم




.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?


.. لعبة الافلام الأليفة مع أبطال فيلم البحث عن منفذ لخروج السيد




.. إيه الدرس المستفاد من فيلم البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو ب