الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحوار وحسن الظن بالله وبياض النية/وقصيدة (حكيمة الغيم) للشاعرة اسماء القاسمي

وجدان عبدالعزيز

2015 / 12 / 14
الادب والفن


ما انا الا في عيش هنا، بل هي بهجة وحلم، هكذا اعيش لحظاتي وقراءة الشعر، كونه المعبر عن ذات شاعرة، وينطلق كمنتج ابداعي فيه ملامح الحياة والانسان، المرآة الانقى التي تعكس الواقع، فهو تعبير عن الوطن لأنه يحمل نبض المواطن كما يصوغه الشاعر، وتعبير عن الحياة بمكنوناتها ومكوناتها وتمثلاتها وتحليلاتها وفضاءاتها السياسية والاجتماعية كلها.‏ وبهجتي وحلمي يتسع في البحث عن وظيفة الشعر وهدف الشاعر كما اراه في قصيدة (حكيمة الغيم) للشاعرة اسماء القاسمي التي تخطت من خلالها عوالم الذات الى وظيفة الاحاطة بالكون وما عليه إضافة إلى النفاذ في دواخل الذات الإنسانية ومحاكاة مشاعرها وأحاسيسها، هذا الصراع الجمالي في مقاربة الذات الى الذات الموضوعية وما يكتنف عالمنا العربي من ويلات وصدمات تعجز الذات الشاعرة في ملاحقة تأثيراتها والعجز ايضا عن ايجاد حلولا لها في عالم احمق ومفهومات خاطئة ، تحاول جر عجلة التطور في اتجاه النور الى انحراف المسير باتجاه ظلام دامس، وبهذا تنتفض الذات الشاعرة الساكنة في دواخل القاسمي، لايجاد معادلة لاتقبل سواء الاستغراق التام في مباحث النور، لهذا تجلدت الصبر وراحت تحاور (حكيمة الغيم) في صراع جدي بين الزمكانية في قولها :
(في المدى الخامس
كان الوقت غريبا
والهروب يلملم حقائبه
للبقاء

والمكان عابر
نسي اقدامه في الشتات
يرتب دموعه بحجم البكاء
القادم
يرتد للفرحة كمتهم
ثم يطوي حزنه خلفه
كي لا ينساه)
إذن؛ الشعر في زمن التحولات الكبرى بمنعطفاتها التاريخية التي تمر بها الأمم والشعوب؛ خصوصاً عندما تلمّ بها الكوارث والفجائع؛ وهو الوعاء التي تتحرك وسطه أو تشكّل جوهره المأساة، فيحفّز على تجاوزها.‏لذا تقول اسماء القاسمي : (والمكان عابر/نسي اقدامه في الشتات/يرتب دموعه بحجم البكاء القادم/يرتد للفرحة كمتهم)، وتبقى تراهن على قليل من الضوء، كمعادل موضوعي للامل وحسن الظن ان يرتد الجميع الى طريق الخير والمحبة والتسامح .. وهنا اقول حينما نزل القرآن الكريم على الرسول المصطفى وضع القوانين الكونية لحياة الانسان على الارض، كما نظم علاقته باخيه الانسان وفي الطرف الاخر اوجد علاقة روحية تربطه بخالقه، فيقول تعالى: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) وتطورت الحياة الروحية وارتفعت الى غايات سامية هدفها معرفة الله والتوجه نحوه دون اي شيء اخر في الكون بمعنى تطور الوعي وتنامى، رغم هجمات الظلاميين والتكفريين الذي لايؤمنون بوجود الاخر .. تقول الشاعرة هنا :
(قليل من الضوء
غابة فراشات تأوي الى عينيها
وبشارة نبي
نسيت انامله مصافحة
الصديقين
وامرأة اضاعت ملامحها في
زحمة الجنون

هكذا تبدو الليالي العشر
معلقة على جدار البقاء
وهكذا تنام السماء
كي استيقظ من اليقظة
وانام دون ان اغمض قلبي)

اعتقد هذا هو الامل الذي تدعو له الشاعرة وتعتمد فيه على حسن الظن بالله وبياض النية وكلما استيقظت تنام دون ان تغمض قلبها لوصولها للمعرفة اليقينية والحب المتبادل بينها وبين الله كونه مصدر النور والامل والجمال .. إنها حالات وجدانية، فنيّة، شعورية؛ لكنها صادرة عن ذات عرفت الكون بطعميه، بضّديه، فصاغته، كلٌ حسب قدراته، حسب تمثله للمعيش، للمحسوس، للمنظور، للمنتظر.. أجل لأن الشعر حالة شعورية تتوزع بين الآنية والأبدية.. إنه جزء من منظور عام، لكنه الأكثر إيلاماً، لأنه المتبقي الأكثر مقاومة لحالة الموت ...وهنا انقل تأكيد الشاعر المغربي (إدريس الواغيش) في حديثه عن حال الشعر العربي كحال شاعره، وحال شاعره كحال وطنه، ويتابع بالقول: إن العالم العربي يمر في أصعب الفترات في تاريخه. وهي فترة لم تكن لتفاجئنا، لأننا نعرف بأننا مستهدفون كعرب منذ زمن قديم، بقوميتنا وديننا وأقلياتنا وتاريخنا وجغرافيتنا من الماء إلى الماء، لكن يبقى حالنا كأغلب الأمم العظيمة، كلما تعرضت لهزة قد تسقط فيها أحياناً، لكنها حتما ستستفيق بعد ذلك، واقع الشعر العربي غير مطمئن، وعصر الأسماء الكبيرة (الماغوط - سميح القاسم - المجاطي - السرغيني - أمل دنقل - السياب - محمود درويش - أدونيس-...) قد بدأ عده التنازلي وبعضهم الآخر ترجل مبكراً عن حصانه، لكن البلاد العربية عودتنا أن تكون ولاّدة دائماً، كلما غابت أسماء ظهرت أخرى جديدة تتلألأ في سماء القصيدة العربية، وتعطي زخماً جديداً للمشهد الثقافي والسياسي في الوطن العربي، من خلال ما تبثه من نسائم في سمائنا، قاطعة بذلك الطريق أمام التجار- كل التجار- بمختلف بضاعتهم.

قصيدة (حكيمة الغيم) للشاعرة اسماء القاسمي
مسارات الفلسفة في شعر
اسماء القاسمي

وجدان عبدالعزيز

الادب سيبقى يكشف باستمرار عن ذاتية الفرد حينما يترجم بعضا من اعماق الجماعة المحيطة بتلك الذات المبدعة والمحترقة دوما في دروب البحث عن الحقيقة الازلية لمعنى الوجود والحياة ، وهذا يعطي زخما في جعل الادب تعبيرا عالميا لاينحصر في محيط انساني دون اخر (هذه الحالة لايبلغها الا ادب بلغ كماله وبلغ ذاته ، فحمّل تجربة الذات معاناة اكثر شمولا واكثر عمقا، دونما الافصاح عنها بوضوح، ودونما استخدام "صوري" للوعي)ص59 ، فـ(الفن اذن نتاج انساني تاريخي، تتسامى فيه اعمق حالات الذات والواقع في تركيب مبدع وتأليف غامض من نوع خاص : بين المعطى الموضوعي والاسهام الذاتي، بين الجزئي المحدود والكلي الضروري غير المحدود، بين العياني الملموس والمطلق، لكنه تركيب يجري في الذات وخارجها، ويختزل في لحظة الابداع وعيها باكمله بالاضافة الى استعدادها اساسا.)ص60 الادب الفلسفي، أي ان (الفن حضور لتلك اللحظات في ابداع متفرد)، فبين قصيدة (حبر وورق) و(أنا ها هنا) للشاعرة اسماء القاسمي، يكمن المزج بين الذاتي والموضوعي ، بين الجزئي المحدود والكلي الضروري غير المحدود، بين العياني الملموس والمطلق، فالحبر والورق موجود مطلق، لكن وجود الذات المبدعة هو الجزء غير المحدود الذي نبحث بين مكامنه لاكتشاف رؤية الشاعرة اسماء القاسمي وتمسكها بنسيج الضوء ، أي بمعنى انها ذات تدرك الحياة وتدرك بان هناك قبح وظلام ، وليس هناك سلاح تمتلكه ذاتها المحترقة في عوالم الحقيقة الساعية ابدا للامساك بخيوطها الا التمسك بتلك العناقيد الدالة على النور .. ياترى انا المتلقي هل ارى تلك الخيوط كما تراها اسماء القاسمي، لا امتلك الا ان افترض افتراضا، والعلة اني اعيش اجواء الشعر والشاعرية المبدعة التي تعيش حالات الاحتمال، لذا كانت الشاعرة القاسمي تقرن النور بالصلاة وانكسارات الزمن بضجيج الاسئلة .. نحن نقر انها تعيش اجواء فلسفة احتمالية، لكنها مفتوحة على حالات نضج، قد تكون بتأكيد قولها : (أنا ها هنا)، والحقيقة كما تتوضح ان الموضوعي لا وجود له الا بتأكيد ما هو ذاتي مطعم بحقيقة الضوء والنور هذا المترادف اللفظي الذي يرافق مسيرة القاسمي الشعرية ، يثبت امرا لايخالطه الشك، بانها ذات تحترق في عوالم المحيط وزيفه لتنير طرق المساءات المظلمة، وهذا يحقق لنا كتحصيل حاصل الهدف من مساراتها الشعرية ، فهي تكتب بلحطات شعرية متجلية وسرعان ما تستحضر الوعي وتقصد ما تقول، وهو تعبير عن هدف وغاية من الكتابة ، ثم تصبح هذه الكتابة منزهة من الهذيانات الغير الواعية .. تقول :

(سأجمع عشبا من سهول

الشفق

ماءً مرجانيا من أحلام الظمأ

المستور

جمرا برغوة ثلجه

يستنزف الأنوار

أنفخ فيهم جميعا لتولد نار

الإحتجاج)

وهنا ثبت لنا الهدف وثبتت لنا الغاية ، لكشف المستور ومن ثم الاحتجاج .. يقول ادونيس : (اذا كان الشعر تجاوزا للظواهر ومواجهة للحقيقة الباطنة في شيء ما او في العالم كله، فان على اللغة ان تحيد عن معناها العادي ، ذلك ان المعنى الذي تتخذه عاة لايقود الا الى رؤى اليفة، مشتركة. ان الغة الشعر هي اللغة الاشارة، في حين ان اللغة العادية هي اللغة الايضاح، فالشعر هو ، بمعنى ما جعل اللغة تقول ما لم تتعود ان تقوله . ان الاثر الشعري مخاطرة : مخاطرة في التعبير بلغة انسانية عن انفعال او حقيقة قد لا تستطيع اللغة الانسانية ان تعبر عنهما. ما لاتعرفه اللغة العادية ان تترجمه، هو احد مجالات الشعر ، يصبح الشعر في هذه الحالة ثورة مستمرة على اللغة)ص114مقدمة للشعر العربي، وهكذا انسابت لغة الشعر واخذت تداعب خلجات المبدعين في التعبير الحر عن الافكار ، بيد انها ركبت موجة الغموض والعصيان على الافهام البسيطة، ومن ثم التقت بلغة الفلسفة،ولكن ذلك كلَّه لم يجعل الإنسان أكثر سعادة مما مضى، ولا أكثر قدرة على التكيُّف مع العالم من حوله، ولم يساعد على إطلاق طاقاته الهائلة المحبوسة في أعماقه؛ كما لم يمكِّنه من الاقتراب من تحقيق حلمه الأزلي في العدالة والحرية. وليس أدل على ذلك أكثر من هذا الشعور بالخواء واليأس الذي نلمسه في آداب الشعوب المعاصرة، وكذلك الازدياد المفرط في حالات الكآبة والعزلة التي أصبحت من أهم علامات المجتمعات الحديثة – مما يعيد إلى الأذهان تلك الصيحة التي أطلقها الفيلسوف كيركغور ذات يوم: "إن الرغبة في المعرفة قد أنْسَتْنا معنى الوجود."وإذا كان لا بدَّ للمرء من أن يتساءل عن سبب إخفاق كلِّ هذا التقدم العلمي والتقني في جعل حياة الإنسان أكثر غنى وجمالاً فإنه يمكن الاجتهاد بأن الحضارة الحديثة إنما تسعى على قدم واحدة بعد أن أهملتْ أو عطَّلتْ قدمَها الأخرى. وبذلك لا يمكن لهذا السعي إلا أن يكون مضطربًا ومشوَّشًا إلى درجة يخطئ معها سبيله المفترض، ويحيد عنه إلى اتجاهات قد تؤذي طموحات الإنسانية أكثر من أن تقترب من تحقيقها. فلا يمكن لتقدم الحضارة أن يكون متوازنًا وفعالاً إلا إذا سارت على قدمين: تعمل القدم الأولى على مراكمة أكبر قدر ممكن من المعلومات والاكتشافات والتقنيات بوساطة ما اصطلحنا على تسميتها بـ"العلوم البحتة" و"العلوم التطبيقية"؛ أما القدم الثانية فتعمل على تنظيم ذلك الركام واستخلاص رحيقه الأصيل لدمجه في منظومة تتوافق مع الاستبصارات التي تشكِّل نسقًا آخر للمعرفة التي يتم استجلاؤها عبر الطاقات الأكثر خصوصية لدى الإنسان والأكثر قدرة على الاستجابة لمتطلَّبات وجوده في هذا العالم. ولا يمكن إنجاز مثل هذه المهمة المركبة والمعقدة إلا بوساطة ما يمكن لنا الاصطلاح على تسميته بالـ"وعي". أما أبرز المصادر التي يستقي منها الوعي قوامه وعوامل تكوِّنه ونموِّه فهي الفلسفة، من جهة، والفنون – وعلى رأسها الشعر – من جهة أخرى. ومن هنا اجد شاعرتنا القاسمي تؤسس لفلسفة خاصة بها من خلال مساراتها الشعرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان محمد الجراح: هدفي من أغنية الأكلات الحلبية هو توثيق ه


.. الفنان محمد الجراح يرد على منتقديه بسبب اتجاهه للغناء بعد دو




.. بأغنية -بلوك-.. دخول مفرح للفنان محمد الجراح في فقرة صباح ال


.. الفنان محمد الجراح: قمت بالكثير من الأدوار القوية لكنها لم ت




.. نقيب المهن التمثيلية يكشف حقيقة شائعة وفاة الفنان حمدى حافظ