الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في رثاء الشرق الأوسط

معتز حيسو

2015 / 12 / 15
مواضيع وابحاث سياسية




شكَّل صدور كتاب صدام الحضارات للباحث صموئيل هنتغتون، مؤشراً إلى بداية تحولات جديدة مفادها أن أسباب الصراعات الكونية هي محض حضارية« ثقافية، إثنية، دينية ومذهبية». وفي ذلك ابتعاد كلي عن مفاهيم المنهج المادي لدراسة التطور التاريخي. ويندرج في السياق ذاته تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس عن الشرق الأوسط الجديد و«الفوضى الخلاقة» بكونها مدخلاً إلى الديمقراطية «ديمقراطية المكونات الأولية». وكان العراق نقطة البداية، وليس مستبعداً أن تندرج سوريا وباقي دول الإقليم في ذات السياق. هذا في وقت تشير بعض المعطيات إلى إمكانية اعتماد النموذج اللبناني في سوريا. ويندرج في السياق ذاته تصريح برنار باجوليه مدير الاستخبارات الفرنسية «إن الشرق الأوسط الذي نعرفه، انتهى إلى غير رجعة». وجون برينان مدير الـ «سي آي ايه» الذي يصعب عليه «أن يتخيل وجود حكومة مركزية في أي دولة تتعرض لدمار الحرب». وكلا التصريحان يحمل استشرافاً خطيراً لمصير الشرق الأوسط.
إن بحث أسباب التحولات التي تشهدها المنطقة العربية، وإمكانية تغيّر الخارطة الجيو سياسية للشرق الأوسط. يحتاج إلى وضع المقدمات الأساسية التي ساهمت في إيصال مجتمعاتنا ودولنا إلى حالتها الراهنة، التي تتقاطع فيها عوامل على درجة من التراكب والتناقض.
بداية لا أحد يستطيع تجاهل السياسات الداخلية لغير نظام عربي، والتي كانت في معظمها تصبُّ في طواحين حكومات غربية استغلت الفرص كافة، لتأبيد سيطرتها في شرقنا الذاهب إلى حتفه. لقد اشتغلت الأنظمة العربية عموماً على احتكار السلطة وتمكين سيطرتها على المنظمات الشعبية والمدنية، وبشكل خاص الشبابية كمدخل إلى ضبط عوامل ومفاعيل القوة الناشئة في مجتمعاتها. واشتغلت في ذات السياق على قمع أي تحرك سياسي معارض. وكان ذلك مدخلاً إلى تجفيف منابع الفكر السياسي، إضافة إلى كونه من الأسباب الموضوعية التي ساهمت في تنامي فكر متطرف يتجلى بتشكيلات جهادية تختلف في الأسماء، لكنها تلتقي على قتل الآخر المختلف حتى لو كان مسلماً. في هذا الإطار يجب التنويه إلى أن الدور الوظيفي لتلك المجموعات، يتعلق بارتهانها إلى مصادر التمويل، إضافة إلى أن خزائن التاريخ الأيديولوجية العقائدية، لم تبخل على هؤلاء بنماذج وأفكار تدفعهم لارتكاب المزيد من الجرائم بذريعة توحيد أمة الإسلام انطلاقاً من قاعدة مفادها أن «الإسلام هو الحل ».
أما مآلات الموارد الوطنية، فإنها كانت على الدوام تؤول إلى جيوب المتسلطين والمتنفذين وأصحاب الرساميل المالية والسلطوية، وجلهم يدور في فلك التبعية لحركة رأس المال العالمي. وكان من نتائج ذلك تفاقم مظاهر التضخم والإفقار والبطالة والنهب والتخلف. وتجلى ذلك من خلال سياسات اقتصادية استهلاكية ريعية تناقض أي تحوّل اقتصادي تنموي يساهم في الارتقاء باقتصاديات الدولة والمجتمع، الإنتاجية منها والبشرية، إلى مصاف الدول الغربية الأدنى تطوراً. إضافة إلى ذلك، فقد شكَّل الظلم والعسف والتمييز والاضطهاد الذي تعرّض له المواطن في غير دولة عربية نتيجة الاختلاف في الانتماء الثقافي والعرقي والقومي، أحد أسباب الانقسام على الذات، وأيضاً مصدراً للتطرف. تحديداً في ظل تراجع السياسة فكراً وممارسة. أما أسباب ودوافع تلك السياسات فإنها تكمن في تأبيد سيطرة الحاكم «المتأله». وشكَّل ذلك أحد المداخل الأساسية إلى التحولات الراهنة. فكانت نتائج تلك السياسات لا تقل خطورة عما تحدثه نيران الحروب. وكلاهما أي سياسات الأنظمة الداخلية، والصراعات الدموية الراهنة، تساهم في تحويل مجتمعاتنا العربية إلى ركام يفتقد الحياة والروح.
إن جملة المعطيات السابقة ترتبط عضوياً بالسياسات الدولية المحمولة على مصالح اقتصادية تهدف إلى ربط اقتصادات دول الجنوب بالشمال، ويتجلى ذلك في سياق تحطيم الحواجز والحدود أمام حركة رأس المال، وتمكين هيمنة الشركات العملاقة العابرة للحدود والجنسية، التي باتت تفرض سيطرتها على مراكز صناعة القرار في العالم. ويرتبط ذلك مع الاشتغال على تمكين علاقة الارتهان السياسي للأنظمة الراهنة، أو المحتمل تشكيلها على قاعدة تفكيك المجتمع إلى مكوناته الأولية، وبما يتناسب مع الميول السياسية الجديدة للدول الكبرى، ومصالح رأس المال المهيمن على العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
أخيراً: إن ما تشهده بلدان المنطقة العربية من تداعيات كارثية، يشير إلى أن مجتمعاتنا ذاهبة إلى نشوء أوضاع جيو سياسية تخالف التوقعات التي كانت ترى أن رياح التغيير سوف تساهم في انتقال مجتمعاتنا إلى أنظمة حكم ديمقراطية. ومن المرجَّح أن البديل عن الأنظمة التي انهارت، وأخرى يتوقع البعض رحيلها، لن يكون ديمقراطياً. ولن ينحصر ذلك في مستوى دون آخر، أو في دولة دون أخرى. فالعراق وسوريا وليبيا واليمن ودول أخرى، يبدوا أنها في طريقها إلى التشظي والتفتت. ومن الواضح أن ذلك سوف يساهم في تمكين العداء والتنابذ بين المكونات الاجتماعية، سواء بفعل التقسيم، أو نتيجة التباينات الناجمة عن الكوارث التي تمر بها مجتمعاتنا. مقابل ذلك يمكن أن يكون إعادة إنتاج الأنظمة الراهنة بأشكال ومسميات مغايرة أحد الخيارات المطروحة. أما الاحتمال الأسوأ فأنه يكمن في تفخيخ مجتمعاتنا ببؤر وكانتونات طائفية وعرقية ومذهبية وظيفية، مسلوبة السيادة الوطنية، لتكون بديلاً عن «دولنا» الراهنة. وأياً تكن مآلات مجتمعاتنا، فإن مقدماتها كانت تتشكل وتتجلى أمام مرأى حكامنا وحكام العالم «الديمقراطي».
إلى أن يُكتب نهاية لحروبنا الدموية، نأمل أن يطل علينا التاريخ برأسه الماكر ويفاجئنا بما يخالف التوقعات السابقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. داعمو غزة يغيرون ا?سماء شوارع في فرنسا برموز فلسطينية


.. رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب




.. مراسل الجزيرة هشام زقوت يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع


.. القسام تستهدف ثكنة للاحتلال في محور نتساريم




.. واشنطن تطالب قطر بطرد قيادة حماس حال رفضها وقف إطلاق النار