الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مالك بن نبي وحرب الأفكار -هل أصيب بمرض البارانويا أم خبير في الحرب الإعلامية -؟

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2015 / 12 / 15
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


مالك بن نبي وحرب الأفكار
-هل أصيب بالبارانويا أم خبير في الحرب الإعلامية؟-


يعد مالك بن نبي من أشد المؤمنين بدور الفكرة في حركة التاريخ، وقد كرس كل حياته لإيصال أفكاره إلى مجال تطبيقها، ولهذا فهو يسعى للتقرب من أي رجل ذوو نفوذ سياسي لينفذ أفكاره، فأقترب من عبدالناصر وحتى موتسي تونغ، وكذلك من بن بلة إلا لكي يقنعه مايراه بأنه يمتلك أفكارا كفيلة بإخراج أي مجتمع من تخلفه، وعادة ماتدور أفكار بن نبي في كتابين أساسيين، أولهما شروط النهظة أين طرح فكرة القابلية للإٌستعمار، ولإقامة حضارة لا بد من الإهتمام بالإنسان خاصة المسلم بإخراجه مما يسميه ب"إنسان مابعد الموحدين "إلى إنسان فعال، لأنه هو الكفيل بعملية تركيبية لمعادلة الجمع بين الإنسان والتراب والوقت لإنتاج حضارة بمركب هو فكرة يؤمن بها لدرجة التضحية، أما فكرته الثانية فهي "الآفرو-آسيوسية"، حيث سعى إلى التنظير لمؤتمر باندونغ، وطرح فكرة "العالم-ثالثية" مثل بعض ماركسيي هذا العالم فيما بعد، وعلى رأسهم المصري سمير أمين، لكن بخلفية ماركسية.
لكن بعد فشل بن نبي في ذلك طرح فكرة أكثر تقزيما وهي "فكرة كومنولث إسلامي"، وعبر كثيرا عن ألمه، لأنه لم يستطع حتى المشاركة في هذا المؤتمر "الافرو-آسيوي" كعضو في إحدى الوفود، وأن فكرته لم تأخذ طريقها إليه، والتي يراها أنها يجب أن تكون "أيديولوجيتها"، أي كمنظر لها، ودائما يعمل أن يكون هو المنظر، وإلا كيف نفسر إتهامه لمجلة"الحضور الأفريقي" في باريس التقدمية والمناهظة للإستعمار بأنها في يد الجهاز الإستعماري إلا لأنها قدمت كتابه "فكرة الافرو-اسيوية" أنه مستوحى من مؤتمر باندونغ، ولعل ذلك سهوا فقط، لكن نعتقد أن بن نبي كان يتألم بتفضيل قيادات الثورة للمثقفين اليساريين عليه وإعطائهم مساحة أكبر منه، ولهذا يتهجم بشكل غير مباشر مثلا عليهم، خاصة فرانز فانون، لكن لم يدرك أن ذلك أمر طبيعي لأن أغلب قيادات الثورة ذو ميولات يسارية، كما هي بحاجة إلى هؤلاء لإيصال صوت الثورة إلى العالم الغربي والشرقي، ولكنه وقع في الفخ في رد فعله، وتحول في خطابه حتى أعتقد البعض من التيارات الإسلامية أنه منهم، وهو في الحقيقة بعيد كل البعد عنهم، بل بالعكس لوعاد بن نبي اليوم لتحول إلى أشد عدو لهذه التيارات الدينية، وكيف لايكون كذلك، وهو الرافض لشخصنة الإسلام في تنظيمات وهيآت وأحزاب، فهو سيكون ضدهم، وسيقول لهم أنكم أداة في يد الإستعمار تسهلون عليه ضرب الإسلام ذاته وتشويهه، وهو مانراه اليوم بأم أعيننا ما يقع للإسلام من تشويه من الذين أختطفوه، فأكيد أن بن نبي سيعمل بكل قواه من أجل تحرير الإسلام من هؤلاء الذين أختطفوه، ويوظفوه لأهدافهم السلطوية.
لم يكن بن نبي إلا مهموما بنشر أفكاره بأي ثمن ودخول التاريخ مثل ماركس الذي مافتأ يكرر مسألة إنتشار أفكاره مثلا في أوروبا على عكسه هون ويحملبن نبي المسؤولية نوعا ما للوسط الإجتماعي، لكن حملها للإستعمار أكثر، وفي بعض الأحيان يخفف آلامه بالعودة إلى أبن خلدون الذي لم تر أفكاره النور في العالم الإسلامي في حينها لأن الحضارة الإسلامية في إنحطاط، ثم عاد إلى الساحة بعد قرون على يد المستشرق دوسلان، أنها أزمة الفكر والثقافة في العالم الإسلامي والتي تحتاج إلى مقالة أخرى.
لكن لم يكتف بن نبي بذلك بل عمل على حماية أفكاره من أي تشويه وإبعاد كل ما من شأنه التأثير فيها سلبا أو حرمانها من الإنتشار والإنتقال إلى التطبيق أو تشويهها، ولهذا كتب بن نبي كثيرا عن الصراعات الفكرية وحروبها، والتي هي اليوم يمكن تسميتها ب"حروب إعلامية"، وقد وضع كتابا هاما في ذلك هو "الصراع الفكري في البلاد المستعمرة"، كما وزع منشورا في 1959 في القاهرة كان من المفروض أن ينشر في مجلة، لكن لم يحدث بسبب أيد خفية-حسب بن نبي-، ويحاول أن يفضح فيه مايراه حربا فكرية إستعمارية على كتابه وفكرته "الآفرو-آسيوية"، و نشر المنشور فيما بعد على يد إبنته رحمة، فعادة ما يعود بن نبي إلى ما تعرض له هذين الكتابين الأساسيين اللذين ذكرتهما في البداية.
لكن المبالغة الكبيرة التي أعطاها بن نبي لهذه الصراع الفكري، يمكن أن يؤثر سلبا عليه لدرجة أن يشك الإنسان المتنبه إلى القول أنه مصاب بالبارنويا، أي الخوف من كل شيء، عندما يرى في كل حركة وكل همسة وكل إبتسامة أنها تخطيطا إستعماريا لتشويه أفكاره وإدخالها في ما يسميه "الحرمان" أي من إنتشارها، ويبدو أن بن نبي متأثر بوجود أجهزة مركزية تسير الكون كله، والدليل حديثه في كتاب" المسألة اليهودية" الذي نشك في أصالته، بأن اليهود كان لهم جهاز مركزي منذ القدم يسيرون به العالم، ويدعو المسلمين إلى إنشاء نفس الجهاز، كما أنه رد بنقد شديد وسلبية لمجرد رسالة من جمعية خيرية إسلامية تطالبه بالتبرع لمساعدتها، فأعتبرها أنها محركة من المخابرات الأمريكية وجهاز عالمي خفي تعمل ضد أفكاره، وحاول أحد المدافعين عنه بتبرير ذلك بأن فعلا هذه الجمعية كانت أداة تستخدم ضد الشيوعية، ولو أننا لا نستبعد إستخدام الإسلام في ذلك أثناء الحرب الباردة، لكنه لم يتوان حتى في إتهام مؤتمر طنجة للأحزاب الإستقلالية عام 1958 أنه أنعقد بإيحاء إستعماري لإدخال الغموض على فكرته" محور طنجة- جاكرتا".
نحن لا نشك بأن هناك فعلا حروبا فكرية وإعلامية، ولها فنونها، فبن نبي يجب أن يدرس في المعاهد المختصة في هذا المجال، لأنه يسعى لإعطاء ما يراه تجربته، لكن مع الحذر من مبالغاته الكبيرة في هذا، فهو أمر خطير عندما نرى في كل حركة أن وراءها أجهزة مخابراتية ومركزية وإستعمارية، فهل من المعقول أن يرى بن نبي يد المستشرق لوي ماسينيون في كل حركة أو مصاعب يلاقيها في حياته المعيشية، هذا ما يشيع في الكثير من البلاد العربية أين يرون يد المخابرات في كل مكان وقول وفعل، فشعور كهذا يزرع الشك في كل حركة، وكأن الجميع تحول إلى دمى تحرك من أجهزة ومخابرات، فهذا الشعور هو ذهان خطير حذر منه بن نبي ذاته في بعض كتاباته، فهذا يعرقل أي مجتمع عن الحركة لأنه يزرع الغموض، وهو ما يساعد عادة الأنظمة الإستبدادية التي توهم مواطنيها أن الغول موجود في كل مكان.
أن هذه المبالغة هي التي تدفعنا إلى أن بن نبي ممكن أن يكون مصاب بالبارنويا، ولو عاش بن نبي إلى اليوم لأعتبرنا دمية في يد الإستعمار، وأن هذه المقالة موحاة منه لحرمان أفكاره من الإنتشار، بالرغم من أننا قد ألتهمنا كل أعماله، لكن هذا ليس معناه أن نتحول إلى سجناء له، فالأفكار لاتقدس مهما كان صاحبها، بل تناقش وتطور، ويتم تجاوزها في أحيان كثيرة، هذا إذا أردنا أن تكون للتاريخ حركة ويسير إلى الأمام، وليس جمودا أو يعود بنا إلى الوراء.
ان مبالغات بن نبي تجاوزت الحدود في بعض الأحيان، فهل من المعقول إتهام أستاذ في القاهرة بذلك إلا لأنه لم يعط لطلبته إحدى كتبه كمرجع لبحث حول الآفرو-آسيوية، لكن نستغل ذلك لنطرح سؤالا هاما جدا وهو الجدير بالدراسة، فلما لم يذكر أي كان، ومنهم بن نبي، أو يقوم بدراسة عن المدرسة الإستعمارية في باريس، والتي يطلق عليها "المدرسة الوطنية لماوراء البحار" التي تأسست عام 1885، أين كان يتخرج مسيري وإطارات البلدان المستعمرة، فلم يقترب أي كان منها وبمناهجها، وبقيت غامضة إلى حد اليوم، بل محيت من الذاكرة كأنها لم تكن موجودة أصلا، هنا لب الحديث.
يبدو أن هذه المدرسة ومايلقن فيها لهؤلاء المسيرين لا زالت تعمل وتلقن لبعض عناصر الأنظمة التي تسير الدول التي أسترجعت إستقلالها، لأنه في بعض الأحيان يتساءل الإنسان كيف تعجز هذه الأنظمة في تسيير أبسط الأمور من أجل البناء الإيجابي للدولة، لكنها تبدو كأن وراءها عقل جبار في علم النفس الشعوب وتخديرها وتطبيق مبدأ فرق تسد والقيام بسياسات لا تختلف كثيرا عن السياسات الإستعمارية إن لم تفوقها بكثير، هذا ما يدفعنا إلى الشك إن لم تزل المدرسة الإستعمارية تعمل وتكون هؤلاء بشكل او بآخر إلى حد اليوم، لكن نعتقد أنهم يتكونون في هذه المدارس الإستعمارية إلى حد اليوم، ويعرفون جيدا المناهج التي تدرس فيها في الوقت الذي يمنع فيه المؤرخين الإقتراب منها للقيام بدراسات حول هذه المدارس الإستعمارية.

البروفسور رابح لونيسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قراءة تراث مالك بن نبي يولد التقدير
عبد الله اغونان ( 2015 / 12 / 16 - 22:05 )

من الشائعات الايديولوجية في حرب الأفكار أن كل من يخالفنا مريض بمرض نفسي وهات ياااا مصطلحات اذ لو تتبعنا ذلك فقد قيل عن كل الأنبياء والعظماء
كلام غير موضوعي
نستغني عنه بقراءة مالك بن نبي نفسه وندع سماسرة الثقافة جانبا اقرأ بنفسك واحكم وخذ موقفا
ولاتدع أحد ينوب عنك
خذ الكتاب بقووووووووووووووووووووة


2 - شكر
زمورة فاتح ( 2016 / 4 / 8 - 00:02 )
ملاحظة في القمة نقلا عن الكاتب شكرا
يبدو أن هذه المدرسة ومايلقن فيها لهؤلاء المسيرين لا زالت تعمل وتلقن لبعض عناصر الأنظمة
التي تسير الدول التي أسترجعت إستقلالها، لأنه في بعض الأحيان يتساءل الإنسان كيف تعجز هذه الأنظمة في تسيير أبسط الأمور من أجل البناء الإيجابي للدولة، لكنها تبدو كأن وراءها عقل جبار في علم النفس الشعوب وتخديرها وتطبيق مبدأ فرق تسد والقيام بسياسات لا تختلف كثيرا عن السياسات الإستعمارية إن لم تفوقها بكثير، هذا ما يدفعنا إلى الشك إن لم تزل المدرسة الإستعمارية تعمل وتكون هؤلاء بشكل او بآخر إلى حد اليوم، لكن نعتقد أنهم يتكونون في هذه المدارس الإستعمارية إلى حد اليوم، ويعرفون جيدا المناهج التي تدرس فيها في الوقت الذي يمنع فيه
المؤرخين الإقتراب منها للقيام بدراسات حول هذه المدارس الإستعمارية.


3 - إثبات وهم.
النووي خرشي ( 2016 / 6 / 9 - 13:11 )
عقدة الخوف من الآخر،تسميها عقدة ،وليست بعقدة ،التوجس سمة من سمات الذكاء ،لقد بني العالم وفطر على التدافع ،وساذج من يعتقد أن القوى المتدافعة الأعلى تهمل دور الفكر او تستنكف عن إيلاء مفكر كمالك بن نبي الاهتمام والمتابعة والعرقلة ان اقتضى الامر.
لقد وضع الكاتب في عقله مسلمة عقدة مالك بن نبي وراح يبحث عن ادلة لها فعجز ،فراح يلطم هنا وهناك دون ان يورد ما يعزز ما انطلق منه وارد تأكيده.

اخر الافلام

.. أحداث قيصري-.. أزمة داخلية ومؤامرة خارجية؟ | المسائية-


.. السودانيون بحاجة ماسة للمساعدات بأنواعها المختلفة




.. كأس أمم أوروبا: تركيا وهولندا إلى ربع النهائي بعد فوزهما على


.. نيويورك تايمز: جنرالات في إسرائيل يريدون وقف إطلاق النار في




.. البحرين - إيران: تقارب أم كسر مؤقت للقطيعة؟ • فرانس 24 / FRA