الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خميس أسود بوزرة بيضاء

الشدادي عزالدين

2015 / 12 / 18
الثورات والانتفاضات الجماهيرية




وأنا أدرس تلاميذي محور ~ دور الإنسان في التاريخ ~ وقف بي العقل كثيرا للتأمل في دور هذا الكائن الذي يعد جزءا لا يتجزأ من التاريخ ، وفي تأملي استوقفني أمر في غاية الأهمية مفاده أن هناك من يصنع التاريخ وهناك من يرمى في مزبلة التاريخ ليصبح قمامة تاريخية لا محل لها من الوجود . وأثناء شرحي وبعد خروجي من الفصل أثارتني تلك الصورة المشرقة التي رسمها الأساتذة المتدربين في مدينة الرباط بشكلها وعنفوانها وتنظيمها المتقن الذي بالفعل يليق برجل شاءت الأقدار أن نسميه رجل التعليم ، صورة تحكي عن حالها بدون مسائلتها وتقول لك وبلسان صارخ " كفى عبثا وكفى ظلما وعدوانا " ، وتسرد لك واقع غريب الأطوار من إيجابياته أنه لم شمل الأسرة التعليمية بآبائها وأبنائها ، ليخرج الكل موحدا ومنظما مما أضفى على الخميس لون البياض .
لكن الرباط ستكتب هذا التاريخ وتحدد اسم الإنسان الذي صنعه وهو الأستاذ المتدرب ابن الطبقة الكادحة التي لا تمتلك منزلا ولا سيارة وتقطن حيا شعبيا ، الأستاذ الذي يقطن الهوامش ويحاول عبثا صنع تاريخه الفردي مطبقا درس الوجودية " الفرد يوجد أولا ثم يحدد ماهيته من بعد " ، وتأتيك الصور تباعا وكأن المشهد سرياليا ، سلسلة منظمة وألوان زرقاء تنظم المسيرة وألوان ليمونية تردد الشعارات فيعود بك الحنين إلى أيام الجامعة والنضال وأيام العز المصاحب بدريهمات معدودة لا تكفيك حتى للحصول على قطعة خبز ودرهم زيتون أسود يشفي غليل بطنك ، ومع ذلك تناضل إما في الرباط أو خارجها ، لكن أهم ما ميز النضال هذه المرة هو أن التاريخ كتب بألوان الأمل وكأن الأنشودة تحكي :
سوف نبقى هنا كي يزول الألم سوف نحيا هنا ، سوف يحلو النغم
ولن يحلو النغم إلا وأنت تردد من وراء سليمان صاحب الصوت الحديدي الصداح :
رجاء ً...رجاءً ، ويبدأ في العد :
واحد ، اثنين ، ثلاثة ، أربعة ، خمسة
ويحدث الاسترسال وبصوت موحد " حرية ، كرامة ، عدالة اجتماعية " ، وترفع من بعدها شارة النصر والنضال .
إن هذا المشهد ليس هوليوديا ولا حتى بوليوديا ، ليس فيلما ولا حكاية ، بل حقيقة عاشتها الرباط بالأمس وكأن هذه المدينة كتب لها أن تكون شارعا لقهرنا وهمنا وظلمنا وحزننا في ساحة عرفناها أكثر من ابائنا ، وقبة نام فيها نوابنا قبل أن يجدوا الحلول المناسبة لمشاكلنا التي لا تنتهي بسبب العبث في التدبير والتسيير ، وبعد هذا الظهور تعود الصورة من جديد لرسم لك ما لم تراه عينك المجردة ، أطفال ونساء وأمهات وشعار موحد مكتوب على الجبين قبل القلب " لا للمرسومين المشؤومين والملعونين "
من يلتقط هذه الصورة إذن أيها السادة ؟
قد لا يلتقطها المسؤول ، لكن التاريخ وضعها في أرشيفه وكتب فوق محياها يوم وزمن الحدث حتى يظل شاهدا على صنع المعلم للتاريخ ، وصنع أب المعلم للتاريخ وصنع أم المعلم للتاريخ ، وصنع الطالب للتاريخ ، ليفهم التاريخ بعدها أن أجمل الثورات كانت بيضاء بنكهة العلم والمعرفة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا


.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا




.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2


.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع




.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم