الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيناريوهات اوردغان في حيز التطبيق

فالح الحمراني

2015 / 12 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


الاجتياح التركي الجديد للاراضي العراقية لم يكن مفاجئة بل هو استمرار لاستراتيجية انقرة في الاعتماد على القوة لنشر نفوذها. فقد قام سلاح الجو التركي خلال فترة طويلة بانتهاكات لا تحصى لاجواء الدول المجاورة واجتياح اراضيها، من دون اعتبار للقانون الدولي ولا احترام لحسن الجوار.
هناك من يرى ان من وصفهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "بالطغمة الحاكمة في تركيا" يخططون لإستعادة مجد الدولة العثمانية وبسط نفوذ انقرة في حدودها القديمة، واخرون في قمع تطلعات القوميات وخاصة الكردية واثارة الانشقاقات بينها لحرمانها من حقوقها المشروعة، وثمة مؤشرات على ان انقرة تريد ان تكون دولة اقليمية في اطار تحالف " مصغر" تارة يضم اسرائيل وآخر دول خليجية ، للهيمنة على مقدرات المنطقة ووضع حد لنهوض قوى اقليمية اخرى منافسة خاصة ايران.
لقد استقبل الرئيس رجب طيب اوردغان موجة الربيع العربي بترحاب بالغ وحتى ظهر بمظهر راعي لها، ليس لتشجيع القوى السليمة فيه وانجاز شعارات الديمقراطية الفعلية وتأمين الحرية والخبز للجماهير مهضومة الحقوق وبناء أركان دولة المؤسسات التي نادت جماهير الثورات العربية مجهوضة الحقوق، وانما استغلال الفرصة لمد نفوذه عليها والتلاعب بتوجهاتها. وليس من الغريب ان يطرح اوردغان للغرب، نفسه قائدا للمنطقة لدعم تركيا في مساعيها للهيمنة اقليميا وفرض نموذج نظامها الذي اظهره بمثابة " إسلام معتدل" في مواجهة " الاسلام المتشدد" الذي تسير خلفه الجماعات الارهابية والسلفية، اي ليكون وكيلا للغرب بادارة المنطقة وتدجينها.
وثمة دلائل على ان اوردغان تفاهم مع الغرب وبالدرجة الاولى امريكا على ان حركة "الاخوان المسلمين" هي المرشحة لقيادة التغيرات المطلوبة لفرض اسلام " معتدل" مناسب للغرب. ولذلك قدم اوردغان الدعم اللامحدود لحركات الاخوان في المنطقة وكثف نشاطها حتى اتهمت في بعض دول الخليج بالاعداد لانقلابات والسيطرة على الحكم هناك. ولكن الحكومات هناك كانت يقظة من الخطط الجهنمية فسارعت لقمع الوليد في مهده وتقليم الاظافر وزج الناشطين في السجون او هروبهم في منافي اختيارية ليمارسوا نشاطهم المحموم عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ملاذ المهمشين من كافة الانتماءات والفئات.
وبهذا خسر اوردغان جولته الاولى، فانهار نظام نظام محمد مرسي في مصر الذي راهنت عليه انقرة ليكون الحليف المؤتمن في مشروع مد نفوذها الاقليمي وتضائلت موجة حركة الاخوان الملسمين في دول الخليج، وعادت في مصر، الى طبيعتها الاصيلة كجماعات ارهابية. وبرهنت التطورات على ان الرئيس التركي بنى قصورا على الهواء. وان مشاريع احياء مجد الدولة العثمانية غدت اطغاث احلام.
واعاد اوردغان النظر بخططه بعيدة المدى، ووضع سيناريوهات جديدة، تطلب تحقيقها التعاون مع الجماعات الارهابية واسس شبيهة لها. فتركيا بحاجة الى ورقة قوية لتكون طرفا في معادلة تسوية النزاع السوري وقضايا المنطقة الاخرى، مع الاحتفاظ لنفسها "بقصمة" كبيرة من الكعكعة " السورية"، بما ذلك تؤمن نفسها السيطرة على القومية الكردية لقمع تطلعاتها في تحقيق حقوقها المشروعة اسوة بشعوب المنطقة الاخرى، علاوة ان تكون "جندرمة" المنطقة لكسب ود الغرب وتلقي المساعدات الباذخة على خلفية مؤشرات تدهور حالة الاقتصاد وظهور افاق مهتمة له لقاء خدمات محددة.
الاسلوب الجديد الذي اعتمدته القيادة التركية الظهور بمظهر قوة اقليمية في المنطقة تساهم في تقسيم النفوذ وتوزيع المهام وتوزيع الثروات. واتقنت قواعد النظام الدولي الجديد، الذي احدى سماته تناسي الدول الكبرى " المسؤولة" القانون الدولي والتحرك وفق اهوائها ومصالحها ، وتتيح نفسها اجتياح الحدود والاعتداء على سيادة الدول الاخرى وفرض ارادتها عليها، وبغيرها فان الدولة الضيحة تعرض نفسها للذوبان والتفكك وتكف ان تكون دولة. والاجتياح لا لنقل منجزات الحضارة الغريبة العظيمة ولا لمساعدة الدول لتصفية تاخرها والاخذ بيدها نحو افق التقدم العلمي والتقني وانما لاثارة الوضي وتقسيم المجتمعات.
وضمن هذا السياق راحت تركيا تنتهك حدود جيرانها بلا حياء وبمبررات واهية. واصبح انتهاك اجواء اليونان وقيام السلاح الجو التركي بطلعات لانزال الضربات بمواقع ومنشاءات في سوريا عملية عادية، ولم تكلف انقرة نفسها الالتزام بقواعد القانون الدولي ونيل موافقة تلك الدول قبل انتهاك حرمة اراضيها واجوائها.
ولايخفى ان اوردغان واصل سياسات الحكومات التركية المتعاقبة في السنوات الاخيرة، ازاء العراق وجعل من الحدود " شفافة جدا" يمكن تجاوزها بخفة في اي وقت كان، دعك عن انتهاك اجواء العراق وانزال الضربات بمواقع يختارها. وتتم هذه الخروقات بتجاهل متعمد لمواقف الحكومات العراقية والقانون الدولي.
ان الاجتياح التركي الجديد للحدود العراقية علاوة على وجود قاعدة في دهوك يجري التستر عليها، هو الاخطر من نوعه، لكونه ياتي في اطار استراتيجية جديدة توظف لتقسيم العراق بما يناسب مصالح تركيا وبعض القوى المحلية والدولية، بحجة انه افضل السيناريوهات لتطويق الوضع المتفجر هناك ، ولا يستبعد ان يتضمن هذا السيناريو اضفاء نوع من الشرعية على داعش كدولة لتضم لها المناطق السنية الاخرى. ان ما يجري وراء كواليس السياسة الدولية هو طبخة " قذرة" للاجهاز على الدولة العراقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتوسع في إفريقيا.. والسودان هدفها القادم.. لماذا؟ | #ا


.. الجزيرة ضيفة سكاي نيوز عربية | #غرفة_الأخبار




.. المطبات أمام ترامب تزيد.. فكيف سيتجاوزها نحو البيت الأبيض؟ |


.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. فهل تتعثر مفاوضات القاهرة؟




.. نتنياهو: مراسلو الجزيرة أضروا بأمن إسرائيل | #غرفة_الأخبار