الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثنائية التفرد ، العمومية في المشهد القصصي

سعاد جبر

2005 / 11 / 6
الادب والفن


يتولد النص القصصي في مشهده العام من تخؤم الرؤية الأيدلوجيه التي تحرك كاتب النص ، وتنعكس في تماوجات خفية على السطور ، تحرك أعصاب النص ، ويتشكل من خلالها أبعاد الرؤية الفلسفية للكاتب في حيثيات النص ، فيغدو النص صورة جزئية ينعكس منها الكل والعموم ، لأن المشهد الأدبي في جوهره صورة نقشية استقرائية تعزفها أنامل لغة الأدب ، بحيث تترتب الجزئيات في منظومة النص الأدبي ويشكل مجموعها البعد الأيدلوجي العام في آتون تلك اللحظة الفردية المحتبسة في المشهد القصصي . والتي انطبعت بتفرد الأديب في بث تلك اللحظة في منظومته التفردية في العرض . وان كانت في واقعها هي مستقاة من لوحة الواقع المتاحة للجميع في بعد العمومية . وان ركون الأديب إلى منصة العمومية في مظلتها العامة فأنه يضاد بذلك التوجه منصة الإبداعية المتفردة في الأدب ، ويغدو بروح نشاز في مجتمعه الأدبي ، ويحكم على عمله الأدبي بالانتحار قبل الميلاد ، وهذه معضلة مسارات الحركة الأدبية في واقعنا المعاصر ، إذ تتكاثف فيها نصوص تنتهج بعد الرؤية العمومية وتفتقد للتميز الفردي الإبداعي في العرض لها ، وتغدو لوحة مسجلة ببغاوية للواقع وليست صوت صداح رقراق منتزع من بحار التفرد في عزف سيمفونيات الإبداع المتفرد على النص ، لأن من سمات الإبداعية الأدبية بلوغ مقام التفرد الصياغي والتصويري في سبك الحروف على النص ، بحيث يتم تجاوز الواقع الموضوعي الملموس إلى ظلال زاوية تجريدية ملتقطة منه ، ومصهورة في بوتقة التفرد الإبداعي ، فتسلط على بعد وحدة " الزمان ، المكان " في نزعات ذلك التفرد ، وتختال في أزقة " الأنا " ونداءاتها الخفية المبطنة في الأعماق فتنطبع على الشخوص ، وفق مؤثرات ذلك التفرد عليها ، في إطار العفوية وعدم التكلف في الحراك في متطلبات الإبداعية والجودة في النص القصصي
وهنا تدور إشكالية " الصدق الأدبي " والصدق التاريخي في النص ، فالنص القصصي قد يعكس بؤرة ضوئية تاريخية ولكنه ليس معنياً بالتتبع التاريخي لها على سبيل المثال ، والكلام ذاته يساق على مشهد الواقع ، فليس مطلوبا من الرسالة الأدبية تصوير الواقع بعموميته على النص كما هو في أبجديات صدقه الواقعي ، ولكن المطلوب هو عكس ظلال زاوية الأديب الذاتية عليها في تصويره المتفرد لذلك المشهد الملتقط من مسرح الحياة ، فتبسط هنا " الفردانية " أجنحتها بقوة على النص فتتشكل اخيلته واسقاطات ذاته وتعرجات أفكاره على جنبات الدراما المحركة للنص في بعد التفرد الإبداعي ، وهنا تعاود إشكالية " الموضوعية ، الذاتية " فرض حضورها في مواجهة النص القصصي ، وترجح الكفة هنا للرؤية التفردية التي تعزز بعد الذاتية في التعاطي مع النص القصصي ، مقابل الموضوعية التي تسلط الأضواء على الواقع المباشر في حيثياته في النص دون انطباع الذاتية فيه ،وصقل إحساسها واخيلتها وتفردها في بث الفكرة بتجريد منساب على النص ، والتي تولدت من احتباس لحظة من الواقع الموضوعي المباشر ، ولكنها انصهرت في بوتقة التجريد الأبداعي المتفرد وانطلاقاً مما سبق ؛ فأن الذاتية التفردية تحكم مسارات المشهد القصصي في الانطباع في ضوء معادلة " الأنا ، الأن ، هناك " ، إذ قد تتكاثف الذاتية الفردية في حصر تجريدها في الأنا واسقاطاتها المبطنة في اللاشعور وتعرجاتها وصرخاتها الدفينة ونشوات لذتها المبطنة ، وقد تحصر نفسها في تتبع الشخوص وهندسة تركيب اللاشعور في اسقاطات ذواتهم على المشهد القصصي ، وقد تنطبع في تعرجات المكان وتفصيلات اخيلته في بعد إبداعي مثير ، وقد تشكل إضاءتها في التلاعب مع اللغة المجردة في الزمان وتشكيلة المجسد في النص وهناك ذاتية تهوى التحليق في تساقطات غيمات الأيدلوجيا السياسية على النص في بعد " الزمان ، المكان ، الشخوص " وهناك نصوص تتلذذ ذاتيتها في تفتيت الذات في بعد انعكاسات السيكولوجيا على النص الأدبي فتغدو الحروف مختبر نفسي تجري فيها انعكاسات الإسقاط الفرويدية بين مملكة الباطن الدفينة بالمتناقضات و مملكة" الأنا" المحافظة على تماسك الظاهر و تجريدات الأنا العليا التي تحكم الواقع و لغة " الهو " في تهيج تصاعدها عالم الأخر ، ونصوص في لغة المتناقضات بين ثنائيات العواطف المتضادة بين الأكتئاب والزهو او الممكن والمستحيل ولوحة انشطارات الذات المبهمة في عوالم اللانهات في الأشياء او التعبير بلغة تجريدية فوضوية الحروف عن واقع مبهم من جنس تلك الحروف التائهة الضائعة في النص ، ويطول الاستطراد في مسارات تلك الذاتية المتفردة في إبداعاتها على النصوص
وما سبق ذكره من تقرير لبعض مسارات تلك الذاتية المتشكلة في النصوص الإبداعية في المشهد القصصي ينقل القارئ المتدبر تباعا معنا إلى إثارة تلك الإشكالية في ثنايا حديثنا السابق ومفادها ؛ هل نتعامل مع النص في ضوء نظرية موت مؤلف النص أم في ضوء حقيقة انبعاث " الأنا " من ذاكرة الكاتب إلى قوام النص في السرد ، وتلك الجدلية النقدية تناولتها الموائد النقدية في البحث والإثارة وما زالت رحى التساؤلات فيها دائرة ، وإن كنت لا أرى غضاضة في تشكل الذاتية في النص وانعكاسات الأنا عليه ، ولكن بعفوية عذبة دون تكلف في سبك النص ، لأن العفوية العذبة المنسابة تجذب القارئ من جنبات النص فيغدو في السطر الأول في عمق قلبه وأحشائه الدفينة ، بعكس التكلف الذي ينفر القارئ من النص في بدء الوصل ، ولكن هناك من يرجح بعد التوازن في تلك الإشكالية بين غياب ذات الكاتب عن النص وانعكاسات مؤثراته على النص في الآن ذاته في ضوء العفوية والابتعاد عن لغة التكلف والمباشرة التقريرية
والخلاصة المستقاة مما سبق مناقشته الخصها على النحو الأتي
ـ ضرورة التأكيد على أن الأديب يعكس مؤثراته الشعورية على " الفرد ، المبهمات ، حادثة ما ، حراكا ما ، مشهدا ، لحظة ما ، عوالم المتناقضات ..الخ " في مجتمعه لأبراز حقيقة ذاتية ما ، يرسمها بريشته الأدبية على الملأ ويعلنها بنوع من التأكيد في تعرجات ريشته على لوحته الأدبية المترعة بألوان متبانية منتزعة من اسقاطات ذاتيته على مسرح مجتمعه
ـ يشكل الأديب كينونة مستقلة وفريدة فهو عالم له بعده الذاتي المتسم بفردانية خاصة ، وهي تتصاعد في الأديب المبدع بشكل تفنى معه الصورة الجمعية المرئية للأشياء
ـ لايعد المشهد الأدبي صورة تطابقية عن مسرح الواقع بل هو لوحة تجريدية انعكاسية له، تصقلها مؤثرات الإسقاط اللاشعوري ، ومتطلبات المهارة الفنية في الأداء ، التي تتفاوت ابداعيتها من أديب إلى أخر ، لذا لايعد المشهد القصصي مشهدا تصويريا حرفيا للواقع ، بل هو صورة تفردية لحيثيات ذلك المشهد في الكل والجزء في ضوء المؤثرات الأسقاطية والرمزية والتجريدية ومتطلبات الأداء الفني في النص ، وتلك المعطيات تشكل لغة ديناميكية في النص ، وتلعب دورا في رسم مؤثراته بشكل فاعل إيجابي ، بحيث يحمل في طياته طاقات القة نضرة في تشكيل تلك اللحظة المحتبسة في النص ، في سمات ذكاء الفكرة ولغة الخلق التفردي الأبداعي في الإسقاط وتدفق العاطفة الصادقة وموكب الأخيلة الشفافة وفنيات السرد في التهئية والإغلاق واحكام العقدة في الربط الذهبي لقوام النص وانعكاسات اشراقات تفككها في النص في لغة جذابة ودراما محركة مشوقة منبعثة من سماءات لحظة شعورية مختزلة محتبسة في المشهد القصصي
وفي نهاية تلك الدارسة النقدية لتلك الثنائية في ثلة لوحة الأدب وثنائياته ، أرجو أن أكون قد وفقت في عرض تلك الثنائية في لغة علمية هادئة دافئة ، تنساب بجاذبية في عرض ماس أفكارها ، وأسدي كل تحايا المحبة الصادقة والتقدير لكل مار عليها من عوالم فضاءات الأثير الندية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟