الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكاتبة امينة عبدالله/تعيش حالة التداخل النصي والتداخل النفسي

وجدان عبدالعزيز

2015 / 12 / 20
الادب والفن


حينما تناولت ديوان امينة عبدالله بالقراءة ، تبادر الى ذهني قضية التناص وتداخل النصوص ، ونحن ندرك ان الفكر الانساني مر بثلاث مراحل 1- مرحلة اللانصية قبل ظهور النص المكتوب ،و لا وجود للتراكم المعرفي و لا استعادة للتاريخ للتعليق عليه.
2- مرحلة النصية مع ظهور النص المكتوب، وتدوين المعرفة وتخزينها في صورة نصوص .3- مرحلة التناص وهي مرحلة تقاطع النصوص بعضها مع بعض، فلا يكتفى بتدوين المعرفة، بل تشكيلها وإبداع نصوص جديدة من نصوص حاضرة ونصوص ماضية . وبما ان الكاتبة امينة تنتمي للمرحلة الاخيرة ، فالمحصلة انها عاشت نصوص من سبقها واجترت وامتثلت لما تحمله هذه النصوص من معاني مخبوءة في تعاريجها ومسالكها .. يقول روبرت شولز : (النص المتداخل هو نص يتسرب الى داخل نص اخر ليجسد المدلولات سواء وعى الكاتب بذلك او لم يع)، بمعنى ان الكاتب الحديث لايستطيع الدفاع عن براءة نصه الذي يكتبه الان ، لـ(ان النص ليس ذاتا مستقلة او مادة موحدة ولكنه سلسلة من العلاقات مع نصوص اخرى) كما يقول ليتش ، ومن هذه المقدمة استطيع ان اتفاعل بقراءتي وديوان (كان الماء عبدا ساجدا) باعتباره عكس لي ثقافة الشاعرة امينة عبدالله وتجربتها الكتابية سواء في الشعر العامي او شعر القريض ، وكان جل اهتمامها في ذلك الاخر الذي شاركها مسارات الحياة واصبح عتبة من عتبات المعنى في هذا الديوان .. تقول :

(لم أكن أتألم
وأنا أرى حبيبتك تمرح حباً ،
ولم أغضب من
تغيير رقم هاتفك ،
ومقهاك ،
وميدالية المفاتيح .
لم أكن أعتصر ألماً
بل تفهمت لمعان عينيك
وتيهك بخطو المحب المتوج ،
وانتظرت سماً فى قهوتك
كما الأتراك
ولن أحاول إنقاذك .
بل أتحرك مرحا
فى مقهاى وحيدة ،
أعلق نعياً
دون ذكر
لزوجة أولى
أو أطفال ذكور يحملون اسمك أبداً
ألهو مرحاً
بقلم أسود يكتب
اسمك
مودعاً ذكراك عند
حبيبة جديدة)

اذن هنا رسمت عتبة العقوق من هذا الاخر وتمسكت بالمكان "المقهى" وراحت ترسم الوان انفعالها عليه وكانت في قصيدة (كان الماء عبدا ساجدا)، قد رسمت تمسكها به بقولها )

(استرقت
النظر اليك ، وأنت تستحم
كان الماء
عبدا ً ساجدا ً
كان
بمثابة نهر بلقيس الذى

أوقفتنى فيه
وكنت ذهبا ً متحركا ً
يقطر ماءا ً..
كنت
تشبه دمعى .)

وبين انفعال الاكتشاف في هذه القصيدة وبين العقوق بدى قلق الشاعرة التي تمسكت بالانتظار ، فجاءت قصيدة (الاطراف الباردة)، لترسم حالة التوغل في الحياة ومادام الشاعرة متوغلة في متناقضات الحياة ، تبقى في عالم الانسان وشبكة الرموز كما هي اللغة تعبر من خلالها عن الخير والشر ، يقول ايبكتيتوس : (ليست الاشياء في ذاتها خيرا او شرا، وانما الذي يخيف الانسان منها هو افكاره وتصوراته عنها)

(كنت
بكرا ً بأطراف باردة
هذى الأطراف الباردة كمشرط طبيب
فتحت جرحى كاملا ً
اقتصت من انتظاراتى التى لا تنتهى
دون أن تحاسبنى
على ولادة مبكرة لى
أو حضور متأخر منك .


هذى الأطراف الباردة
عندما أغلقت عينى بغية هدوئى
فتحت أنهارا من السكينة التى لم تحدث لى أبدا
رسمت فى جبينى علامة صلاة بيضاء
- وليست محايدة -

الأطراف الباردة
لفنان تشكيلى كسول فى خلق كائناته حولى
زرعت أطفالا
يلهون فى محطة الباص التى فى عينى
بنت بيوتا ً
يفر إليها الغرباء ممسكين بأخر ما تبقى من آثار بلادهم .

الأطراف الباردة
عادلت من قلبى سخونة الفرار
سارعت بزرع بهجة بكر
أخطأت طريقها من قلبى
مرارا ً.)

فكانت الحياة مع هذا الاخر عبارة عن لوحة لفنان تشكيلي كسول، والحياة تشبه اطراف باردة ، لكن في قرارة الشاعرة محاولة لمعادلة بين البرودة وسخونة الفرار كي تحصل على ارض بكر لزراعة البهجة متسلحة بسلسلة من الانتظارات ، وعلى اقل تقدير تحاول الشاعرة من خلال نصوصها الاحساس بجمال الحياة والحب ، ثم تقول في قصيدة (روح الله) :


كل إمرأة
تستطيع ترك تذكار
أو
أثر لا ينسى فى حياة حبيب
إلاى
تركت روحى أرضا متسعة
لتذكاراتك التى لا تأتى ،
كنت أبكى
كل شهر بانتظام...
"إذا ما أحبت المرأة رجلا اشتهت منه طفلا تفر به"
فسألت الله
لما البخل فى هذا التذكار بالذات؟

أكانت العلاقة أقل من روح الله؟!)

هكذا تطرح اشكالية العلاقة بين الرجل والمرأة ولاسيما علاقة الحب ومن ثم العلاقة الجسدية التي تتكلل في انجاب الاثر، أن الواقع يتكلم ,والحقيقة واضحة كوضوح الشمس لا يمكن حجبها,وان ما نعيشه اليوم هو اشبه ما يكون بمعادلة حياتية بين الرجل والمرأة ,وان لكل علاقة خصوصيات ويكمن بداخلها أسرار وهذه الأسرار وطبيعة سلوكياتهم لا يتم كشفها إلا من خلال قراءة الابداعات التي قد تكشف لنا شيئا ما ، اذا ما تمعنا في دواخلها ، والشعر حين يخوض غمار ألمساءلة فإنه يتوخى توليد الرؤى الاستبصارية والاستشرافية، بدءا من تفجير لغة الكائن الإنساني المهووس بالاستكشاف وبالنزعة التشكيكية التي تتخطى نزعة ديكارت العقلانية التي لا تعترف بالوجود إلا لما يتخطى مرحلة الشك، بمعنى أن الوجود مرتبط بالتفكير، لأن الكائن هو نتيجة عملية التفكير.. هذه هي فلسفة امينة عبدالله الوجودية وعلاقتها بالاخر، فالشعر ينحو منحى تأويليا فائضا عندها، فحب الحكمة ليس إلا قراءة لا متناهية لوجود لا متناه، ومن ثم يغدو فهم العالم سبيلا لتجريب كينونة المتخيل، هذا التجريب الذي يبدأ من تكسير حدود الواقع الحسي والواقع المعقول أيضا ليلج اختبار الاستحالة. وكما يرى جورج باتاي، فالإمكانية العقلية ليست هي البعد الوحيد لوجودنا، فقد يتاح لنا أن نعيش كل حدث يخصنا في علاقة مزدوجة، مرة نعيشه كشيء نفهمه، ندركه، نتحمله، ونسيطر عليه بربطه في النهاية بقيمة الوحدة، مرة أخرى نعيشه كشيء يخفى عن كل استعمال، وعن كل غاية بل يفلت من قدرتنا على تجربته، لكننا لا نستطيع نحن أن نفلت من تجرته. كما لو أن الاستحالة - تلك التي فيها لا يعود بإمكاننا أن نتمكن منها - كانت تنتظرنا وراء كل ما نعيشه ونفكر فيه ونقوله".. هذا الصراع عاشته الشاعرة امينة عبدالله في ديوانها ، ورسمت ملامح الغياب اي غياب الاخر ، وكانت هي في الضفة الاخرى تعيش حالة الانتظار .. وهنا اشير بالقول : ولا يكون النص نصا إبداعيا إلا من خلال المشاركة التواصلية الفعالة بين الأركان الثلاثة المؤلف والنص و القارئ. ويدل هذا على أن النص الإبداعي يتكون من عنصرين أساسيين النص الذي قوامه المعنى وهو يشكل أيضا تجربة الكاتب الواقعية والخيالية، والقارئ الذي يتقبل آثار النص، سواء أكانت إيجابية أم سلبية في شكل استجابات معينة لا تخلو من الترميز البالغ، وهذا يجعل النص يرتكز على الملفوظ اللغوي والتأثير الشعوري في القارئ على شكل ردود تجاه محمولات النص.ومنهجية القراءة وفقا لهذه النظرية تسير باتجاهين: من النص إلى القارئ ومن القارئ إلى النص،وبهذا فإن ما يقوله النص أو قائله من معان ومضامين ليس هو المهم وإنما ما يتركه من آثار شعورية وفنية وجمالية وعناصر تكتب الخلود للنص لدى القارئ. ومن هنا اجد معطيات نصوص الكاتبة امينة واضحة وجلية وتعطي معانيها الاولية، ولكن هناك معاني مختفية تحتاج للقراءة والتمعن .. ولهذا راحت تعتمد على الومضة الشعرية والاشارة الباثة في قولها :

(ندبة
**
حاولت مرارا
سرد تفاصيل جسدها
ثم
احتارت
فى وصف
الندوب الأكثر وضوحا .

تفاوض
**
عقدت جلسة صلح
بين
جسد شوهته بيديها
و
روح شوهها الألم
... ... ... ...
لم تسفر الجلسة
عن شىء.



كوب شاى
**
أتمتع
دائما بودأشياء.
مقعد مفضل
كوبى الخاص بالشاى،
رائحة صابون خاص بالجروح.)

وهنا اعتمدت المعالجة الجسدية والروحية معا .. والمؤثرات مشتركة بين الجسد والروح ، قال باحثون وأكاديميون، إن: «السلام هو نوع من التناغم بين الجسد والروح والعقل»، ورأوا أن المرء لا يمكن أن يعيش في سلام ويسلب حقوق وسلام الآخرين، ذلك أن السلام النفسي لا ينتقص أبداً من سلام الآخر».وأضافوا أن «السلام مع الذات ينعكــــس على الآخرين في التعامل وغيره، والسلسلة تغذي بعضها البعض، الفرد يؤثر علـــى الأسرة، والأسرة تؤثر على المجتمع وتكتمل السلسلة، والأمر بالمثل من الجهة الأخرى، حيث سياسة الدولة المبنية على السلام تورد السلام للمواطنين وتغذيهم بها». وهكذا كان ديوان (كان الماء عبدا ساجدا) قد عالج عدة مواضيع مهمة عاشتها الشاعرة بتفاصيلها ونقلت لنا معاني ظاهرة واخرى تتخفى بين الاسطر ..



ديوان (كان الماء عبدا ساجدا) للشاعرة امينة عبدالله/ الناشر:دارطبرق للنشر والتوزيع والاعلان
طبرق - ليبيا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان محمد الجراح: هدفي من أغنية الأكلات الحلبية هو توثيق ه


.. الفنان محمد الجراح يرد على منتقديه بسبب اتجاهه للغناء بعد دو




.. بأغنية -بلوك-.. دخول مفرح للفنان محمد الجراح في فقرة صباح ال


.. الفنان محمد الجراح: قمت بالكثير من الأدوار القوية لكنها لم ت




.. نقيب المهن التمثيلية يكشف حقيقة شائعة وفاة الفنان حمدى حافظ