الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرامية والظلم الاجتماعي والبرلمان العراقي

سمير عادل

2015 / 12 / 21
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


اذا تذكرنا رواية "البؤساء" لكاتبها فيكتور هيجو وهو يصف الظلم الاجتماعي في فرنسا بين أعوام 1815 – 1832، حيث يستعرض بطلها "جان فالجان" الذي حكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات بسبب سرقة خبز لأخته وأطفالها الذين يتضورون جوعا، ليضيف اليه اربعة عشرة عاما اخرى بسبب هروبه المتكرر، فنجد ان الواقع العراقي يسجل ظلما اجتماعيا ليس اقل وحشية ولا قساوة من الظلم الاجتماعي الذي وصفته رواية "البؤساء". واذا كان "جان فالجان" يمثل الشريحة البائسة من الحرامية، فان اعضاء البرلمان العراقي يعتبرون من الطبقة الارستقراطية للحرامية حسب التصنيف الطبقي للصوص في الرواية المذكورة، ليستقطعوا بكل وقاحة 3% من رواتب العمال والموظفين والمتقاعدين. بيد ان الظلم الاجتماعي لا يكمن في تلك الوقاحة بل يتعداها عندما يعلن بأن تلك الاستقطاعات تذهب قسما منها الى الحشد الشعبي، كي تلجم الاحتجاجات وتكمم الافواه ضد سياسة الاستقطاعات واتهام المحتجين ضد قرار الاستقتطاع بالخيانة الوطنية ودعم عصابات داعش. فكما حكم بالسجن على "جان فالجان" لمدة خمس سنوات بسبب سرقته رغيف للخبز، فلقد حكم على جماهير العراق بالعوز والافقار ولكن بسبب حفنة من ارستقراطية اللصوص.
وقرار البرلمان المذكور يشحذ ذاكرتنا لتعود بنا الى ايام "قادسية صدام"، حيث كان النظام البعثي يستقطع من رواتب العمال والموظفين والتبرع به الى المجهود الحربي بحجة الدفاع عن البوابة الشرقية والدفاع عن الوطن. والمشترك بين السياستين، قرار البرلمان وقرار النظام البعثي، هو الدفاع عن وجود الطبقة السياسية الحاكمة من ارستقراطية اللصوص باي ثمن على حساب مصالح الاغلبية المحرومة من جماهير العراق.
ان تزامن قرار البرلمان باستقطاع 3% من رواتب العمال والموظفين والمتقاعدين مع موافقة البنك الدولي باقراض العراق مليار 200 مليون دولار لم يكن محض صدفة ابدا، وفي نفس الوقت يفضح اصلاحات العبادي المخزية التي لم تشرع الا لشد الاحزمة على بطون العمال والموظفين والمحرومين في العراق. فاذا تتبعنا مقتطفات من بيان صندوق الدولي" إذ يشيد بمباشرة الحكومة العراقية في تنفيذ برنامج صارم للإصلاح الاقتصادي" وان غاية القرض "القرض سيستخدم في إصلاحات في ثلاثة مجالات هي إصلاح نظام أجور القطاع العام والحد من عمليات حرق الغاز، وتوسيع أنشطة توليد الكهرباء من خلال استخدام الغاز، وخفض الإنفاق على دعم الطاقة"، فنجد الترابط بين اصلاحات العبادي ومنح العراق قرضا من قبل البنك الدولي وقرار البرلمان. اي ان اصلاحات العبادي نسجت وحيكت كي تضرب صميم معيشة العمال والموظفين الذين يشكلون 4 ملايين شخص في القطاع العام، ويضاف اليهم اسرهم ليبلغ على الاقل 15 مليون شخص، مضاف اليه 7 مليون كحد ادنى يعشيون تحت خط الفقر. وما يزيد على فضاعة الظلم الاجتماعي الذي تشهده جماهير العراق هو تلك الاقلام المأجورة والموهومة بالعبادي، الذين لم ينبسوا لحد الان بكلمة حول ماذا يعني تشديد خناق الفقر والبؤس على جماهير العراق!
وهكذا تتكالب اصلاحات العبادي وقرارات البرلمان وسياسات البنك الدولي على العمال والموظفين والمتقاعدين من اجل اثراء واغناء ارستقراطية اللصوص والحرامية في الحكومة والبرلمان العراقي.
وكلمة لا بد منها، لو ان العراق للجميع، ولو ان الحد الادنى للمساواة يتمتع بها البشر في العراق ، ولو ان نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر ليس ثلث شعب العراقي كما تقول لنا الاحصاءات الرسمية، ولو ان النازحين الذين يقدر عددهما بأكثر من 4 ملايين شخص تعاملت معها الحكومة بشكل انساني وليس على اسس طائفية، ولو ان الفيضانات لم تغرق بيوت المعدمين من المواطنين في المدن المختلفة، ولو ان المدن توفر فيها الحد الادنى من الخدمات، نقول لو ولو..، لتبرعت جماهير العراق بدمائها قبل مالها من اجل التصدي لداعش، ولما احتاج الى فتوى رجال الدين للتطوع بالتصدي لداعش التي لم يهرع اليها غير الذين ضاعت بوصلتهم وظل بهم الطريق، او الذين دفعتهم البطالة كي يجدوا عملا في صفوف الحشد الشعبي. وسرعان ما كشفت الايام ان "فتاوى التطوع" واكسير "الدفاع عن الوطن" ليس اكثر من الدفاع عن سلطة الاسلام السياسي الشيعي. والادهى من كل ذلك نجد المرجعية تكتفي فقط بسوق الجماهير للحرب بالدفاع عن الوطن تارة ضد داعش، واخرى ضد توغل الجيش التركي في حين لم تحرك ساكنا ضد الغزو الامريكي واحتلال العراق، ولم تحرك ساكنا ضد اي قرار من قرارات الحكومة والبرلمان مثل قرار سلم الرواتب الجديد او قرار استقطاع 3% المذكور، لانه في الاول تحول "الوطن" من وطن البعث ووطن صدام حسين الى وطن الاسلام السياسي الشيعي ووطن المرجعية، وفي الثاني استقطاع قوت الجماهير ومنحها الى مليشيات الحشد الشعبي من اجل الدفاع عن قلعتها، قلعة الاسلام السياسي الشيعي.
ولذا على الجماهير ان لا تنطلي عليها مبررات استقطاع رواتبهم، ولا الادعاءت الزائفة والمظللة سواء للاقلام المأجورة او لساسة البنك الدولي، فلتستمر من تصعيد احتجاجتها لانه بات لا شيء تخسرها بعد ان استحوذت ارستقراطية اللصوص على كل شيء ولم يتركوا حتى الفتات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من المفاوض المصري المتهم بتخريب المفاوضات بين حماس وإسرائيل؟


.. غزة: ما الجديد في خطاب بايدن؟ وكيف رد نتنياهو؟




.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن