الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كاراج الجنوب

طلال ابو شاويش

2015 / 12 / 22
الادب والفن


(كاراج) الجنوب أو موقف مستشفى الشفاء ... المشهد الموزاييك ... جلسات النميمة للسائقين ... أعرفهم جميعاً تقريباً ... وصداقات نشأت مع عدد منهم دون معرفة الأسماء ... في مواقف السيارات لا قيمة للأسماء !
بائع الطحال ... طالب من مدرستي ...تركها قبل سنتين وعمل على عربة صارت جزءً أساسياً من مشهد الكاراج ... لم أتناول طعامه يوماً ... فقط نكتفي بالسلام والتحيات ... بائعا المكسرات... الأخوان ... أحدهما طالب في مدرستي ... جاءني ذات يومٍ يتلوى من مغصٍ شديد ... منحته إذناً لمغادرة المدرسة قبل انتهاء الدوام ... وبعد أقل من ساعة فوجئت به مع أخيه يبيع المكسرات .... أنبته بلطفٍ فتمتم بخجل:
- أفعل ذلك دائماً ولكنني أتجنبك لدى قدومك إلى هنا !
بائع القهوة ... قهوة السائقين ... قهوة بلا قهوة ... مذاقها أقرب إلى مذاق الحمص... أشتريها تضامناً مع صاحبها فقط ... أرتشف رشفتين مع سيجارة بلا مذاق أيضاً لإحساسي بالجوع ... فحتى هذه اللحظة من المساء لا أتناول أي شيء سوى القهوة والشاي والسجائر إلى جانب وجبات دسمة من اشكاليات الطلاب في مدرسة ذكور إعدادي !
الأهم وسط المشهد العريض هو السائق (أبو الحسن) ذو الوجه الطيب ... ثلاث سنوات يقلني بسيارته إلى المدرسة ... وفور صعودي إلى جانبه يناولني العدد الأخير من مجلة (الوعي) الخاصة بحزب التحرير الإسلامي ... ثم يتبعها بأعداد من الصحف الخاصة به... ولا يكتفي بهذا بل يلتفت إلي بوجهه الحسن ويتمتم:
- هناك مقالة رائعة للدكتور الفلاني ... ركز في تحليله جيداً !
وبعد أن تنتهي عملية التسليم والتسلم للنشرات السرية يسارع إلى إلقاء خطبة عصماء عن أية قضية محلية أو إقليمية أو عالمية ... نظرية المؤامرة حاضرة بقوة طبعاً ... تخوين كافة القيادات دون استثناء حدث ولا حرج ... وحكم الخلافة الإسلامية ينتظر متحفزاً على " التابلو " بل أقرب إلى يده من مقود السيارة !
وهكذا يستمر قصفه اللغوي طوال الطريق من المخيم إلى المدينة .... وأحمد الآلهة أن المسافة قصيرة ولا تأخذ وقتاً أكثر من خمسة عشر دقيقة ... وفي أحيان كثيرة أشعر بكلماته كالطوب تتراشق أمام وجهي إلى النافذة لتتلاشى في الفضاءات المجاورة !
ثلاث سنوات يتكرر نفس الطقس وأنا أحتمله بمزاجي ... بالأمس فقط ... رأيت وجهه طافحاً بالغضب ... صمت قليلاً ثم ناولني المجلة والصحف المعهودة ... كما ناولني ورقة صغيرة وطلب مني أن قراءتها له !
تناولتها مستغرباً ... كانت نموذج لمخالفة مرورية عاقبه بها شرطي المرور قرب الكاراج ...
- مخالفة مائتي شيكل ... لماذا؟ تمتمت وأنا أفكر في شيء آخر تماماً...
- ترخيص السيارة انتهي منذ شهر !
لاحظ ارتباكي بذكائه الفطري ... طوى الورقة بهدوء وألقاها أمامه ثم نظر إلي بإصرارٍ غريب وردد بحدة:
- نعم أستاذ ... أعرف ما يدور برأسك ... أنا لا أجيد القراءة ولا الكتابة فعلاً !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس


.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه




.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة


.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى




.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية