الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قائمون على أمن أوطاننا أم نائمون بين أحضان أعدائنا؟

طارق المهدوي

2015 / 12 / 22
السياسة والعلاقات الدولية


قائمون على أمن أوطاننا أم نائمون بين أحضان أعدائنا؟
طارق المهدوي
تشرح البروتوكولات السرية المتداولة بين مطابخ صناعة القرار في العواصم الكبرى ذات التأثير العالمي والإقليمي والمحلي مفهوم الأمن القومي، باعتباره رسم خرائط التحديات والمصالح المحيطة بالوطن مع السعي لتضييق دوائر التحديات وتقليل مخاطرها إلى أدنى حد ممكن والسعي لتوسيع دوائر المصالح وزيادة منافعها إلى أقصى حد ممكن، عبر وضع ما يناسب كل دائرة من استراتيجيات وتكتيكات سياسية قابلة للترجمة الفعلية على أرض الواقع في شكل خطوات ميدانية وإجراءات يومية معروفة باسم "قواعد الاشتباك"، يتم توزيعها على جهات الاختصاص المختلفة مع المتابعة اللصيقة لكيفية تنفيذها والتدخل الفوري عند الضرورة بهدف دعم المتعسر أو المتعثر تنفيذه من تلك القواعد، وصولاً إلى إزالة المخاوف والعوائق لفتح آفاق التقدم أمام المسارات الصاعدة بالوطن نحو تحقيق هدفه النهائي المتمثل في التنمية الشاملة والمتوازنة والمستديمة، فإذا كان هذا المفهوم العلمي النظري للأمن القومي لا يقتصر فقط على الدولة بمعناها الضيق إنما ينطبق على عموم الوطن بمعناه الواسع الذي يشمل فيما يشمله الأرض والشعب أيضاً إلى جانب الدولة، وإذا كان لا يقتصر فقط على المؤثرات الداخلية المحلية إنما ينطبق على كافة الشئون السياسية للوطن بمعناها الواسع الذي يشمل فيما يشمله المؤثرات الخارجية العالمية والإقليمية أيضاً إلى جانب المؤثرات الداخلية المحلية، فإننا نكون بصدد أربعة حقائق علمية نظرية ثابتة على الدوام هي:-
1 – إن الأمن القومي للأوطان لا يتأثر باختلاف ميول أو اتجاهات الدول أو الحكومات المتعاقبة على هذه الأوطان.
2 – إن الأمن القومي للأوطان يتغير فقط عندما تطرأ على دوائر التحديات والمصالح المحيطة أية اختلافات بينية أو تبادلية هامة وبحيث يتم التغيير تبعاً لمدى وحجم ونوعية ما حدث من اختلافات دون تهويل أو تهوين.
3 – إن الأمن القومي للأوطان يعيد ترتيب أولويات الأهمية والاهتمام داخل خرائط التحديات والمصالح المحيطة أولاً بأول تبعاً لما يطرأ من اختلافات على مدى وحجم ونوعية المخاطر أو المنافع التي تشكلها دوائر تلك الخرائط دون أدنى نظر إلى الاعتبارات الأخلاقية.
4 – إن الأمن القومي للأوطان يختلف بالضرورة الحتمية من وطن إلى آخر دون أدنى نظر لطبيعة ومستوى العلاقات الودية أو العدائية أو المحايدة بين تلك الأوطان.
وعملاً بقاعدة أسبقية منع الخطر على جلب المنفعة فإن مقالنا هذا سيقارن ما سبق ذكره من مفهوم علمي نظري للأمن القومي مع دوائر التحديات في واقعنا المصري المعاصر على أن نخصص مقالاً لاحقاً لدوائر المصالح، حيث تبرز أمامنا أربع مجموعات من دوائر التحديات المتفق دائماً على مخاطرها البالغة رغم اختلاف ترتيب أولوياتها أحياناً ألا وهي:-
1 – الكيان الصهيوني المحتل للأراضي الفلسطينية المتاخمة لحدودنا الشرقية بأطماعه نحونا وضدنا، والتي يبدأ حدها الأدنى عند السيطرة والهيمنة وبسط النفوذ على قراراتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مع ضمان استمرار تحييد شبه جزيرة سيناء وتجريدها من السلاح والسكان، بينما يصل حدها الأقصى إلى مواصلة التوسع الاستعماري الاستيطاني لالتهام مجمل الوطن المصري بهدف إقامة دولة إسرائيل الكبرى.
2 – الدول الأفريقية العشر المطلة على منابع ومجاري نهر النيل بأطماعها نحونا وضدنا والتي يبدأ حدها الأدنى عند إعادة توزيع الحصص المائية لإيراد النهر كله بزيادة أرصدتها خصماً من رصيدنا، بينما يصل حدها الأقصى إلى تغيير مسارات المجاري المائية للنهر مع إقامة مشاريع استثمارية كبرى عليها مما يسفر عن تقليص وتقزيم الرصيد المائي الوارد لمصر إلى درجة الجفاف القاتل لنا.
3 – الشركات الرأسمالية العالمية المستغلة عابرة الحدود ذات الوكلاء الإقليميين والتوابع المحليين بأطماعها نحونا وضدنا، والتي يبدأ حدها الأدنى عند تحويل الكثافة العددية الضخمة للمصريين إلى مجرد سوق استهلاكية للمنتجات السلعية والخدمية الراكدة والمتراكمة في مخازنها، بينما يصل حدها الأقصى إلى زيادة أرباح تلك الشركات غير المستحقة عبر استغلالها شبه المجاني لمجمل مواردنا الاقتصادية كرؤوس الأموال والأيدي العاملة والطاقة والثروات الطبيعية والموقع الجغرافي والأراضي الصالحة لتخزين منتجاتها ودفن نفاياتها وخلافه، بما يصاحب هذا التحدي من تعميق للتفاوت الطبقي والفساد الإداري اللذان بدورهما يفرزان عدة مخاطر على رأسها انتشار الفقر والخلل الاجتماعي وبالتالي اتساع نطاق الجرائم الجنائية.
4 – نمو الأفكار والثقافات الفاشية المدعومة من قبل بعض الطامعين الإقليميين والعالميين داخل مختلف أوساط الدولة والمجتمع والسوق والعلاقات الخارجية سواء كانت تلك الأفكار والثقافات دينية أو قومية أو وطنية أو حتى طبقية، بما يصاحب هذا التحدي من تعميق للجهل والغباء الجماعي اللذان بدورهما يفرزان عدة مخاطر على رأسها انتشار التطرف والعنف وبالتالي اتساع نطاق الجرائم السياسية.
ورغم أن هذا التنوع في دوائر التحديات التي تواجه مجمل الوطن المصري بما يفرزه من مخاطر عديدة جسيمة تهدد الأرض والشعب والدولة معاً، كان يلزم مسئولي جهات الاختصاص الدفاعية والأمنية والدبلوماسية والإعلامية والثقافية القائمة على حماية أمننا القومي، باتخاذ كل ما يلزم من خطوات وإجراءات صارمة مباشرة أو التفافية ماكرة لتضييق دوائر التحديات وتقليل مخاطرها، إلا أن هؤلاء المسئولين أصبحوا اليوم يفعلون عكس ذلك تماماً عبر تطبيعهم للعلاقات الثنائية مع إسرائيل وتوقيعهم للاتفاقيات المائية مع إثيوبيا ومنحهم للشركات الرأسمالية العالمية المستغلة ما تطلبه من امتيازات تجارية واستثمارية، وعبر فتحهم لكافة بوابات الدولة والمجتمع والسوق والعلاقات الخارجية أمام مختلف الفاشيات الفكرية والثقافية والمؤسسية سواء تمثلت في فلول الفاشية الطبقية والوطنية والقومية المحلية المندثرة أو في جحافل الفاشية السلفية المصرية المدعومة بسخاء من قبل الحركة الوهابية الحاكمة للسعودية، ليكون هؤلاء المسئولين ضيقي الآفاق ومحدودي الذكاء كالنائمين بين أحضان أعدائهم بالمعنى الحرفي والتفصيلي للكلمة والوصف!!.
طارق المهدوي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيلين ديون تكشف عن صراعها من أجل الحياة في وثائقي مؤثر


.. -هراء عبثي-.. شاهد رد فعل مؤرخ أمريكي على الديمقراطيين الذين




.. نيويورك تايمز: تجاهل البيت الأبيض لعمر الرئيس بايدن أثار الج


.. انتخابات الرئاسة الإيرانية.. مسعود بزشكيان




.. بزشكيان يحصل على 42 % من أصوات الناخبين بينما حصل جليلي على